مارجريت نخلة
فنانة «البورصة» والأعياد ومواسم الجنى والحصاد
كتب : صلاح بيصار
تمثل أعمال الفنانة مارجريت نخلة علامة متميزة في التصوير المصري المعاصر .. وقد أوجدت لنفسها مساحة متسعة وعميقة جعلت لها مكانة كبيرة بشكل خاص كإحدي الرائدات مع : عفت ناجي وتحية حليم وانجي افلاطون وجاذبية سري وزينب عبدالحميد .. وذلك لما تكتسب أعمالها من روح شاعرية ونزعة روحية بلمسة خاصة من تلك الغلالات الشفافة الهامسة والتي تنتمي للواقعية والتعبيرية
ميلاد نجمة :
من لبنان جاءت أسرة مارجريت للتجارة واتساع آفاق المعرفة بالحياة خارج الوطن أواخر القرن التاسع عشر .. وفى عام 1908 ولدت الفنانة فى نفس العام الذى افتتحت فيه المدرسة الأهلية للفنون الجميلة أبوابها بالقاهرة والتى انشأها الأمير يوسف كمال من ماله الخاص .. وكأن بزوغ الابداع التشكيلى المصرى قد توافق مع ظهور الطفلة الوليدة إلى النور فى إشارة عكست التفاؤل بميلاد نجمة فى سماء الفن المصرى .. ومن بداية الطفولة كانت ترسم فى دأب وحب .. فتقوم بزخرفة خطاباتها وهى فى سن السادسة بالورود والزخارف والنقوش .. وفى سن الثالثة عشرة راحت ترسم مناظر طبيعية للريف على أى خامة تصادفها وكانت مولعة برسم صور شخصية لاصدقائها.. وعندما لاحظ والداها شغفها بالرسم واختلاج الروح الفنية فى نفسها عاما بعد عام .. شجع هذا والدها أن يعهد بها إلى مدام «كازاناتو» الفنانة الايطالية التى استوطنت الإسكندرية.. ومع المثابرة والاستمرار بدأت موهبتها تكشف عن نفسها وتتطور قدراتها الفنية فتشترك فى المعارض العامة .. ويظهر نبوغها وتفوز بالميدالية الفضية فى المعرض الصناعى بالقاهرة عام 1931 عن لوحتها «تكوين فرعونى» وفى السنة التالية لها فازت بالميدالية الذهبية عن بانوه زخرفى «لجمعية هواة الفن» .
وعندما بلغت السادسة والعشرين سافرت إلى فرنسا عام 1934 لاستكمال دراستها الفنية حيث التحقت بالمدرسة الأهلية العليا للفنون الجميلة بباريس وظلت هناك خمس سنوات حصلت فيها على دبلوم إعداد المعلمين ، وعادت إليها مرة أخرى للزيارة وهناك قدمت العديد من اللوحات التى يسرى فيها هذا التيار الغنائى الهامس مع المعالجة التى تقترب من الاكاديمية مثل لوحتها التى تصور اطلالة على الشارع حيث تطل سيدة أمام منضدة تتطلع إلى الشارع خلف الزجاج برداء كحلى وكول أبيض وشابوه أسود وكلبس بوردة حمراء .. وتختلف المعالجة للموضوعات التى قدمتها الفنانة للمناظر هناك مثلما نرى فى لوحتها «حديقة لوكسمبورج بباريس» والتى تنتمى إلى التعبيرية فى حركة الشخوص والايقاع اللونى .
الطابع الشعبي
وفى الحقيقة تنوعت أعمال الفنانة من البورتريه والموديل والمناظر الطبيعية إلى الموضوعات الاجتماعية ذات الطابع الشعبى والموضوعات الدينية التى صبغتها بإحساسها الشعبى ونظرتها التعبيرية.
وتعد أجمل أعمال مارجريت تلك الأعمال التى تشتمل على مجاميع من البشر والتى تمس حياة الناس وتجسد هدير النبض الشعبى مثل «بورصة باريس» و«الحمام الشعبى» و«عودة المهاجرين إلى السويس» و«خروج الأطفال من الحضانة» و«بحيرة ادكو» و«يسوع وسط الحكماء» و«سباق الخيل» و«السوق» و«موسم جمع البلح» و«الذهب الأبيض» حول موسم جنى القطن و«شاطئ سيدى عبدالرحمن» و«ذكريات النوبة» و«انتصار 6 أكتوبر».
فى لوحة البورصة تجسد مارجريت مشهدا يوميا يمثل تكالب البشر على المال فى رؤية كوميدية ساخرة ونرى رواد البورصة قد احتشدوا للبحث عن عالم الصعود والهبوط فى الرزق والرخاء والكساد فى هلع وحركة شديدة.
أما لوحة الحمام الشعبى فتحتشد بشخوص نسائية عديدة تتباين فيها الحركات من مستلقيات ومستسلمات فى استرخاء وواقفات وجالسات وتتوقد الأجساد فى تكوين دائرى فرضه تشكيل الحمام الدائرى مع تصاعد الأبخرة .
تقول مارجريت : «الألوان ليست فقط لاغراض جمالية فى أعمال الفنان ولكن لترسم بروحانية وإحساس».
التصوير الديني
وبتكليف من كنيسة العذراء بالقاهرة رسمت مارجريت اللوحة الزيتية عام 1967، حول النساء فى حياة السيد المسيح وهكذا أضافت مسحة نورانية لمعتقداتها الدينية لتعتبر من أهم الفنانين الذين اسهموا فى اضافة إبداعاتهم للكنيسة المصرية مع الرائد راغب عياد الذى يرسم الأديرة وكنائس مصر، كما اهدت الفنانة متحف مارمرقص القبطى بكندا ست لوحات تمثل مشاهد كتابية من الكتاب المقدس مثل «معجزة الصين العظيم» و«العشاء الأخير» و«العذارى والحكيمات والجاهلات» .
وقد شاركت الفنانة فى أول دورة لبينالى الاسكندرية عام 1955 والذى افتتحه الرئيس جمال عبدالناصر .. وفى صالون القاهرة عام 1959 لتفوز بالجائزة الأولى فى التصوير ونالت لوحتها «جمع البلح» جائزة الامتياز فى المعرض الدولى لمدينة فيل بفرنسا.
فى عام 1971 رحلت الفنانة مارجريت نخلة وتوفيت بالإسكندرية عن عمر يناهز 71 عاما وتركت ثروة فنية كبيرة .. أهم ما يميزها مصريتها الشديدة .
تحية إلى لمسة تألقت بالحس الروحى والوجدان الشعبى .
ساحة النقاش