لسنـــــا ناقصــــات ذگــــــاء أو استيعـــاب
كتبت :أمل مبروك
عندما نتدبر ما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن" . نجد أن البعض أخذ هذا الحديث على أنه إهانة للمرأة وانتقاص من كرامتها ومنزلتها في المجتمع ، لكن الحقيقة غير ذلك تماماً. لأن هذا الحديث يشرح لنا طبيعة المرأة التى تتميز من ناحية التكوين بوجود العاطفة التى تجعلها تمنح الحنان لأسرتها أكثر من الرجل ، إلى جانب التفكير العقلي والذكاء .
إنها هي التي تحنو، وهي التي تمسح الدموع، وتضع مكانها الابتسامة، وهي التي تمسح تعب اليوم وشقاءه عن زوجها وأولادها، ولا يتم هذا بالعقل فقط ، ولكن لابد من العاطفة أيضا >>يلقى فضيلة د. محمد الراوى - عضو مجمع البحوث الإسلامية - الضوء على حدث هام كان للمرأة دور كبير في حسمه ويدل على ماتمتاز به من رجاحة العقل وحسن التصرف .. ذلك الحدث هو صلح الحديبية الذي كان انتصارا للدعوة الإسلامية. وبداية لنشرها في كل أنحاء الجزيرة العربية. فما هي هذه الأحداث التي سبقت هذا الصلح؟
كان المسلمون قد أحرموا واتجهوا إلى بيت الله الحرام لأداء العمرة، ومعهم الهدى الذي سيذبحونه عند الانتهاء من العمرة والطواف ببيت الله الحرام، وتصدى لهم الكفار، ومنعوهم من دخول مكة ومن الطواف ، وانتهى هذا التصدي بتوقيع صلح الحديبية بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفار مكة، وفيه تعهد الكفار .. بألا يتعرضوا للمسلمين ولا لحلفائهم. ولا لنشر الدعوة الإسلامية. ولا يتعرض المسلمون لحلفاء قريش ومن كان في حمايتها. وحينما تم توقيع الصلح . أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين. بأن يذبحوا الهدى، ويحلوا إحرامهم، ولكن الحمية الدينية في داخلهم، والصلح الذي منعهم من الطواف ببيت الله الحرام . أشعل ثورة في صدورهم. منعتهم أن يروا الحكمة في توقيع هذا الصلح. وكيف أن الله سبحانه وتعالى جعل فيه إشارة لانتصار الإسلام وفتح مكة . لأن في مكة مسلمين يكتمون إسلامهم ويبقون إيمانهم في صدورهم، وأنه لو حدث قتال في هذا الوقت لقتل المسلمون بعضهم بعضاً وهم لا يعلمون . وفي ذلك يقول الحق سبحانه وتعالى: " هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَؤُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاء لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا "
نقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر المؤمنين بأن يذبحوا الهدى، ويحلوا إحرامهم، ولكن أحداً منهم لم يفعل ذلك، فدخل الرسول عليه الصلاة والسلام على زوجته أم سلمة بنت أبي أمية وهو شديد الغضب، فقالت: مالك يا رسول الله؟ فلم يرد. فكررتها عدة مرات. حتى قال صلى الله عليه وسلم: "هلك المسلمون، أمرتهم بأن ينحروا ويحلقوا فلم يفعلوا" فقالت أم سلمة: "يا رسول الله لا تلمهم فإن داخلهم أمراً عظيماً مما أدخلت على نفسك من المشقة في أمر الصلح ورجوعهم بغير فتح، يا نبي الله اخرج ولا تكلم أحدا منهم، وانحر هديك وأحلق رأسك ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، وقام المسلمون فنحروا وحلقوا.
وهكذا نرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ برأي زوجته أم سلمة في أمر من أشق الأمور وأشدها . ولو كان عقلها ناقصاً . نقص ذكاء أو نقص استيعاب ما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأيها. ولكن نقص العقل في الحديث الشريف معناه: أنها تفعل أشياء يقف العقل عندها، وإنما تفعلها بالعاطفة.
ولكي نفهم معنى الحديث الشريف، لابد أن نعرف ما هو العقل؟ ليفهم الناس من التسمية مهمة العقل. إن العقل مأخوذ من العقال، وهو مقود الجمل الذي لا يجعله يسير على غير هدى، إنما يخضعه لمشيئة راكبه. وهذه أيضا مهمة العقل. مهمته أن يكبح شهوات النفس، ويجعلها تسير في الطريق المرسوم.
أما الرجل فحياته عقلانية أكثر من المرأة، لأن مهمته هي السعي على الرزق، فلابد أن يرتب الأشياء ترتيباً عقلياً لا مكان فيه للعاطفة . إننا نرى الأولاد إذا احتاجوا شيئاً، وعلموا أن أباهم لن يوافق لأي سبب من الأسباب. أسرعوا إلى الأم هي التي تأتي لهم بالموافقة . وهي بعاطفتها تؤثر على الأب. وإذا أردنا أن نأخذ مثلاً آخر . لنفرض أن الأب عاد إلى بيته متعباً، يريد أن ينام ويستريح، وإذا بطفله الرضيع يبكي، أول شيء يفعله الأب هو أن يبحث عن مصلحته كما يدله عليها عقله . إنه يريد أن ينام، ولديه عمل في الغد فيذهب إلى حجرة أخرى لينام. ورغم أن هذا هو التصرف العقلي السليم، فإن الأم لا تفعله أبدا مهما كانت متعبة أو مجهدة، فإنها تبقى ساهرة بجوار ابنها . بل إنها لو كانت مرتبطة بموعد هام، وهي في طريقها إلى الباب ووجدت درجة حرارة ابنها ارتفعت فجأة. نجد أن الأب يذهب إلى الموعد حتى ولو كان هو يقوم مقام الأب والأم، في حالة وفاة زوجته، ولكن الأم من المستحيل أن تفعل ذلك، إن تضحية الأم من أجل أولادها، شيء لا يمكن إذا حكمنا فيه العقل أن يحدث، ولكن العاطفة وجدت هنا لتؤدي المرأة مهمتها، ولذلك عندما سأل أحد الرجال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال الرسول عليه الصلاة والسلام: أمك .. فقال الرجل: ثم من؟ . فقال الرسول: ثم أمك . فقال الرجل: ثم من يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم ثم أمك . وسأله الرجل: ثم من؟ قال: ثم أبوك ." وقال صلى الله عليه وسلم: "الجنة تحت أقدام الأمهات"
حوار حول المرأة
قالت أم سلمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبرني يا رسول الله عن قول الحق عز وجل: "وَحُورٌ عِينٌ " ، فقال عليه الصلاة والسلام "حور" معناها بيض و"عين" . أي ضخام. قالت أم سلمة: أخبرني يا رسول الله عن قوله تعالى: "كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ " ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: صفاؤهن كصفاء الدر "أي: اللؤلؤ" الذي في الأصداف الذي لا تمسه الأيدي .. وقالت أم سلمة: يا رسول الله أخبرني عن قوله تعالى: " فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ " ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خيرات الأخلاق حسان الوجوه .. فقالت أم سلمة: فأخبرني يا نبي الله عن قوله تعالى: " كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُون ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رقتهن كرقة الجلد الذي في داخل البيضة مما يلي القشر". قالت أم سلمة: أخبرني يا رسول الله عن قوله تعالى: " عُرُبًا أَتْرَابًا " ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هن اللاتي قبضن في دار الدنيا عجائز رمصاً شمطاً خلقهن الله يوم القيامة بعد الكبر فجعلهن عذارى . عرباً متعشقات محببات . أتراباً على ميلاد واحد . أي في سن واحدة.
وهكذا نرى أن وصف الخالق عز وجل للمرأة فى الجنة يرشدنا إلى أن وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء بأنهن ناقصات عقل ودين معناه: أن المرأة تفعل أشياء بعاطفتها يقف العقل عندها. أما مسألة الدين فهي بحكم طبيعة خلقها، تمر عليها أيام في الدنيا لا تؤدي فيها صلاة ولا صياماً .. وهذا ليس عيباً .. لأن الله خلقها هكذا .. فهذه طبيعتها لتؤدي مهمتها في الحياة.
إذن: فالمسألة شرح لطبيعة المرأة، وليس محاولة للانتقاص منها، وإلا ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخذ برأي أم سلمة في صلح الحديبية. ومن يحاول تفسير هذا الحديث النبوي الشريف على أنه طعن في المرأة، يكون قد جانبه التوفيق، ولم يفهم معنى الحديث، ولا ما هو المقصود بالنقص في العقل والدين
ساحة النقاش