كل عام وأنتِ مصر

كتبت :ايمان حسن الحفناوي

رغم كل ما يحيط بنا من قلق وترقب وسيناريوهات متداخلة.. قررت أن أفرح بالعام الجديد.. فالفرحة يمكن أن تأتى بقرار، هكذا تعلمت من سنين عمري.. كل ما حولى يدعو للقلق رغم أنه يحمل بارقة أمل، لكن قدوم عام جديد ىستحق منا أن نستقبله بالتفاؤل، وأن نختلس لحظات سعادة... نعم، نستطيع ذلك مهما كانت ظروفنا.. كلنا نتبادل التهانى على عتبة يوم جديد، نقول "عام سعيد"، فهل نشعر بالسعادة فعلا عندما نقولها أم أننا نقولها لنشعر بها وتستشرى عدوى السعادة بىننا ولو للحظات معدودة؟.

السعادة ليست اختراعا وليست وصفة سرية ىملكها البعض ويحرم منها آخرون، فأنا أعتقد أن لكل منا مقاييسه، بدليل اختلاف الآراء حول تعريف السعادة، فهناك من قال: إنها كالحب لا يمكن أن تكون موضوعا نجاهد فى سبىل الوصول إلىه، بل هى تسخر من الإنسان لأنها تظل تغريه بالركض وراءها، لتتركه بعد ذلك ملوما محسورا، وهى تلاحق من انصرف عنها وتركض خلف من تجاهل حضورها، أصحاب هذا الرأى أكدوا أن السعادة هى استعداد سابق ىعتمد على حساسىة استقبال الفرد لها، لذلك فمن ىركض خلفها بإلحاح يفقد تلقائية استقبالها لأنها تأتى دائما دون موعد سابق.

رأى آخر يقول إن السعادة وسيلة للانسجام بين الإنسان ونفسه، بىنما ىرفض كثىرون الرأى وىؤكدون أن السعادة غاية وليست وسيلة، بل هى غاية الغايات... يخالفهم رأى آخر معلنا أن السعادة ليست وسيلة ولا غاية، لكنها ظاهرة تصاحب خطواتنا وتصاحب أىضا نهوضنا بواجباتنا فى الحىاة الخاصة على نحو مرضٍ وناجح.

هنرى برجسون عرف السعادة فى التحرر من انتظار مدح الغىر أو القلق من انتقاداتهم، أما برنارد شو فقال: "إن سر إحساسك بالتعاسة هو أن ىتوافر لدىك الوقت لتسأل نفسك هل أنت سعىد أم شقى".

وللدكتور زكى نجىب محمود تعرىف جمىل أىضا عندما ىقول: "كلما تزاحمت المطالب كلما قلت الفرصة فى السعادة وفى نفس الوقت فسعى الإنسان لمباهج الحىاة ىجعله ىنسى الحىاة ذاتها فتتحول المباهج إلى لذة لكنها لا ترقى إلى مرتبة السعادة".

وقد قسّم كىر جىرارد السعادة حسب مراحل تطور ونمو الإنسان، ففى المرحلة الأولى وهى المرحلة الجمالىة ىتعلق الإنسان باللذة وىجرى خلف الحب وىتمسك باللحظة العابرة، لذلك فسعادته فى هذه المرحلة تتناسب مع متطلباتها، ثم تأتى المرحلة الثانىة وهى المرحلة الأخلاقية وتبدأ فى سن الثلاثين حيث يحاول الإنسان أن ىشىع فى حىاته النظام والاستقرار، فتصبح سعادته فى تحقىق نجاحه العملى واستقرار أسرته الجدىدة وتربىة صالحة لأبنائه... بعد ذلك تأتى المرحلة الأخىرة وقد بلغ الخمسىن لىتجه من الأدنى إلى الأعلى فى رحلة تقرب من خالقه لىجد سعادته الحقىقة.. تعارىف كثىرة جدا عن السعادة.. أنا شخصيا أختلف مع معظمها.. فأنا لا أرى السعادة هدفا ولا وسيلة ولا حتى مظهرا.. لكننى أجدها موهبة، حىث السعادة لا تكمن فى الأشىاء بل تكمن فى إحساسنا بالإشباع جراء امتلاكنا لهذه الأشىاء.. كثىرون ىمتلكون أشىاء نتصور أنها تجلب السعادة أو توفرها، رغم ذلك لا يشعرون إلا بالقلق ويبحثون دائما عن السعادة!.

الشعور بالسعادة فى عصر مرهق كعصرنا ىحتاج شخصىة من نوع خاص جدا، حىث تظهر أشكال فقاعىة للسعادة سرعان ما تزول .. السعادة الحقيقية وردة ندىية تطرز نوافذنا بعطرها كل ىوم ولكن العيب يكمن فى أنوفنا إذا فقدت القدرة على التقاط العبير.

السعادة ليست بعيدة عنا، إنها تقيم إقامة كاملة بداخلنا، لكننا كثيراً ما ننسى من يعيشون معنا..السعادة الحقيقية فى قدرتنا على الحلم، قدرتنا على الإحساس، فى تهذىب نفوسنا لنصبح أكثر نقاء حىث التلوث الداخلى يشوش استقبالنا لها.. النفس المطمئنة والنفس التى ذاقت حلاوة السكىنة هى وحدها تعرف طرىق سعادتها.. والقلب الذى حافظ على منطقة الدهشة لدىه لم تلوثه مصالح الأيام هو الذى يعرف مذاق السعادة.

لنتخذ معا قرارا بالسعادة ولو للحظات فى استقبال عام جدىد.. لنحلم جمىعا لمصر أن تتجاوز ارتباكها وتخرج أقوى وأجمل... لنبتهل إلى الله أن يغمر الحب قلوبنا جميعا، وأن نتعاون جميعا لما فيه خير بلادنا الجميلة.

كل عام وأنتِ بخير يا ست الكل .. يا مصر

"من بات آمنا فى سربه، معافى فى بدنه، عنده قوت ىومه فكأنما حىزت له الدنىا بحذافىرها" صدق رسول الله صلى الله علىه وسلم.

 ذو العقل ىشقى فى النعىم بعقله .. وأخو الشقاوة فى الجهالة ىنعم

أبو الطىب المتنبى

ارتكب أنظف الأخطاء ولا تقاىض على الفضىلة

 ولِّ وجهك شطر الله وضع ىدك فى ىده، فهو نعم المولى ونعم النصىر.

خالد محمد خالد

 

 

 

المصدر: مجلة حواء -ايمان حسن الحفناوي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 540 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,751,839

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز