لا للوصاية على المشاهدين
كتبت: تهاني الصوابي
ماذا لو حكم الإسلاميون مصر؟ هل تمتد أيديهم إلى الإبداع، وتمارس القوة الرقابية عليه، وهل سيكون المنع بقرار وقانون؟ أم بالقوة الجبرية والعنف غير المبرر، هل ستغلق معظم دور العرض أبوابها؟ أم يحاول البعض مجاراة الموجة والمد الإسلامى فى مصر والبلاد العربية التى شهدت ثورات الربيع العربى، وتعرض أفلاما ذات طابع خاص تسيطر عليها الأفكار السلفية والإخوانية؟ وإذا كان من الممكن التحكم فى دور العرض والسيطرة على نوعية الأفلام التى تعرض أو تنتج من خلال جهاز الرقابة على المصنفات الفنية وفرض رؤيتها ذات المرجعية الدينية على نوعية الأفلام، هل تستطيع تلك التيارات السيطرة على القنوات الفضائية؟ ومنع القنوات التى تقدم فنا يتعارض مع أفكارهم ورؤيتهم للفن أم تمارس نوعا من التشويش لإجبار المشاهدين على التخلى عن مشاهدة تلك القنوات، وتعويضهم بقنوات أخرى ذات طابع دينى تقدم أعمالا درامية ذات طابع دينى أو تاريخى على أكثر تقدير؟
تساؤلات عديدة دارت فى ذهنى وأنا أتابع إحدى القنوات الفضائية المتخصصة فى تقديم أفلام الزمن الجميل، وتقدم أروع ما قدمته السينما المصرية من كلاسيكيات وروائع الزمن الجميل بحق، حيث فوجئت أخيرا بإذاعة تنويهات على فترات متقاربة تحوى عبارات بمثابة مغازلة للتيار الإسلامى ومواكبة موجة المد الدينى التى انتابت مصر بعد المرحلتين الأولى والثانية من الانتخابات البرلمانية، حيث جاء الإعلان صادما عندما أعلن المذيع مطمئنا الأسرة المصرية بأن الأفلام التى سوف نشاهدها على هذه القنوات بلا «إباحية أو إباحة» خالية من المشاهد «الخادشة للحياء» ويمكن لأفراد الأسرة بأكملها مشاهدتها، لأن لديهم فريق عمل متخصص فى مشاهدة الأفلام قبل إذاعتها وبثها وحذف كل ما يمكن أن يضايق الأسرة ويثير حفيظتها.
توقفت كثيرا عند الإعلان وانتابتنى مشاعر متضاربة من الذهول والخوف وعدم التصديق مما أسمعه من قناة ارتبطت بها وجدانيا منذ اليوم الأول، واندهشت ما الذى حدث لكى تنقلب 180 درجة هكذا أى تغير اتجاهها من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، بعد أن كانت تذيع الأفلام كاملة بلا حذف أو رقابة، وتساءلت ما الذى دعا القائمين على القناة لإذاعة تلك التنويهات بصورة مكثفة فى الأيام الماضية خاصة وأن أفلام الزمن الجميل الذى تتخذ منها القناة شعارا لها ليس فيها مشاهد خادشة للحياء أو صادمة للمشاهد، ومعظمها يطلق عليه نوعية الأفلام النظيفة بحكم الفترة الزمنية التى انتجت فيها وطبيعة المجتمع المصرى فى ذلك الوقت حيث فترة الأربعينات والخمسينات والستينات من القرن الماضى.
أعتقد أن هذه القناة تسرعت عندما حاولت مجاراة المد الدينى، وسوف تخسر كثيرا عندما يمتنع أصحاب هذه الأفلام عن تجديد عقود حق العرض على شاشتها، ولن تستطيع إجبارهم على الموافقة على الحذف، ولن تجرؤ على الحذف دون الرجوع إليهم أو بدون علمهم لأن ذلك يعرضها للمساءلة القانونية، كما أن هذه القناة لن تستطيع تحمل وزر تشويه الأعمال الفنية التى تقدم كلاسيكيات السينما المصرية بل العربية، ولن تستطيع التيارات الدينية تحمل وزر القضاء على أتباع أى مبدع من المبدعين، لأن المشاهد المصرى العادى لن يسمح لأحد، أو لأى تيار مهما كان أن يفرض وصايته عليه.
المؤكد أن تلك القناة هى الخاسرة الوحيدة لأن المشاهد لن يقبل الوصاية عليه، وسوف يفر هاربا إلى قنوات أخرى تقدم له فنا بلا وصاية أو محذوفات.
ساحة النقاش