كتب : عادل دياب

 يعشن معنا بأفكارهن وأعمالهن العظيمة، فلا ننسى أن المصرية كانت قديما ملكة متوجة بينما العالم يعيش في الكهوف، وظلت حديثا في المقدمة تسبق غيرها بخطوات. إنهن نساء رائدات نتذكرهن ونفخر بهن.

[email protected]

 كالشهاب ظهرت واختفت، لكنها تركت أثرا عميقا وذكرى لا تنسى، ورغم قصر حياتها التي لم تتجاوز 32 عاما، إلا أنها أصبحت من أهم الشخصيات في مسيرة المرأة المصرية ونهضتها.

أثبتت ملك حفني ناصف أن العمر والتأثير والقيمة أمور لا تقاس بالسنوات، وأن الإنسان الجاد صاحب القضية الذي يعيش حياة لها معنى وتحركه الأهداف الكبيرة، يستطيع في أقل عدد من السنوات أن يترك أثرا في أمته ومجتمعه لا ينسى.

ولدت ملك حفني ناصف، المعروفة بلقب باحثة البادية، في حي الجمالية بالقاهرة سنة 1886 وهي الابنة الكبرى لرجل القانون الشاعر وأستاذ اللغة العربية المستنير حفني بك ناصف أحد مؤسسي الجامعة المصرية.

كان والدها حريصا على تعليمها، فألحقها بمدرسة أجنبية، لكنها سرعان ما انتقلت إلى المدرسة السنية للبنات، التي أسسها الخديوي إسماعيل سنة 1876 للنهوض بالمرأة المصرية، كانت باحثة البادية من أوائل الملتحقات بها، ويمكن القول إنها أول فتاة تحصل على الشهادة الابتدائية من السنية سنة 1900، أول سنة تتقدم فيها الفتيات للامتحان للحصول على هذه الشهادة.

استكملت باحثة البادية تعليمها في القسم العالي أو قسم المعلمات في المدرسة، وكانت أولى الناجحات لتتدرب على التدريس وتعمل في نفس المدرسة حتى عام 1907، وهو عام فارق في حياتها، ففيه تزوجت وبدأت قصة لقب باحثة البادية الذي اشتهرت به إلى اليوم.

في ذلك الوقت كانت ملك قد أصبحت معروفة، ويمكن القول إنها أصبحت من المشاهير بمقاييس العصر الذي عاشت فيه، اشتهرت بثقافتها الواسعة وكتاباتها في الصحف والمجلات وإجادتها للغتين الفرنسية والإنجليزية ومعرفتها للقليل من بعض اللغات أخرى، كما عرفت كشاعرة، وكانت أول قصيدة ذات شأن تكتبها في رثاء عائشة التيمورية.

سنة 1907 انتقلت للعيش في قصر الباسل، بإحدى ضواحي مركز إطسا بمحافظة الفيوم، بعد أن تزوجت من عبدالستار الباسل أحد أعيان الفيوم وكبير قبيلة الرماح، وفي البيئة الجديدة اكتشفت أحوالا أخرى للنساء تختلف عما عاشته في كنف أبيها في القاهرة، شاهدت عن قرب الحياة المتدنية التي تعيشها المرأة، وعانت من سخرية المجتمع لمرور السنوات دون أن تنجب وجرح كبرياؤها أن تعامل باستخفاف باعتبارها عاقرا، وزاد الأسى بعد أن اكتشفت أن سبب عدم الإنجاب يرجع إلى زوجها الذي أصيب بمرض اضطره لجراحة أفقدته القدرة على الإنجاب. لكن زوجها كان قد أنجب من زواجه الأول ابنة، ثم أعاد إلى عصمته زوجته الأولى التي كان طلقها قبل زواجه منها، وفي الجملة فإنها عاشت سنوات الزواج في حزن تعاني من نظرة سلبية من محيطها، وانعكست هذه المعاناة على كتاباتها التي نشرتها بتوقيع باحثة البادية، نسبة إلى بادية الفيوم التي تعيش فيها.

بدأت باحثة البادية تكتب بحرارة وبأثر من تجربتها في قضايا المجتمع والطلاق وتعدد الزوجات والمرأة العاقر وإصلاح أحوال المرأة، كتبت في صحيفة المؤيد ثم في صحيفة الجريدة وركزت على ضرورة تعليم المرأة باعتباره الوسيلة لتحرير عقلها وتقويم أخلاقها، وجمعت المقالات بعد ذلك في كتاب من جزئين بعنوان "النسائيات" نشرت الأول منه سنة 1910 وظل الجزء الثاني محفوظا بخط يدها فلم ينشر حتى وفاتها، كما ألفت كتابا بعنوان "حقوق النساء" لم تشاهده منشورا فقد أصابتها الأنفلونزا الإسبانية وتوفيت سنة 1918 قبل أن تنشره.

أسست ملك حفني ناصف "اتحاد النساء التهذيبي" بهدف توجيه المرأة لما فيه صلاحها والاهتمام بشئونها، كما يرجع لها الفضل في تأسيس جمعية للتمريض لإغاثة المنكوبين، كانت الأساس لما عرف فيما بعد باسم "الهلال الأحمر"، كما أقامت مدرسة لتعليم الفتيات التمريض، وبدأت في إنشاء مشغل وملجأ للفتيات قررت أن توقف له 35 فدانا إلا أن وفاتها المفاجئة حالت دون ذلك.

المصدر: كتب : عادل دياب
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 229 مشاهدة
نشرت فى 11 مارس 2021 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,460,132

رئيس مجلس الإدارة:

أحمد عمر


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز