مواصفات الدولة المدنية
كتب: صلاح طه
عزيزتى القارئة هذا الباب من أجلك للرد على أى تساؤلات أو استفسارات قد تواجهك أو تطرأ على حياتك تتعلق بأسرتك أو مالك أو وظيفتك أو أى مجال من مجالات الحقوق والواجبات القانونية والتشريعية. ارسلى إلينا أسئلتك وسوف يجيب عليها صفوة من رجال القضاء. يجيب على أسئلة القراء هذا الأسبوع الدكتور إبراهيم أحمد أستاذ القانون بجامعة عين شمس >>
تسأل إيمان حسين من مصر الجديدة عن شكل الدولة المدنية وهل تقود المجتمع إلى حالة من الانضباط والرقى فى المعاملات وهل تحقق العدالة والمساواة والتكافل الاجتماعي، أم أنها شعارات يرددها الناس دون مضمون؟
- الدولة المدنية كما يقول الدكتور إبراهيم أحمد أستاذ القانون هو وصف لها وتحديد نظامها لتميزها على أنواع أخرى من النظم كالدولة الدينية والدولة العسكرية وغيرهما وهى أبرز الصور الذى تتخذها الدول فى الوقت الحالي، فالدولة الدينية هى التى يسيطر عليها شرائع الدين وان بعض حكام هذه الدول يستخدمون سلطتهم وينسبون إلى شريعة الله وفى الحقيقة فإن هذه المسألة خطيرة لأن كل ما يمكن أن يتخذوه من قرارات ينسبونها إلى الذات الإلهية ويبرئون أنفسهم وهذا يترتب عليه أنه لا يملك أحد أن يعترض أو يرفض ما يقولون به لأنهم سيدعون بأن هذه الأحكام ليست من عندهم بل هو كلام منزل من عند الله.
أما الدولة العسكرية فهى الدولة التى يسيطر فيها على الحكم النظام العسكرى وهذا النظام يقوم على أساس الولاء والطاعة والالتزام الدقيق بالأوامر وبالتالى هنا أيضاً لا يجوز لأفراد الشعب الاعتراض أو إبداء أى آراء مختلفة أو تتعارض مع هذا النظام الذى يخضع لمبدأ السمع والطاعة دون اعتراض وعلى عكس مبادئ الدولة المدنية ونظامها الذى يقوم فيها نظام الحكم على أساس دستورى وقانونى يخضع فيه جميع الطبقات الاجتماعية لمشاركتهم على رابطة مقومات وأعراف ومبادئ يتفق عليها جميع أفراد المجتمع ويرفضونه كأساس لتنظيم حياتهم بما يحقق المساواة فى الحقوق والواجبات والمسئوليات تحت مظلة القانون وكلما تطورت ثقافة وقيم وأعراف وسلوكيات المجتمع وأفراده وتعاملاتهم بكل تنوعاتها كلما استطاع القانون أن ينظم حياتهم أفضل صورة حضارية تحقق لهم الأمن والسلامة دون التدخل فى القصائد الدينية أو الإساءة إليها أو فرضها بالقوة على طوائف تختلف عقائدهم عنها «لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغي» صدق الله العظيم.
ومنذ قيام ثورة 25 يناير ظهرت بعض التيارات على الساحة وخرجت إلى النور تتحدث عن تشكيل أحزاب والبعض منها تشكل بالفعل بعد أن كانت محظورة من قبل وظهرت أحزاب سلفية ولم يكن لهم ظهور من قبل بسبب قمع النظام السابق لهم واعتقالهم وبعد تنسم الشعب لحريته الطبيعية بدأ البعض يمارس أنشطته بما فى ذلك النشاط السياسى وظهرت بعض الآراء المتطرفة من بعض التيارات مثل قطع أذن أحد المتهمين والبعض ردد إشاعات غير حقيقية لتشويه سمعة هذه التيارات ومنهم من اتخذ اسمه ونسبه لنفسه فى فعل بعض الجرائم وروجت عنهم أقاويل منها الفصل بين الأفراد وتفضيل بعض الطبقات الاجتماعية على البعض الآخر وبالتالى ظهرت حالة من الحذر والتخوف خاصة من بعض التيارات التى تستخدم شعار الدين وطالبت فئات عديدة فى المجتمع بضرورة أن ينص الدستور على أن تكون الدولة ذات نظام مدنى بل وصل الأمر إلى تجمع كبير تكون من المفكرين والمثقفين المصريين والأزهر برئاسة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب لإعلان مبادرة تم التوصل إليها بعد جلسات حوار وإعلان عن وثيقة لمستقبل مصر وأكدت الوثيقة على تأسيس الدولة الوطنية الدستورية الديمقراطية الحديثة واعتماد النظام الديمقراطى الحر القائم على الانتخاب الحر المباشر والالتزام بالحريات الأساسية واحترام حقوق الإنسان وأن الأفراد سواسية كأسنان المشط وجاءت الوثيقة فى احد عشر محوراً منها على سبيل الذكر الالتزام بمنظومة الحريات الأساسية فى الفكر والرأى مع الاحترام الكامل لحقوق الإنسان والمرأة والطفل واعتبار المواطنة وعدم التمييز على أساس من الدين أو النوع أو الجنس أو غير ذلك وتأكيد مبدأ التعددية واحترام جميع العقائد الدينية السماوية الثلاث وهى من سمات الدولة المدنية والسلام الاجتماعى فى العصر الحديث الذى نعيش فيه.
أما عن مواصفات الدولة المدنية فهى التى تقوم على أساس من الحرية والعدالة والمساواة والحق فى التقاضى والديمقراطية لجميع الأفراد داخل المجتمع بطوائفه تحت مظلة من الحريات منها حرية العقيدة وحرية الرأى وحرية التجمع السلمى والانتقال وحرمة المسكن ومبدأ المساواة بين أفراد المجتمع وتجنب أى تمييز بين شخص وآخر على أساس الجنس الذكر والأنثى أو الانتماء أو الدين أو الطائفى أو المكان أو الغنى أو الفقير وهو ما يعبر عنه لفظ «المواطنة» وما جاء فى وثيقة الأزهر وما ينطوى عليه الدستور وغيرها من مبادئ العدالة الاجتماعية وعدم الظلم أو التعرض للإيذاء وتطبيق روح الديمقراطية وهى حكم الشعب بالشعب واختياره لمن يحكمه واختيار النظام السياسى الذى يخضع له وتمثيله والمشاركة فى المجالس النيابية والحياة السياسية فى ظل القانون الذى ينظم الحياة العامة للناس والوعى الكامل من أفراد المجتمع بأنه سيفى بالعدل والحق للجميع دون تفرقة بنزاهة وقوة واقتدار بصرف النظر عن المكانة الاجتماعية للأفراد ولا تميز لفئة على الأخرى فالدولة المدنية هى دولة القانون.
ساحة النقاش