كتبت : هدى إسماعيل
يعتقد الكثير منا أن كلمة "التكية" ما هي إلا كلمة تعبر عن المال الذي ينهب دون أي رقيب لمتابعته، لكن في الحقيقة عبرت تلك الكلمة عن أهم المؤسسات الخيرية المصرية التي أنشأها ولاة مصر منذ القرن ال 19 الميلادي والتي خصصت لمساعدة الفقراء.
تأسست التكية المصرية مع دخول جيوش محمد علي، أراضى الحجاز في بداية عام 1811 ميلاديا، وعلى الرغم من انتهاء حكم مصر لشبه الجزيرة العربية عام 1840، إلا أنها استمرت بنفس عملها التي بنيت من أجله وهو إطعام ومساعدة الفقراء المسلمين المتواجدين في مكة والمدينة القادمين من جميع الدول الإسلامية وليس المصريين فقط.
البداية
تأسست أول تكية بمكة المكرمة بأمر من محمد علي، ثم في المدينة المنورة على يد ابنه إبراهيم باشا بحيث تتمكن مصر من المساعدة في إطعام حجاج بيت الله من المصريين وكل الجنسيات،من ناحية أخرى كان الحج يتكلف أيام الخديوي عباس 3 جنيهات، جنيه لتأجير جمل يحمل أمتعته من مصر إلى الأراضي الحجازية، وباخرة من نويبع تحصل تكلفة ركوبها 50 قرشا، وغذاء الجمل يتكلف جنيها أو جنيها وربع. وحينما يصل الحاج إلى الأراضي الحجازية يتوجه إلى التكية المصرية يأكل ويشرب وينام ويحظى بالرعاية الطبية على حساب الدولة المصرية.
ظلت أرض الحجاز طوال القرون الماضية معتمدة على ما ترسله مصر سنويًّا من مخصصات لخدمة الحرمين الشريفين بكل الجنسيات المتوافدة عليه فيما عرف باسم "مخصصات الحرمين والصرة الشريفة"، حيث بدأ زوارها يوميا حوالي أكثر من 400 فقير يومياَ ويزيد هذا العدد إلى 4000 فقير خلال شهر رمضان.
تكية محمد علي
لم تدخر الحكومة المصرية قديمًا وقتًا أو جهدًا في الحفاظ على نظام التكية في بلاد الحجاز، فلم يحدث أن أغلقت أبوابها إلا مرة واحدة وذلك في العهد الملكي حيث ذكر إبراهيم باشا رفعت، المسئول عن بعثة الحج أنه في حجة عام 1325هجرية وجد ناظر التكية لم يصرف للفقراء شيئا لمدة 17 يوما، وذهب إلى هناك في الصباح فوجد الباب مغلقًا، فأمر الفقراء بالدخول وبعث إلى الناظر وقال له: هذه تكية محمد علي جعلت للفقراء فكيف توصد الأبواب من دونهم؟، وأمره بشراء خبز من السوق وصرفه لهم، ثم سأله عن السبب فيما فعله، فأخبره أن في البلد وباء وأنه ينتظر حتى يسافر المحمل والحجاج، فقال له: إن ترك الصرف يزيد الوباء؛ لأن الفقراء يموتون جوعًا فتزداد الوفيات، وأمره بفتح التكية.
التكية المولوية
تعد التكية إحدى العمائر الدينية التي انتشرت في القاهرة خلال العهد العثماني، و"التكية المولوية" أنشأها العثمانيون لرعاية من لا عائل لهم، والذين لا يقدرون على الكسب خاصة كبار السن والأرامل من النساء اللائي لا يستطعن ضربا في الأرض، إلى جانب الفقراء والغرباء وعابري السبيل الذين لا يجدون لهم مأوى في البلاد التي يمرون بها خاصة إذا كانوا قاصدين حج بيت الله الحرام.
وقدأنشئت التكية المولوية في القرن الـ15 الميلادي، وهناك وثيقة تشير إلى أنها أنشئت عام 1225، وأن الأثريين الذين شاركوا في إحيائها وترميمها التكية عثروا على وثيقة لا تزال محفوظة في وزارة الأوقاف المصرية مؤرخة بسنة 1005هـ، 1595 في العصر العثماني، توضح أجور العاملين بالمسرح المولوي من ضاربي الدفوف وعازفي الناي، وكان الطبال الأقل أجرًا.
الدراويش
من أبرز التكايا التي نشأت في العصر العثماني "تكية الدراويش" الأثرية التي تم ترميمها، وتقرر تحويلها إلى مركز للاحتفالات الدينية والموسيقية بعدما كانت أول مسرح تاريخي يستخدم قديما في الاحتفالات بالمناسبات الدينية.
ومع انتشار المولوية أصبحت بعض التكايا مكانا يقيم فيه الدراويش ويقضون أوقاتهم في العبادةوالذكر الذي كان كثيرًا ما يصاحَب بالرقص الدائري الصوفي والموسيقى، ومع اضمحلال المدارس في العهد العثماني، انتعشت الزوايا والتكايا وأصبحت خير ملتقى وسكن لتجمع "تنابلة السلطان" والكسالى من العثمانيين، وازداد عدد الصوفية والدراويش، لتصبح ملجأً للفقراء عبر العصور.
تضم التكية مقتنيات هائلة أبرزها مخطوط كبير لإمام الصوفية الراحل جلال الدين الرومي، ولوحة تحمل صورته، وكان للرومي أثر عميق في انتشار طوائف المتصوفين في مصر، مثل المولوية، والخلوتية، والشاذلية، والقادرية، والرفاعية، وأطلق اسم "الدراويش المولوية" بشكل عام على دراويش جلال الدين الرومي.
ساحة النقاش