ابتسام أشرف  

"وراء كل باب مغلق أسرار لا يعرفها أحد" تلك هى حقيقة الأسر التى قد نراها تعيش أسعد لحظات حياتها لكنها فى الحقيقة تعانى أشد معاناة فالبيوت أسرار.

بيوت يسودها الصمت وتعلوها الكآبة وتسيطر الرتابة والعزلة على العلاقة بين طرفيها -الزوجان- الذين اتخذا قرار الانفصال داخليا مع البقاء على الشكل الاجتماعى لعلاقتهما الزوجية بهدف الحفاظ على الأطفال وتجنب تشردهم أو تخيرهم بين العيش مع أيهما وهو ما يعرف علميا بالطلاق الصامت، لكن هل يعد هذا الطلاق علاجا للخلافات بين الزوجين؟ وهل يجنب الأطفال تبعات الانفصال المعلن؟ هذا ما حاولنا التعرف عليه من خلال مناقشة عدد من المختصين فى الطب النفسى وعلم الاجتماع.

في البداية تقول آية سليم، 33 سنة تعمل بمشروع أونلاين: عانيت الصمت الزوجى وإن شئت فقولى الخرس الزوجى بكل مراحله، البداية كانت خلافات بسيطة إلى أن اكتشفت خيانته، عندها قررت المغفرة من أجل الأولاد واستقرار الأسرة بعدما تعهد بعدم تكرار ما حدث، لكنه سرعان ما كرر فعلته عدة مرات، وبعد أن فقدت الأمل فى صلاح حاله أنهيت كل ما يربطنا كزوجين، واخترت أن أعيش من أجل أولادي فقط في منزل واحد لكن لا مجال للتواصل أو حتى الحديث، وأنا على يقين أن علاقتنا مصيرها الطلاق.

وتقول لبنى موسى، ربة منزل: الخلافات الكثيرة سواء على أمور اقتصادية أو حياتية قد أرهقتنا سويا، أصبح يومنا عبارة عن خلافات وانتقادات بعضنا للآخر، لذا ودون اتفاق مسبق قررنا الانفصال فيما بيننا لكننا نعيش تحت سقف واحد، متزوجان أمام الناس لكن حالنا الخفى لا يطلع عليه إلا الله، لا أنكر أنني فكرت في الهرب كثيرا من الوضع المزرى إلا أن خوفى على أبنائى وأملى فى تغيير حالنا يمنعانى من ذلك.

أما سوزان إسماعيل، ربة منزل فاختارت الانفصال عن الطلاق الصامت وتقول: بعد الزواج بمدة قصيرة لم تتجاوز الأسابيع اكتشفت أنه ليس الشخص المناسب، كان يعتمد أسلوب الصمت العقابي طوال الوقت وظللنا على هذا الوضع سنة، وبعدها ذهبت إلى منزل أهلي لمدة 6 أشهر ولم يسأل عني أو طفلي ولا مرة، كنت أشعر أنني مطلقة دون طلاق، مرت علي أيام أتساءل ماذا فعلت؟ وماذا أفعل بطفلي الصغير؟ إلى أن قررت الخلع، فلا خير في زواج لا وجود له سوى على الورق لا يوجد له مشاركة في الحياة.

على مدار عشر سنوات عاشت تقى رأفت، 48 عاما معلمة مع زوجها تحت سقف واحد لكن لكل منهما شأنه وحياته التى لا دخل للآخر بها، لم تعد بينهما مشاعر تجمعما أو حتى حديثا يتشاركانه، وتقول: 10 أعوام أو أكثر لم نعد زوجين داخل المنزل، فقد اختار أن أكون فقط أم أولاده ولم يعد بيننا تواصل أو حديث أو تبادل للمشاعر، ولكن البقاء كان من أجل أولادنا، أشعر بعمري قد تسرب من بين يدي لكن عزائي الوحيد هو أنني لم أحرم أولادي من أبيهم ووجوده في حياتهم اليومية.

أسباب وعلاج

تعلق مايسة فاضل، أستاذ علم النفس على الطلاق الصامت وأضراره النفسية قائلة: لا شك أن الأحداث اليومية التي نمر بها  لها تأثير على العلاقة العاطفية، ويعد الخرس الزوجي بمثابة الطلاق العاطفي بين الزوجين وعدم وجود لغة حوار بينهما ما هو إلا إشارة لقرب انتهاء هذا الزواج، وقد أصبح الخرس الزوجي من الآفات الحديثة التي تصيب الزواج خاصة مع انتشار التكنولوجيا ووجود الهواتف الذكية التى يقضى عليها الزوجان معظم أوقاتهما ما يزيد من المسافة بينهما، ويقلل احتمالية وجود حديث مشترك يجمعهما.

وعن الأسباب التي تؤدي إلى ذلك الخرس تقول مايسة: هناك أسباب عدة وعلاج هذه الأسباب في الوقت المناسب من خلال دكتور نفسي متخصص في العلاقات الزوجية يساعد الطرفين على تجنب الخرس الزوجي، ومنها غياب لغة حوار بين الطرفين، ووجود المشكلات الزوجية بشكل دائم والتى قد تدفع كل منهما لتجنب الحديث مع الآخر خوفا من نشوب المشاجرات، وقد تكون الأعباء المادية الملقاة على عاتق أحدهما سببا فى وصولهما إلى هذه المرحلة خاصة إذا كان الآخر لا يشاركه المسئولية، بالإضافة إلى عدم وجود اهتمامات مشتركة بين الزوجين.

وترى أستاذ علم النفس أن علاج الخرس الزوجي يكمن في محاولة تجنب المشكلات وعدم الالتفات إلى الأمور التافهة والتفكير بعقلانية قبل اتخاذ أي قرار والبحث عن حلول مناسبة بدلا من تبادل الاتهامات، والتحدث عن أسباب المشكلات والبحث عن حلول لها، بالإضافة إلى البحث عن المساعدة المتخصصة عن طريق الاستشارات الزوجية من المتخصصين.

 

مبادئ أساسية

تقول آمال إبراهيم، استشاري العلاقات الأسرية: غالبا ما يظهر الخرس الزواجي نتيجة مرور الزوجان بمشكلات كثيرة ناتجة عن اختلاف الطباع والآراء بينهما، وإخفاق كل منهما فى الوصول إلى حلول حقيقة للمشكلات نتيجة الضغوط الاقتصادية ومشكلات العمل، ما يجعل كل منهما يعيش في نفس المنزل لكن بلا تواصل إلا في أضيق الأمور الخاصة.

وتتابع: يبدأ الحل بالتواصل الصريح والمفتوح بين الأزواج، حيث يجب على كل شريك أن يعبر عن مشاعره وأفكاره بصدق ودون خوف، ويمكن البدء بجلسة يتحدث فيها الزوجان عن المشكلات الموجودة والعمل سويًا على إيجاد حلول مشتركة لها وتعزيز العلاقة بينهما، وهناك بعض المبادئ الأساسية التى يمكن أن تقلل من حدوث الخرس الزوجى بين الشريكين ومنها تعزيز معرفة كل منهما بشريكه، والفهم العميق لتفضيلاته، والتركيز على الإيجابيات والتقدير الصادق له، والتواصل الفعال، بجانب التغلب على الجمود واستخدام إستراتيجيات لتحقيق التقدم في القضايا الصعبة التي تبقى غير محلولة لفترة طويلة، وخلق اهتمامات مشتركة، ورؤية مستقبلية وأحلام وأهداف يسعى كل منهما لتحقيقها بمساعدة الآخر ودعمه.  


المصدر: ابتسام أشرف
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 287 مشاهدة
نشرت فى 10 أغسطس 2024 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,097,735

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز