تزايدت معدلات الطلاق فى السنوات الأخيرة لتسجل الإحصائيات الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء ومركز دعم واتخاذ القرار التابع لرئاسة الوزراء حالة طلاق كل عدة دقائق، الأمر الذى ينذر بكارثة مجتمعية، ما جعل «حواء » تخصص صالونها الشهرى لمناقشة هذه الظاهرة التى باتت شبحا يهدد الأسرة والمجتمع انطلاقا من مسئوليتها المجتمعية التى اضطلعت بها منذ أكثر من ستين عاما، وسعيا وراء الخروج بتوصيات لمواجهة هذه الظاهرة.
استمرارا لما طرحته مجلة
«حواء » عبر عددها «معا لمواجهة الطلاق » جاء هذا الصالون الذى شارك فيه عدد من الشخصيات العامة والمعنية بقضايا المرأة فى محاولة لطرح حلول لتلك الظاهرة التى تنخر فى قوام المجتمع المصرى..
شارك فى الصالون النائبة البرلمانية مايسة عطوة، ود. حنان يوسف، رئيس لجنة الإعلام بالمجلس الأعلى للثقافة، والإعلامية فاطمة فؤاد، ود. دينا الجندي، عضو لجنة المشاركة السياسية بالمجلس القومى للمرأة، ود. سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، ود. أميرة شاهين، الأخصائى النفسى الإكلينيكى للاستشارات الزوجية والأسرية، إلى جانب عدد من الشخصيات العامة والمعنية بقضية الحفاظ على استقرار الأسرة المصرية.
بدأ الصالون بكلمة للكاتبة الصحفية سمر الدسوقي، رئيس تحرير مجلة «حواء » رحبت خلالها بالضيوف، وأكدت أن قضية الطاق من أخطر الظواهر المجتمعية التى تهدد استقرار الأسرة والمجتمع، ورغم الحديث عنه باستمرار إلا أن ارتفاع معدلاته مؤخرا قد بات يستدعى الوقوف على أسباب هذا وإيجاد حلول له، وقالت: تطرق الرئيس عبدالفتاح السيسى فى حديثه بأخر مؤتمرات الشباب التى تم عقدها مؤخرا إلى خطورة تزايد معدلات الطاق ووجه إلى النظر فى الطاق الشفهى وكذلك الصامت على وجه الخصوص لحماية الأسرة من الانهيار، وهو ما دعا مجلة «حواء » إلى ضرورة تبنى هذه القضية من خلال البحث عن أسبابها ومحاولة تلافى هذه الأسباب، لافتة إلى أن هناك العديد من المشروعات القومية العملاقة التى تنفذ على أرض الواقع والتى تهدف إلى النهوض بأوضاع مصر إلا أنها لا يمكن أن تقوم وتؤدى الغرض من إطلاقها طالما أن الأجيال الشابة التى ينوط بها تحمل مسئولياتها والعمل بها فى المستقبل تتجرع مرارة انفصال الأبوين وتعانى آلاما وأمراضا نفسية جراء الطاق، وهو ما يعنى أنها ستكون عاجزة عن أداء هذا الدور، مؤكدة على أهمية دور الإعام ومؤسسات المجتمع كافة فى مواجهة هذه الظاهرة والحد من تفاقمها، ومعلنة عن إطلاق مجلة «حواء » لدورة تدريبية مجانية لتدريب المقبلين على الزواج كمحاولة لتلافى هذه المشكلة.
هاجس الطلاق
قالت د. حنان يوسف، رئيس لجنة الإعام بالمجلس الأعلى للثقافة: لا شك أن الطاق يمثل هاجسا لكل أسرة مصرية، وعلى الرغم من أن الله أحله إلا أنه سبحانه جعله أبغض الحال، لذلك كان الرجوع إلى تعاليم الدين حلا لكافة المشكلات التى يعانيها مجتمعنا وفى مقدمتها الطلاق، حيث لفت القرآن إلى بداية القضاء على تلك الظاهرة وهى المعاملة الطيبة بين الزوج حيث قال «وعاشروهن بالمعروف »، داعية إلى ضرورة تغيير الإعلام لطريقة عرضه للمشكلة من خال طرحه لحلول لها وليس تسليط الضوء عليها وإبراز سلبياتها، وتبنى خطاب مختلف يتماشى مع حاجتنا لبناء الدولة من خال استقرار الأسر.
وتابعت: يخطئ الكثير حينما يظن أن الطلاق يقتصر آثاره على الأسرة فقط، بل يمتد ليؤثر على المجتمع والأوضاع الاقتصادية للدولة ككل، لذا كان مواجهة المشكلة مسئولية كل فرد وواجبا وطنيا بداية من حسن اختيار الشريك ومراعاة التعاليم الدينية فى معاملته له، بالإضافة إلى تبنى الإعلام حمات توعوية تعنى بمقومات الحياة الزوجية السعيدة، مؤكدة على أنه على مؤسسات المجتمع المدنى حالة حدوث طلاق إعادة تأهيل
ضحاياه حتى يتمكنوا من استكمال حياتهم وتكوين أسرة جديدة على أسس سليمة.
القانون المنزلى
أما النائبة البرلمانية مايسة عطوة ، فقد أكدت على أن الأسرة
المصرية ظلت مصدرا للقوانن لفترة زمنية طويلة، وقالت: كانت الأم توجه ابنتها لكيفية الحفاظ على حياتها الزوجية التى كانت تحكمها عادات وتقاليد مجتمعية صارمة، وفى حالة انتهائها كان الانفصال يتم بالتراضى بين الطرفن ووفقا للأعراف، لكن مع تغير ثقافة المجتمع وانفتاحه على ثقافات مختلفة وغزو الزواج العرفى للجامعات المصرية الذى ساهم فى انتشاره تقليص دور الأم وضعف تأثيرها داخل أسرتها باتت القوانين الفعلية ضرورة ملحة لتنظيم العلاقات، أما عن القوانن المقدمة لمجلس النواب فيما يتعلق بالأحوال
الشخصية، فسنعمل خال الفترة المقبلة على دراسة كافة مشاريع القوانين المطروحة للمناقشة لدينا بحيث تكون الأسرة والحفاظ عليها وإحداث توازن بين أطرافها هدفا أساسيا لنا.
الطلاق فى الدراما
فى حين أشارت الإعلامية فاطمة فؤاد فى كلمتها إلى أن نظرة
المجتمع كانت ولفترة طويلة سلبية بالنسبة للمرأة المطلقة لذا لم تكن تلجأ إلى الانفصال مهما احتدمت الخلافات بينها وزوجها حفاظا على أسرتها وهروبا من نظرة المجتمع، بل كانت تكتفى بالبقاء على علاقتها الزوجية أمام المجتمع لكنها فى حقيقة الأمر كانت تعيش حياة خالية من المشاعر بن الزوجين وهو ما يسمى «طلاق صامت »، لكن مع ظهور القوانن الداعمة للمرأة تغيرت ثقافة المجتمع وتبدل خوف المرأة على أسرتها إلى سعيها لنيل حقها والدفاع عن كرامتها، ومن هنا لاحظ البعض ارتفاع معدلات الطلق فى حين أن هذا الأمر كان موجود بالفعل وبنفس المعدلات ولكنه لم يكن معلن.
وعن رأيها فى صورة الزواج والطلاق المقدمة على الشاشة وكيف قد تلعب دور فى زيادة معدلات الطلاق قالت: لا شك أننى أدعو الإعلام وصناع الدراما إلى مساندة الدولة ومؤسساتها فى مواجهة تلك الظاهرة التى باتت
تؤرق الأسر المصرية وتهدد استقرار المجتمع، خاصة وأن أغلب الأعمال التى تكرس لأهمية الزواج وتدعوا لنبذ الطلاق كانت أعمال درامية انتجت فى فترات زمنية سابقة وليس الآن.
غزو خارجي
من جانبها قالت د. سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع: طرأ على الشخصية المصرية تغير كبير خلال السنوات الأخيرة نتيجة الانفتاح الكبير على الثقافات المختلفة للعديد من الشعوب وتأثرها بها، وقد ساهم فى ذلك الثورة التكنولوجية فى وسائل الاتصال والتى جعلت من العالم قرية صغيرة، لافتة إلى أن انعدام لغة الحوار بن طرفى الحياة الزوجية وغياب القدوة الجيدة وتقلص دور الوالدين فى الأسرة ساهم بشكل كبير فى اندثار الهوية المصرية وعادات المجتمع الأصيلة التى عظمت من دور الأسرة، لذلك ارتفعت معدلات الطلاق.
وأضافت: لا شك أننا نحتاج إلى تضافر كافة مؤسسات المجتمع من الأسرة إلى المؤسسة الدينية والإعلام وكذلك وزارة التربية والتعليم من خلال ما يقدم فى المناهج لمواجهة هذه المشكلة من خلال العودة لتنشئة الأبناء بصورة سليمة تقوم على تعظيم دور الأسرة ومواجهة هذا الخطر الوافد إلينا والذى يتعاظم من خلال ما تقدمه وسائل التواصل الاجتماعى من صور تجسد للانفصال والطلاق دون النظر إلى تأثيرتهما السلبية.
وعن الأسباب التى تؤدى لتفاقم الخلافات الزوجية ومن ثم الطلاق قالت د. أميرة شاهين، الأخصائى النفسى الإكلينيكى للاستشارات الزوجية الأسرية: فترة الخطوبة كفيلة بإظهار عيوب كل طرف، لكننا دائما ما نأمل فى تغيير شريك حياتنا وتعديل سلوكه بعد الزواج وهو أمر غاية فى الصعوبة، إلى جانب سوء التأويل من الطرفين لتصرفات الآخر، وغياب لغة الاستماع بينهما، بالإضافة إلى تدخل الأهل والأصدقاء فى الخلافات الأسرية ما يتسبب فى تفاقمها، لذا أدعو المقبلن على الزواج إلى وضع أسس واضحة لنجاح العلاقة فى مقدمتها الاختيار الجيد لشريك الحياة، وأن الزواج يعنى تنازل عن جزء من الحرية من أجل بناء أسرة، والإيمان بصعوبة تغيير طباع شريك الحياة ومحاولة التأقلم معها، إلى جانب ترك مساحة من الحرية لتبادل الآراء فى القرارات التى تخص الأسرة، محذرة من الآثار السلبية للط اق على نفسية الأبناء ومنها ضعف صورة الأبوين فى نظرهم، إلى جانب عزوفهم عن الزواج خوفا من تكرار التجربة الفاشلة التى عاشها الأبوان.
مراقبة الأبناء
من جانبها قالت د. دينا الجندى، عضو لجنة المشاركة السياسية بالمجلس القومى للمرأة: وفقا لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسى بالاهتمام بمشاكل الشباب خاصة المقبلين على الزواج، أطلق المجلس القومى للمرأة مبادرة
«معا لنبقى » لإعداد الشباب للحياة الأسرية بطريقة صحيحة خاصة بعد ارتفاع معدلات الط اق من 7% إلى 40 % خ ال السنوات الأخيرة ما ينذر بوجود خلل فى الأسرة المصرية.
وأضافت: أدعو المقبلين على الزواج لعدم تقليد الآخرين والرضا بالحياة والاختيار الجيد حتى يكونوا بداية لمجتمع متوازن وصحى.
وأرجعت د. رانيا يحيى، عضو المجلس القومى للمرأة تزايد معدلات الط اق إلى غياب القيم والمبادئ والمعايير الأخلاقية، وتفشى العنف الأسرى، والفهم الخاطئ للدين، قائلة: هناك بعض الرجال يطبقون التعددية كأصل فى الزواج وهذا ليس بصحيح، وبالتالى نحن بحاجة للتوعية بخطورة الطلاق وكيفية الحد منه، وهو ما نعمل عليه من خلال المجلس القومى للمرأة، وأدعو الإعلام والدراما والثقافة إلى توحيد جهودهم للحد من تلك الظاهرة.
كما دعت د. مها مروان، عضو المجلس القومى للمرأة فرع القاهرة، الأزهر الشريف إلى سرعة حسم الخلاف حول قضية الط اق الشفهى وضرورة توثيقه لتقليل الضرر الواقع على المرأة، لافتة إلى امتناع بعض الرجال عن توثيق الطلاق وهو ما يمنع المرأة من استكمال حياتها بشكل طبيعى.
أما الكاتبة الصحفية حميدة عبدالمنعم، نائب رئيس تحرير جريدة الجمهورية، فأرجعت ارتفاع نسب الطلاق إلى تزايد حالات العنف الأسرى، وانتشار الزواج المبكر والبطالة، إلى جانب غياب الوعى
الدينى، وتقول: هناك العديد من الخطوات التى يمكن أن تسهم فى حل المشكلة منها تدريب الرائدات الريفيات لحل الخلافات الأسرية وتعاون الوزرات المعنية لوضع خطط وحلول لمواجهة الطلاق ومنها وزارة التربية والتعليم من خال تضمينها للمناهج الدراسية لمواد تدعوا إلى الاستقرار والحفاظ على الأسرة، هذا بجانب قيام الإعلام بدوره فيما يتعلق بنشر النماذج الإيجابية التى نجحت فى إقامة حياة زوجية سعيدة، بالإضافة إلى احتواء الشباب وأسرهم وتقديم دورات تدريبية وتثقيفية لهم تعنى بالاختيار السليم قبل الزواج وكيفية إدارة الحياة الزوجية بطريقة صحيحة.
توصيات
قدمت المشاركات فى صالون «حواء » عددا من التوصيات للحد من ظاهرة الطاق منها:
- مخاطبة وزارتى التربية والتعليم والتعليم العالى بوضع مادة دراسية تتناسب مع المرحلة العمرية بالمراحل الدراسية المختلفة للتعريف بالعلاقات الأسرية السوية يشارك فى وضعها متخصصون فى جميع المجالات التى تخص الأسرة .
- الاهتمام بالتوعية الدائمة لجميع أفراد الأسرة وذلك فى النوادى ومراكز الشباب والجامعات والمدارس والأحياء الشعبية، تعنى بتغيير الثقافة السلبية والمغلوطات التى تكرس لسهولة الطاق وإمكانية اللجوء إليه فى أي وقت دون العمل على الحفاظ على استقرار الأسرة.
- تفعيل دور رجال الدين الخاص بالتوعية المستمرة لأهمية الأسرة واستقرارها .
- تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدنى المعنية بالمرأة والطفل من خلال تنظيم حمات توعوية إلى القرى والنجوع والأحياء الشعبية مع اتباع البساطة فى توصيل المعلومة الخاصة بالبعد عن الطاق بكافة الصور.
- ضرورة حصول المقبلن على الزواج على شهادة موثقة بعد الحضور لدورة تدريبية توضح لهم كيفية الاختيار السليم قبل الزواج.
- تنظيم دورات متخصصة للمنفصلين بشكل عام لإعدادهم ببدء حياة جديدة.
ساحة النقاش