سلاسل حديدية تكبل يد المرأة بعد تطليقها، ووحده الرجل هو من بيده مفاتيح تلك الأغلال، هكذا تفعل «الولاية التعليمة » بالمرأة المطلقة مع أبنائها الذين لا تملك عليهم سلطة تعليمية إلا بعد الرجوع إلى الأب، ليستغل الأخير هذا الحق كعامل ضغط على الزوجة للرضوخ إلى مطالبه أو الانتقام منها متناسيا مستقبل أولاده ومصلحتهم..
فإلى متى تستمر معاناة الحاضنات؟
البداية مع المادة 54 من قانون الطفل رقم 126 لسنة 2008 والتى تنص على أنه تكون الولاية التعليمية على الطفل للحاضن، وعند الخلاف على ما يحقق مصلحة الطفل الفضلى يرفع أي من ذوى الشأن الأمر إلى رئيس محكمة الأسرة بصفته قاضيا للأمور المستعجلة الوقتية ليصدر قراره مراعيا مدى يسار ولى الأمر دون المساس بحق الحاضن فى الولاية التعليمية، وهو الأمر الذى يستخدمه الآباء وسيلة للانتقام من الأمهات عن طريق الأبناء، إلى أن د. طارق شوقى، وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى أصدر قرارا عام 2017 مفاده أن الولاية التعليمية تكون للحاضن حال انتهاء العلاقة الزوجية دون الحاجة إلى صدور حكم قضائي بذلك.
هذا القرار لم يضع حدا لمعاناة "م.م" التى عاقبها طليقها على رفعها دعوة بأحقيتها فى الولاية التعليمية على ابنها بخطفه من المدرسة، لينتقل به من محافظة القاهرة إلى أسوان ويلحقه بإحدى مدارسها، ورغم تحريرها عدة محاضر إلا أن الشرطة لم تستدل على مكان الطالب.
طول فترة التقاضى
لم تكن تتخيل مروة إسماعيل، ربة منزل أن قرار انفصالها عن زوجها سيؤدي لضياع سنوات دراسية من عمر أبنائها، فقد تزوجت في محافظة أخرى بعيدة عن أهلها، وبعد معاناة من العنف الزوجي، قررت الانفصال وعادت مرة أخرى لأهلها وتقدمت بدعوى طلاق، لكنها فوجئت بعدم أحقيتها فى نقل أبنائها الثلاث لمدرسة بمحافظة أهلها لأن الولاية التعليمية حق الزوج طالما العلاقة الزوجية ما زالت قائمة.
أما وفاء ياسر، محاسبة فقد عانت طول مدة التقاضي في دعوى الطلاق ما اضطرها لرفع دعوى خلع على أمل تقليل المدة الزمنية لتحصل على حق الولاية التعليمة لنقل أبنائها لمدرسة بمحل سكنها الجديد بعد الانفصال، إلا أن الطلاب الثلاثة تخلفوا عاما دراسيا كاملا حتى حصلت الأم على الخلع.
وتقول ناهد عاطف، أم لأربعة أطفال وتسعى للحصول على حكم طلاق: من ترغب في الطلاق تدفع ثمن رغبتها في الانفصال من خلال تأخر أبنائها دراسيا وتأثرهم نفسيا، فقرار الولاية التعليمية لا يراعى فى المحاكم المصرية، لافتة إلى معاناة المرأة المطلقة لحصولها على نفقات الدراسة، قائلة:على الأم أن تدفع مصروفات الدراسة، وحتى تحصل على ما دفعته من الأب عليها رفع دعوى قضائية كل عام وفي النهاية تحصل فقط على النفقات الرسمية المثبتة بالفواتير، وقد يقدم الأب شهادة تعسر مادي للتهرب من دفعها.
مسألة تقديرية
بعد الاستماع إلى معاناة الأمهات جراء إعطاء القانون الولاية التعليمة للأب، هل يمكن أن يخفف القانون الجديد من هذه المعاناة ويرفع الظلم الواقع على المرأة؟
تطالب النائبة البرلمانية منى منير بإعطاء حق الولاية التعليمية للأم التى غالبا ما تكون حاضنة للأطفال، لافتة إلى أن العديد من الآباء يتخذون منها وسيلة للمتاجرة بحقوق المرأة وترهيبها بمستقبل أبنائها، بالإضافة إلى تهرب البعض من تحمل نفقة التعليم بادعائه التعسر المالي، لذا أقترح إنشاء نيابة خاصة بالأسرة تتمثل مهامها فى إثبات دخل الزوج، وزيادة عدد محاكم الأسرة على مستوى المحافظات لتقصير مدد التقاضي، مشيرة إلى إعداد المجلس قانونا جديدا من المقرر مناقشته فى الفترة المقبلة والذى يتضمن عريضة تعنى بالولاية التعليمية على أن يحكم فيها القاضى خلال الجلسة وتكون الولاية للحاضن بالتبعية، مؤكدة أن أعضاء البرلمان راعوا مصلحة الطفل عند وضع مواد هذا القانون.
ويقول محمود سلامة: مستشار قانوني: على الرغم من أن وزير التربية والتعليم أصدر قرارا بأن الولاية للأم في حالات الانفصال إلا أنه يظل قرارا وليس قانونا لذا لا تعترف به الكثير من المدارس تجنبا للمساءلة القانونية، كما أن المشكلة الحقيقية ليست فى الولاية التعليمية بعد الانفصال لكنها أثناء التقاضي، فأغلب القضاة لا يحكمون بها للأم إلا بعد الانفصال، ولهذا نجد الكثير من الآباء يخطفون الأولاد بحجة أنه الواصي التعليمي عليهم في حين أنهم في حضانة الأم.
نواة المجتمع
يقول أحمد بيومي، محامي بقضايا الأسرة: الولاية التعليمية ليس لها ضوابط قانونية لكنها رؤية تقديرية للقاضي، ما يجعل الكثير من القضاة يؤجلون الحكم بها لحين الحصول على الطلاق أو الخلع الأمر الذى يؤثر على تعليم الطفل لأن فترة التقاضي تتراوح من عام إلى عامين، لذا أرى ضرورة إصدار قانون يقرر الولاية التعليمية للحاضن دون اللجوء للقضاء.
وأبدت المحامية فاتن عُريف، باحثة في قضايا الأسرة والمجتمع استياءها من المادة الحالية الخاصة بالولاية التعليمية قائلة: من حق الطفل ألا يكون طرفا في الصراع القائم بين الأبوين، وهذا لن يتحقق إلا من سن قانون يحمي الطفل، فإذا كانت الأسرة نواة المجتمع فالطفل هو أساس تلك النواة.
مصلحة الصغير
لا شك أن وضع الطفل طرفا فى الصراع بين الأبوين يؤثر على نفسيته بالسلب الأمر الذى ينعكس على شخصيته وأسلوب تعامله مع من حوله، لذا تنصح د. هالة منصور، أستاذ علم الاجتماع بضرورة تجنيب الطفل أى مشكلة تحدث بين الزوجين سواء أثناء العلاقة أو بعد انتهائها لأن من شأن تلك المشكلات أن تؤثر على مستوى الطالب والتسبب فى اضطرابات نفسية تصاحبه فى الكبر.
وتقول: من حق الأم أن تكون المسئولة عن الطفل خاصة وأنها من تتحمل كافة المسئوليات تجاهه منذ ولادته وخلال استمرار العلاقة الزوجية، وأخيرا أنصح الوالدين بالحرص على مصلحة طفلهما في المقام الأول وعدم جعله طرفا في النزاع، كما أناشد المشرع بإصدار مادة قانونية تجنب الطفل الخلافات القضائية وتنظم العلاقة بينه والأبوين بعد الانفصال بما يراعى مصلحته.
ساحة النقاش