كتبت : نجلاء أبو زيد

 حكايات طلاق وزواج وخيانة .. قصص حب وشكاوي من رؤساء في العمل، معلومات كثيرة اسمعها دون رغبة مني والسبب ببساطة الحكي وكشف الأسرار الذي يمارسه الكثيرون عبر المحمول في الأماكن العامة ووسائل المواصلات.

أصبح كشف الأسرار والتحدث بلا حياء في أدق الموضوعات ظاهرة منتشرة مما يستوجب منا التوقف عندها والبحث في أسبابها وكيف يتحدث الناس دون خجل وهم يعلمون أن المحيطين بهم يسمعونهم .. وكيف يجب التعامل مع هذا الأمر ؟! >>

 

البداية مع عفاف - سكرتيرة أحد الأطباء - حيث تقول : بصراحة المحمول مشكلة فخلال جلوسى فى العيادة استمع لأسرار كثيرة وأتعجب كيف تحكى سيدة عن أسرار علاقتها بزوجها لشقيقتها وكأنهما يجلسان بمفردهما فى حين أن كل الجالسين ودون إرادة منهم يستمعون لما تقول .

وفى إحدى المرات نبهت إحدى السيدات إلي أن حديثها المسموع يتناول أمورا محرجة فأخبرتنى أنها تتحدث مع صديقتها ولا تعرف أحدا من الجالسين ولا تهتم برأيهم فتوقفت عن لفت انتباه الآخرين، فطالما تقبل الشخص أن يذيع أسراره فمن الصعب أن يفكر فى تأثير ذلك على المحيطين به.

انتباه

وتقول نهى عبدالله - بكالوريوس تجارة - : كثيرا ما كنت أتحدث مع صديقاتى فى موضوعات خاصة ولا أنتبه لمن حولى حتى حدث وسمعت مكالمة لإحدى الراكبات فى المترو ويومها شعرت بحرج شديد لخصوصية ما تقوله وتذكرت ما أفعله فانتبهت، ولفت نظر صديقاتى أننا ودون أن ندرى نذيع أسرارنا على الهواء، والأفضل إما أن نتحدث بشكل غير واضح أو نقول عناوين عامة وعندما نجلس نتحدث كما يحلو لنا لأن الآخرين عادة يتضررون من هذه المكالمات دون أن يخبرنا أحد وقد يعتقدون أننا بنات سيئات الخلق ومن ذلك الحين توقفت عن الحكى ووفرت فلوسى.

أسلوب مرفوض

وتروى نجوى عبدالحميد - موظفة - أحد المواقف التى مرت بها قائلة: لقد حدث لى موقف سيئ جدا بسبب التحدث بصوت مرتفع فى المحمول فبينما كنت أركب أحد الميكروباصات وإذا بشاب جالس بجواري يعاتب فتاة بشدة ويصرخ فيها لرفضه الأسلوب الذى تحدثه به ويخبرها أنه يحبها وسيتقدم لها وعليها أن تصدقه وتحضر لمقابلته وأنها يجب أن تثق فيه .

وكان الشاب غير مريح الهيئة فبدون وعى منى قلت له : بلاش تضحك على بنات الناس، تخّيلها شقيقتك هل كنت ستقبل أن تقابلك دون علم أهلها؟ وطبعا لم يعجبه كلامى وتشاجر معى واتهمنى بالتطفل على أسراره، وهنا تدخل باقى الركاب لأنهم مثلى سمعوا المكالمة وكان يوما لا ينسى.

سوء استغلال

ويحمل أمجد محمود -مدرس- انتشار المحمول تبعة انتشار أشياء أخــرى سخيفة بقوله : الأغلب يستخدمون المحمول ولا يهتمون بالمحيطـين بهم ولا بما يكلفهم كثرة الحديث فى المحمول، وقد ساهمت الساعات المجانية التى تمنحها بعض الشركات فى زيادة حالة سوء استغلال المحمول لدرجة أننى فى الفسحة المدرســـية ألاحظ أن جميع الطلاب يتحدثون فى المحمول وطبعا ليس مع أهلهم فالمسألة خرجت عن السيطرة فأصبح من السخيف أن تجلس فى مكان عـام ومن يجلس بجـــوارك يشركك دون رغبة منك فــى مشاكله وأسراره لأنه يحكى مع أصدقائه فى المحمول وغير مسموح لك بالتعبيــر عن عدم رغبتــك فى سماع ما يقول وإلا اتهمك بالتنصت.

استفزاز

أما الحاج عبدالمنعم على - على المعاش - فتحدث معى قائلا : المحمول صدع دماغنا فما أن أجلس فى مكان وأجد من يتحدثون بصوت مرتفع إلا وأنهرهم قائلا : بلاش تنشروا أسراركم بفلوسكم، ولأننى رجل كبير فى السن يخجلون منى وينهون المكالمات .

لقد أصبح الأمر مستفزا، فالناس تحكى ولا تنتبه لمن حولها ولا تعلم أنها بذلك تؤذى المحيطين بها لسماعهم ما لا يريدون وقد تؤذى نفسها إذا كان هناك بين الحضور من يعرف من تتحدث عنه، فالمحمول للمعلومات السريعة وصف مكان، الاطمئنان على شخص، لكن الحكايات فى الشارع يجب منعها، وعلى كل من يجد شخصا يحكى أسرارا أن يطالبه بالتوقف مراعاة لمشاعر الآخرين.

زوجي خائن

طلبت الطلاق بسبب مكالمة سمعتها عند دكتور الريجيم .. هكذا تحدثت سوسن بعد اكتشافها لخيانة زوجها مصادفة وعن ذلك تقول: بينما أنا آخذ جلستى فى مركز التخسيس احتلت السرير المجاور لى إحدى السيدات ثم جاءتها مكالمة وبدأت تتحدث مع رجل وتضحك على زوجته وتسأله عن حال عمله فى قطع غيار السيارات ومتى سيسافر لبورسعيد وأمور كثيرة جلعتنى أشعر أنها تتحدث مع زوجى أنا، وبعد إنهائها للمكالمة استدرجتها وعلمت أنها صاحبة محل كوافير بجوار محل زوجى وأنها تستعد للزواج منه ولم أخبرها بشئ.

وعدت للبيت، وقلبت الدنيا وطلبت الطلاق وتدخل الأهل وحدث الصلح وأخبرت زوجى كيف علمت وسامحته من أجل الأبناء وذهبت لها وتشاجرت معها وفضحتها فى المنطقة حتى اضطرت لترك المحل وكان صوتها العالى هو السبب الذى جعلنى أعرف قبل إتمام الزواج .

وإذا كان البعض يمارس الأمر بلا وعى والبعض يشكو منه فما رأى المتخصصين فى أسباب انتشار هذا الأمر وأثره على المجتمع ؟!

سلوك المصلحة

وعن ذلك تحدثت مع د. مديحة الصفتى - أستاذة علم الاجتماع - فقالت : اعتادت المجتمعات الشرقية الحفاظ على القيم والعادات والتقاليد واعتاد المجتمع المصرى بطبيعته المتحفظة على وضع حدود وقواعد للسلوكيات المقبولة والمرفوضة بين أفراد المجتمع، لكن مؤخرا ظهرت العديد من التغيرات الملحوظة على المجتمع وكان أبرزها عدم الاهتمام من قبل الكثيرين بما هو مقبول أو مرفوض من المجتمع.

لكن أصبح ما يمثله لى هذا السلوك من مصلحة أو فائدة هو المحدد الرئيسى لإقدامى عليه، وطالما يحقق لى ما أريد فلا يهم أحد ومن هذا المنطلق ظهر العديد من الأشياء غير المقبولة فى سلوكيات وملابس الأفراد وإذا طبقنا ما سبق على ما نلحظه الآن من قلة حياء وتحدث عن الأسرار أمام الآخرين دون تردد سنجد أنه أمر طبيعى بالنسبة للكثيرين، بل ووصل الأمر لدى البعض إلى اتهام من يرفضه بالتطفل، فكل شخص يعتقد أن حديثه فى المحمول هو حديث خاص وليس على الآخرين التضرر منه وليس عليهم الاستماع له وانشغال كل شخص بما له.. والمشكلة هنا هو عدم وضوح مفهوم الخصوصية لدى الكثيرين فعندما تبوح بأسرارك فى مكان عام فأنت بذلك تقضى على خصوصيتك وهنا ليس على الآخرين احترام ما لم تصونه . وأعتقد أن هذا خلل قيمى يحتاج لوقفة مع النفس ليعود احترامنا لذاتنا وتقديرنا لأنفسنا والابتعاد بها عما قد يسئ لها.

ونصحت د. الصفتى بضرورة لفت الانتباه لمثل هذه السلوكيات من خلال وسائل الإعلام ليشعر الإنسان بخطئه وأن نذكر من نسى قيمنا ومبادئ ديننا التى تحض على الحياء ولفت الانتباه إلى أن هذه السلوكيات تسئ للمجتمع ككل وتنشر الفضائح والقيم غير السوية وتجعل غير اللائق مقبـولا وهذا خطر شديد 

 

المصدر: مجلة حواء- نجلاءابو زيد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 856 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,733,587

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز