لم يكن حصول «م.س » على الطلاق نهاية لمعاناتها من ظلم رجل أذاقها شتى أنواع العذاب، بل كان بداية لمعاناة جديدة داخل أروقة المحاكم للحصول على نفقتها وأبنائها الثلاثة، لتدخل فى حرب جديدة يمثل فيها الزوج الديكتاتور المتعنت، وتمثل هى وأطفالها ضحاياها المتضررين.
هذا هو حال السواد الأعظم من الأمهات كما نعيش مع مشكلاتهن خلال الجولة التالية..
كان الحصول على نفقة مؤقتة بمثابة طوق النجاة لهدى رشدي، ربة منزل التى نجحت فى الحصول على حريتها من زوجها الذى أدمن المخدرات وأهملها وأبناءها الثلاثة، ورغم أن الزوج فى سعة من العيش إلا أنها لم تستطع أن تثبت دخله الشهرى نظرا لامتهانه أعمال حرة.
حال مها طارق، مدرسة لا يختلف كثيرا عن سابقتها فقد انفصلت عن زوجها إثر خلافاتها المستمرة مع والدته، ورغم امتلاكه صيدلية خاصة إلا أنه يصر على عنادها ونكايتها بل يفضل الحبس على دفع نفقتها وطفليها، وعند تقدمها بشكوى للقضاء أخبرها القاضى بأنه تم توقيع أقصى عقوبة نص عليها القانون.
أما غدير طلعت، موظفة بإحدى شركات الاتصالات فعلى الرغم من عمل زوجها بالقطاع الحكومى الأمر الذى سهل عليها إثبات قيمة دخله الشهرى إلا أنها لم تسلم من عند الرجال حيث قدم محامي الزوج أوراقا تثبت زواجه من أخرى وأنه أب لطفلين حتى يقلل قيمة النفقة، بالإضافة إلى مجموعة تقارير طبية تفيد بإصابته بأمراض بالقلب والكليتين وضغط الدم والسكر ليقرر القاضي أن نفقة العلاج أولى من رعاية الطفل.
ثغرات قانونية
يعلق د. صلاح الطحاوي، أستاذ القانون الدولي على معاناة المطلقات من عناد الأزواج واستغلالهم الثغرات التى يتضمنها قانون الأحوال الشخصية الحالى قائلا: هناك ملاحظات كثيرة على قوانين الأسرة خاصة في الشق المتعلق بنفقة الأطفال ومنها أن المحكمة تقدر النفقة على أساس مدى يسر ودخل الأب وهذا خطأ فادح حيث ينبغي أن تقدر النفقة وفقا لمستوى ودخل الزوج قبل التطليق وتأخذ بشهادة الشهود مع مراعاة الحد الأدنى للمعيشة والإنفاق بالنسبة للفرد، بالإضافة إلى أن المحكمة تلزم الزوجة بإثبات دخل الزوج وفي أغلبية القضايا تفشل المرأة ومحاميها في إثباته خاصة إن لم يكن موظفا حكوميا أو بالقطاع الخاص، ناهيك عن أن حسابات جميع البنوك سرية ولا يسمح لأي محامي أو رجل قانون الإطلاع عليها، كما يخير القانون الأب بين دفع النفقة أو الحبس وغالبا ما يختار الرجل الحبس لأن مدة الحبس في قضايا النفقة لا تتعدى ال30 يوما، إلى جانب العديد من الثغرات التى تتيح للرجل التهرب من نفقة أطفاله، فبعض النساء لا يستطعن الاستدلال على مكان سكن الزوج وعمله بعد الطلاق، كما يترك الأمر لعمدة البلد أو شيخها لتقدير دخل المتهرب من سداد النفقة في بعض القرى والنجوع المصرية، وقد يلجأ الرجل إلى إثبات إنفاقه على أشخاص آخرين أو إصابته بمرض خطير أو حتى حصوله على قرض بقيمة كبيرة يستقطع نصف دخله أو أكثر للتهرب من دفع النفقة، لذا أتطلع أن يراعى القانون مصلحة المرأة والطفل وأن يعالج هذه الثغرات التى يستغلها الأزواج فى عناد الزوجات.
آليات التنفيذ
يقول المستشار بهاء صالح، نائب رئيس محكمة النقض: تواجه المرأة العديد من المشكلات فى آليات تنفيذ قانون النفقة يدفع البعض منهن إلى امتهان أحقر المهن لتوفير قوت أولادهن، ومنها أن إعلان الأب بدعوى النفقة يستغرق 15 يوما بعدها تعقد عدة جلسات في محاولات لدفع النفقة بشكل ودى، كما أنه لا يقتطع سوى 25% فقط من أجر الأب للنفقة وهو ما يستغله العديد من الرجال لتقليل دخولهم للتهرب من سداد قيمة النفقة الحقيقية، لذا أتمنى أن يلزم القانون الجديد الرجل فور الطلاق بدفع نفقة مسبقة لمدة 6 أشهر للأطفال وأن يتم وضع حد أدنى للنفقة 1500 جنيه شهريا بغض النظر عن دخل الزوج، مع الأخذ في الاعتبار المستوى المعيشي والاقتصادي الذي كان يعيشه الأطفال قبل وقوع الطلاق، وأن يتم الفصل في قضية النفقة والبحث في جميع مصادر دخل الأب فور وقوع الطلاق، كما أطالب بمصادرة أملاك أو سيارة الأب الممتنع عن أداء النفقة للأطفال حتى نحفظ كرامة أطفالنا ونسائنا.
عن دور بنك ناصر فى توفير نفقة المطلقة يقول هشام وحيد، مدير عام الإدارة العامة للنفقة ببنك ناصر الاجتماعي: فور وقوع الطلاق وتقدم المرأة بالمستندات التى تثبت ذلك يتم صرف نفقة مؤقتة للأطفال بحد أقصى 500 جنيه لحين الحكم فى القضية وذلك فى إطار قرار الرئيس عبد الفتاح السيسى بتفعيل دور صندوق الأسرة وصرف نفقة مؤقتة عاجلة لأبناء الطلاق، كما قدم البنك كافة التسهيلات اللازمة لصرف النفقة وذلك من خلال الكارت الذكى، على أن يقوم البنك بتطبيق حكم النفقة بعد صدوره مباشرة واقتطاع جزء من راتب الزوج فورا لصالح الأبناء، وهناك مقترح بوقف جميع الخدمات للمتهرب من سداد النفقة إذا كان من أصحاب المهن الحرة حيث يتعذر على البنك احتجاز جزء من الدخل لصالح نفقة الأبناء، وهذا المقترح يقضي بوقف استخراج بطاقات الرقم القومي وجوازات السفر ورخص المرور والرخص التجارية لحين سداد النفقة.
وتناشد دينا الجندي، عضوة المجلس القومي للمرأة وزارة التضامن بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني المعنية بشئون النساء وسيدات ورجال الأعمال بدعم أطفال الطلاق من خلال توفير عمل فوري لأية امرأة تطلق ويكون لديها أطفال تعولهم بحيث نحفظ لنسائنا وأطفالنا كرامتهم، معلنة تأييدها لمقترح إنشاء صندوق تأمين للأسرة بمجرد زواج أي رجل وأن يقتطع جزء من دخله شهريا يتم ادخاره للأبناء حال الطلاق.
***
قضايا النفقة
وفقا لآخر إحصائية لوزارة العدل فإن قضايا النفقة تحتل النسبة الأعلى من عدد قضايا الأحوال الشخصية وقد بلغت 390237، كما أن أعلى نسبة شكاوى يتلقاها مكتب شكاوى المرأة بالمجلس القومى للمرأة تتعلق بدعاوى النفقات.
وقد تمثلت أهم عقبات قانون النفقة وفقا للمجلس فى:
- صعوبة تحديد حقيقة الدخل للزوج ما يغل يد القضاة فى تحديد يسر أو عسر الزوج.
- عدم تفعيل النص القانونى القديم الذى يلزم البنك المركزى بالكشف عن كافة حسابات الزوج فى البنوك.
- كما أن أحكام النفقة غير مناسبة للواقع العملى حيث يغيب معيار تقدير النفقة وكذا حد أدنى للأجور، بالإضافة إلى تحايل بعض الأزواج لتخفيض النفقة من خلال الزواج بأخريات أو بيع ممتلكاتهم أو ادعائهم إعالتهم لوالديهم.
ساحة النقاش