النيل شاهد عيان من حكايات العشاق ..

إلى ملحمة الثائرين

 

كتبت :ايمان عبد الرحمن

النيل .. الذي طالما شهد قصص المحبين.. وكان شاهدا علي عهود العاشقين.. وملهماً للشعراء .. ومنصتاً إلي شكاوي الحياري .. وكاتم أسرار المهمومين .. بعد الثورة .. هل تغير؟!!

هل طاله التغيير بعدما شهد سقوط جرحي وشهداء.. هل فزع من دوي الرصاص والطلقات بعد أن كان معتادا علي همس العاشقين .. النيل الذي طالما كتب علي ضفتيه تاريخ مصر العريق .. استمع مع كل المصريين إلي هتافات الثوار .. واستمع إلي مطالبهم.. النيل الذي مهما مرت العصور سيظل كما قال عنه صلاح جاهين.. «كام اشتغلت يانيل في نحت الصخور .. مليون بؤونه وألف مليون هاتور .. يانيل أنا ابن حلال ومن خلفتك .. وليه صعيبة عليّ الأمور .. وعجبي 

أمام ماسبيرو كانت الأصوات ترج الميدان من المحتشدين أمامه .. ينددون بأحداث إمبابة .. وعلى الناحية الأخرى من الطريق.. على الكورنيش .. خلا المكان من المحبوبين والثنائيات ، وحل مكانهم مجموعة من الخيام للمعتصمين .. والباعة المنتشرين بكثرة.. وأسلاك شائكة على أول رصيف الكورنيش ومجموعة من الشباب يفتشون الرجال تفتيشاً ذاتيا .. وبنتان تقومان برؤية محتوى حقائب الفتيات والسيدات.. وعندما سألتهما أى جهة يتبعان قالت لى إحداهما : نحن لجان شعبية ونتبع الكنيسة واعتذرت فى خجل عن قيامهما بالتفتيش قائلة : تعلمين الأحداث التى نمر بها .. فقط هذا من أجل سلامة الجميع .

أما عن المقيمين فى الخيام قال لى دميان وهو فى حوالى الثانية عشر من من عمره .. نحن هنا من أجل الكنيسة .. الكنيسة ليست إرهابية حتى يتم تفجيرها..» .

وعلت أصوات المحتجين .. أمام ماسبيرو .. وعلت الهتافات وتداخلت مع أصوات الباعة.. وحركات المرور البطيئة والأسلاك الشائكة .. كلها كانت مناظر بعيدة عن النيل.. وعن الكورنيش .. النيل الذى شهد حضارة مصر من ملايين السنين .

نشبهك فى صفاك

- بعد فض الاعتصامات!

«يانيل .. أنا واللىّ أحبه .. نشبهك فى صفاك..!!»، كلمات من أغنية أم كلثوم ، تذكرتها عندما وقفت أمامهما، هى، طالبة فى المرحلة الثانوية، بزيّها المدرسى الذى يوحى بأنها لم تذهب إلى منزلها مباشرة بعد يومها الدراسى ، ملامحها الطفولية، والوردة التى تمسك بها ، قال لى : بعد محاولات: أدرس فى الصف الثالث الثانوى التجارى، من بولاق ، وأشارت إلى زميلها الذى ابتعد عنى خطوات وهو يدرس فى الثانوى الصناعى ، وحكت لى فى خجل ، نعم، نحن نحب بعض ، واستنكرت قولى إنها لاتزال صغيرة وأكملت : أحلى وقت نقضيه معاً عندما نأتى هنا على الكورنيش ، وأجمل منحة هنا، بالطبع أسرتى يعتقدون أننى فى درس بعد المدرسة لأن الامتحانات اقتربت ، ولا أحد يعلم أننى أحب زميلى ونتقابل سويا وإلا «كان يبقى آخر يوم أخرج فيه»، محمد لم يعلق ولم يرد على أسئلتى .. إكتفى بالنظر إلى النيل ..

وحكت لى عن أحلامها .. أعلم أنه لامستقبل لى ، كنت أحلم أن أحصل على مجموع كبير وأدرس فى كلية التجارة.. ونظرت إلى النيل .. ولكن أعلم أن أخوتى يعارضون ذلك وسيزوجونى فى أول فرصة.. وعن آخر سؤال لها : قالت نعم .. أعلن أن زواجى من محمد مستحيل لأنه لايزال يدرس .. ولكن .. أملى فى ربنا كبير .. وتركتهما ينظران إلى النيل .. ربما يشكوان إليه حالهما .. وربما يستعدان منه الأمل ..

 ثنائى آخر رفضا التحدث إلىّ .. الوقت كان حوالى الساعة الرابعة ظهرا.. أقسمت لهما إننى لا أريد أن أعرف اسميهما .. فقط يحكيان لى عن حكايتهما معا .. ومع النيل فقال لى إنه طالب فى الفرقة الرابعة ولم يحدد أى كلية .. وهى زميلة فى نفس الفرقة .. «نحن مرتبطان عاطفيا .. ونخرج مع بعض ، أحيانا نذهب إلى حديقة الأزهر.. وأكثر الأحيان نأتى إلى هنا .. إلى النيل .. أما عن قصة الحب .. فقالت لى .. «كل شىء نصيب»!!

النيل الثائر

- أمتار صغيرة فاصلة، تفصل بين الكورنيش، والجهة المقابلة.. أمام ماسبيرو.. حيث توجد الآن الأسلاك الشائكة وبعد فض الاعتصامات الآثار لاتزال موجودة.. كلمات كتبت على الأشجار على الكورنيش .. مقاعد الاستراحة «مخلوعة من أماكنها» .. ولايوجد سوى الهيكل المعدنى فقط .. وتحدثت مع «أم على» التى تبيع «حمص الشام» على الكورنيش ، يتراص أمامها مجموعة من الكراسى .. فحكت لى عن أيام الاعتصامات .. والنيل قبل وبعد الثورة وأهمها حكايات النيل مع الثوار .

قبل الثورة .. كان «أمناء الشرطة» يطلبون منا نقودا.. أما الآن فهم لطفاء - على حد تعبيرها .. ولايطلبون منا شيئا بالعكس إنهم يحموننا .. قالت ذلك عندما فوجئنا بوجود بوكس نزل منه ثلاثة أمناء وضابط يهرولون على الكورنيش وعندما تبيّنا الأمر عرفنا آنه أتت إشارة اليهم بأنه يوجد غريق .. ولكن وجدنا طفلا فى حوالى الخامسة من عمره يستحم فأخرجوه وعنفوه.. وانصرفوا ..

وعن العاشقين قالت : «أحلى قعدة على الكورنيش بالليل، يأتى كثيرون .. الخطاب .. الحبيبة .. بعد الثورة الموضوع قل شوية.. وعن الأسعار قال لى كان يوجد شخص مكانى يبيع الكوب بـ 12 جنيها ، ولكن أنا أبيعه بـ 5 جنيهات فقط، السعر المعقول جيد لى وللزبون .. والأرزاق أمر على الله» .

أما عن الثوار فقال لى زوجها : أيام الثورة كنا موجودين فى التحرير .. فى أول يوم وشاهدنا الشهداء وهم يسقطون ورأينا كل الأحداث.. وموقعة الجمل أيضا كنت متواجدا «بفرشتى» - يقصد عربته التى يبيع عليها.. ولكن الله قدر ولطف  

 

المصدر: مجلة حواء- ايمان عبد الرحمن

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,744,481

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز