الحقيقةوراء اختفاء السلع الغذائية والأدوية

كتبت :سمر الدسوقي

ماذا يحدث فى السوق المصرية؟ تساؤل لابد أن يتبادر لذهنك كلما أثيرت أخبار عن نقص بعض السلع الغذائية أو اختفاء بعضها مثل الأرز والسكر والزيت، هذا بخلاف بعض السلع التى يتم استيرادها والتى لا يتوفر لها بديل محلى!

يضاف إلى ذلك ما تعلنه أحياناً بعض الجهات الرسمية عن نقص فى أكثر من 753 دواء ومستحضراً طبياً، بعضها أيضاً ليس له بديل، ومنها ما يستخدم فى علاج أمراض تعد الأكثر انتشاراً بين المصريين، مثل أدوية الضغط والسكر، والحمى الروماتيزمية وغيرها..

إنها حالة من الغموض والارتباك والتعتيم الذى لا ُُُيمُكّن من الحصول على إجابة شافية فهل الأمر شائعات يرددها الفلول ومن يريد إجهاض الثورة وإشاعة البلبلة، أم أن الأمر يعود إلى فقد الاحتياطى النقدى الأجنبى ما يقرب من 16 مليار دولار منذ اندلاع الثورة، وهو ما ترك ظلالاً قاتمة على حركة الاستيراد، أو أن الوضع يعد طبيعياً ولا يزيد عن أخطاء فردية من قبل بعض التجار، الذين خزنوا بعض السلع ورفعوا أسعارها استغلالاً للوضع الراهن، أو توقفوا عن استيرادها أو إنتاجها خوفاً من المجازفة؟ تساؤلات عديدة دفعت بنا للبحث حول حقيقة هذا الوضع... فجاءت جولتنا التالية l l

أكد عمر طه- بائع بأحد المحال - أن هناك أزمة تعيشها بعض المحال وتنعكس على المستهلك من خلال صعوبة الحصول على الأرز - وهو ما أدى إلى ارتفاع سعره إلى ما يزيد على ستة جنيهات.

ويرجع السبب فى ذلك إلى خوف بعض التجار من المجازفة باستيراد كميات كبيرة فى هذه الفترة مع زيادة سعر صرف الدولار أمام الجنيه، وهو ما سيؤدى إلى طرح الأرز فى الأسواق بأسعار مرتفعة عما هو معتاد، وبالتالى قد لا يقدم الكثيرون على الشراء منه، مما يؤدى إلى خسارتهم، هذا بجانب ميل بعضهم إلى تخزينه كنوع من استغلال الظروف، ومن ثم الاتجاه إلى رفع سعره فيما بعد.

ويضيف: لكن هذا لا يعنى أن الأرز غير متوافر بالأسواق، فهو موجود، ولكن هناك صعوبة فى الحصول عليه.

أرز وسكر

أما أمين الشلقامى بائع- فيؤكد أن السلع الغذائية الأساسية مازالت مطروحة بالمحال ولا توجد أى مشكلة فى الحصول عليها، فهناك وجود للأرز والسكر وحتى بعض السلع المستوردة، وإن كان هذا لا ينفى أن هناك غياباً ملحوظاً لبعض السلع الغذائية المستوردة غير الأساسية كبعض أنواع المخبوزات والحلوى، وذلك نتيجة إلى اتجاه بعض التجار الكبار -كما يحدث بين الحين والآخر- إلى تخزين بعض أنواع السلع، تمهيداً لرفع سعرها.

ويشير عبد الفتاح طه -صاحب أحد المحال - إلى أن هناك أزمة حقيقية شهدتها أسواق بعض السلع الغذائية الأساسية خلال الفترة الزمنية الماضية، وإن كان هذا لا يعد إحدى نتائج الثورة، بل هو أمر عادى ويحدث فى الأسواق من وقت لآخر، فقد كانت هناك أزمة حقيقية فى سوق الأرز أدت إلى اختفائه بل وإلى ارتفاع سعره، كما شهد السكر أيضاً نفس المشكلة حيث ارتفع سعره ليصل الكيلو الواحد إلى 7 جنيهات وأكثر لولا حدوث تدخل من قبل أعضاء الغرف التجارية وعلاج الأزمة، ويرجع عبد الفتاح السبب فى هذا بالنسبة للأرز إلى ميل بعض التجار لتخزينه، فى حين أن أزمة السكر كان سببها المزارعون أنفسهم الذين طالبوا برفع السعر الذى يوردون به للمصانع، مما أدى إلى تعطل هذه المصانع لفترة عن الإنتاج، وبالتالى تسبب هذا فى رفع سعر المعروض فى الأسواق، وفى نفس الوقت ندرته أو اختفائه من بعض المحال.

753 نوعاً من الدواء

أما إذا انتقلنا إلى الصيدليات فسنجد أن صورة هذا الوضع لا تختلف كثيراً داخلها، فوفقاً لما أكدته النقابة المستقلة للصيادلة الحكوميين - فى بيان لها منذ ما يقرب من شهرين - هناك نقص فيما يقرب من 753 نوعاً من أنواع الأدوية والمستحضرات الطبية، مثل «أوسبنى شراب» «جلسرين لبوس كبار» هذا بجانب بعض الأدوية التى لا يوجد لها بدائل والمستخدمة فى علاج أمراض الاكتئاب والسكر والضغط والسرطان والحمى الروماتيزمية، وقد أرجعت النقابة أسباب هذا إلى خوف البعض من إنتاج بعض أصناف الأدوية بكثرة نتيجة لانخفاض دخول الصيدليات بعد الثورة.

فى حين أكدت النقابة العامة للصيادلة - فى بيان آخر لها خلال الفترة الزمنية الماضية - أن أسباب الأزمة تعود إلى رفض العديد من الشركات الأجنبية التوريد لمصر بالآجل، بل وأكدت أن هذه الأزمة تقف وراءها الشركات متعددة الجنسيات لممارسة الضغوط لرفع أسعار الدواء.

وعن هذا الوضع يقول جوزيف إسرائيل - مدير إحدى الصيدليات - هناك نقص بالفعل فى بعض الأدوية المستوردة بل والمصرية داخل الصيدليات فى الوقت الراهن، منها على سبيل المثال الأنسولين وبعض ألبان الأطفال وأقراص منع الحمل بل وقطرة العين، وبعض الأدوية الخاصة بعلاج أمراض الجيوب الأنفية والمعدة.

ويرى أن هذا الوضع يرجع إلى عدم استقرار الأوضاع فى الفترة الراهنة وتغيير الوزارات بصورة متعاقبة وسريعة، يصعب معها متابعة الوضع الراهن بشكل مستمر، هذا بجانب ارتفاع سعر المواد الفعالة المستخدمة فى تصنيع معظم الأدوية والتى يتم استيرادها من الخارج .

خوف المستوردين

وإذا حاولنا أن نضع أيدينا على أسباب هذه الأزمة فى سوق السلع الغذائية والأدوية مهما كان حجمها، فعلينا أن نبدأ بالاستيراد لنعرف هل تأثرت حركة الاستيراد بانخفاض الاحتياطى النقدى الأجنبى، مما أدى إلى انخفاض كميات السلع المطروحة بالأسواق، أم أن الأمر غير ذلك؟ وعن هذا يقول -محمد الأتربى مقرر شعبة المستوردين بالاتحاد العام للغرف التجارية - لا شك أن هناك حالة من الخوف والقلق تسيطر على نسبة ليست بالقليلة من المستوردين على خلفية التراجع فى الاحتياطى من النقد الأجنبى، هذا بجانب انخفاض القوى الشرائية نتيجة للظروف الراهنة فى أعقاب الثورة، وبالأخص الظروف الأمنية، وبالتالى فالبعض منهم لجأ إلى الترشيد فى استيراد السلع الكمالية وغير الضرورية، كما أن البعض ممن تنخفض لديهم درجة الوعى لجأ إلى تخزين هذه السلع، ولكن الحل هنا يكمن فى معالجة الأسباب الحقيقية لهذه الأزمة من خلال معالجة الانفلات الأمنى، والدعوة لعودة السياحة، والتى تمثل أحد مصادر العملة الأجنبية فى مصر.

ترشيد الاستهلاك

وعن دور الغرفة التجارية فى التعامل مع الوضع الراهن، تقول د.«ليلى البيلى» عضو مجلس إدارة الغرفة التجارية بالقاهرة: إذا عدنا إلى أسباب هذا الوضع فسنجد أن تراجع الاحتياطى من النقد الأجنبى له دور فى انخفاض حركة الاستيراد، فالعلاقة طردية بين النشاط الاستيرادى وهذا الاحتياطى، وبالتالى فعدد ليس بقليل من المستوردين توقفوا خلال الفترة الراهنة عن الاستيراد، هذا بجانب أن حجم الائتمان بالبنوك قد اختلف كثيراً عن فترة ما قبل الثورة، وهو ما كان له تأثير أيضاً على حركة الاستيراد، وإذا نظرنا إلى أننا نستورد جزء ليس بالقليل من غذائنا لعرفنا السبب فيما يظهر من أزمات فى الأسواق المصرية فى الوقت الراهن. وتضيف: ونحن نحاول التعامل مع هذا الوضع كغرفة من خلال التوعية المستمرة للتجار بطبيعة هذه الفترة العصيبة التى نعيشها، حيث ندعوهم - من خلال الاجتماعات المستمرة بهم- إلى الامتناع عن تخزين السلع ومحاولة بيعها بسعر التكلفة، ولكن باقى المسئولية تأتى من قبل المستهلك نفسه والذى لابد وأن يحد من استهلاكه بقدر المستطاع.

مؤسسة السلع التموينية

وتطرح -سعاد الديب- نائبة رئيس الاتحاد العربى للمستهلك حلولاً أخرى للأزمة قائلة: بداية ومن خلال إدارة الاحتياجات التابعة لوزارة التموين والتجارة الداخلية، لابد وأن يكون هناك وبالتعاون مع الجهات المعنية دراسة مستمرة للأوضاع بالأسواق قبل حدوث أى أزمة، حتى لا يستغل هذه الأزمة بعض التجار ويتجهون إلى تخزين السلع وتقليل المعروض منها بالأسواق ثم رفع سعرها، ونحن بدورنا كاتحاد وجمعية نتابع هذه الحركة ونقوم بإبلاغ الجهات المعنية بوزارة التموين والتجارة الداخلية، كذلك نجد أن مؤسسة كمؤسسة السلع التموينية وهى تابعة أيضاً لوزارة التموين والتجارة الداخلية عليها فى ظل هذه الفترة الانتقالية الصعبة أن تفتح باب الاستيراد، وتقوم باستيراد السلع الناقصة بالأسواق وطرحها فى المجمعات الاستهلاكية.

متابعة روتينية

وأطرح قضية نقص أو غياب وجود بعض الأدوية والمستحضرات الطبية بالأسواق على د. سيف الله إمام وكيل نقابة الصيادلة، فيؤكد القضية قديمة وحديثة فى نفس الوقت نتيجة لسوء تنظيم سوق الدواء، وعدم متابعة الجهات الرسمية للوضع فى هذه السوق -وأقصد بهذا وزارة الصحة- سوى بشكل روتينى، فصحيح أن هذه المشكلة تعد مشكلة عالمية ولكن الوضع فى السوق المصرى للدواء مختلف، لأن هناك بعض أصناف الدواء العالمية ليس لها بدائل محلية، وقد تفاقم الوضع فى الآونة الأخيرة نتيجة لأن المتابعة لهذه السوق من قبل إدارة نقص الأدوية بوزارة الصحة تتم بشكل روتينى ونمطى، وقد حاولنا كنقابة أن نطرح علاجاً لهذه الأزمة، يرتكز على أن سوق التوزيع الخاص بالدواء قد تطور بصورة كبيرة فى الآونة الأخيرة، فالآن لدينا شركات منتجة للدواء وشركات توزيع لديها مخازن كبيرة وصغيرة وتقوم بتوزيع الدواء على الصيدليات بشكل متطور، وهناك شركة تقوم بنفس العمليتين، ولذا فالمنتج الدوائى يصل للصيدلى فى نفس اليوم الذى ينتج فيه، وبالتالى فشركات التوزيع هذه أصبح لديها تقرير وافٍ برصيد كل دواء بالعلبة والمخزون منه، ما طرحناه هنا، أن يكون هناك «سيديهات فورية» بوضع هذه السوق تقدمه هذه الشركات وفقاً لقيامها بعملها لوزارة الصحة، بحيث تكون الوزارة على علم أولا بأول بأول بظروف السوق، وتقوم بالتحرك الفورى قبل أن ينقص دواء ما منه، ولكن المتابعة للأسف لاتزال تتم بالطرق التقليدية، وكذلك نجد أنه لا توجد عملية متابعة مستمرة لخطتى الإنتاج والاستيراد، استناداً إلى أن هذه المشكلة تعد ظاهرة عالمية تظهر فى سوق الدواء من آن لآخر، على الرغم من أن الوضع لدينا مختلف، فالشركات بالخارج لا تنتج بعض أنواع الأدوية لأنه لا توجد لها سوق، ولكن لابد وأن تكون هناك متابعة لعملية الإنتاج، لأن أنواع الدواء الناقصة بالأسواق تضم الكثير، منها ما يتم استيرادها وأخرى منتجة محلياً، وبالتالى فالمشكلة لسيت مشكلة استيراد، وكذلك ليست مشكلة ناتجة عن ظروف الثورة والفترة الانتقالية الحالية، فهى مشكلة تظهر فى سوق الدواء من وقت لآخر

المصدر: مجلة حواء -سمر الدسوقي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 685 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,659,801

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز