دمعة لرحيل سهير البارونى

إنها إحدى روافد البهجة فى طفولتى . إطلالتها فقط من نافذتها الصغيرة فى الشاليه الخشبى فى منطقة ميامى بالإسكندرية الذى كان يجاور مكان إقامتنا فى صيف هذا العام البعيد كانت تشد البهجة من منابتها أجلس بينها وبين أبى المؤرخ الفنى المعروف أتابعها فى حديث لا أعى منه شىء لكن فقط ضحكتها الرنانة تسعدنى . تطيرنى فى هواء نسائمه رائعة أتذكر مداعبتها لى وإصرارها أن أشاركهما حديثا فوق إدراكى حينما تنظر لى بين لحظة وأخرى وتقول - مش واخده بالك أنت ولا إيه رأيك ؟ فيضحك من حولنا . لكن وحدها تبهجنى كما أبهجتكم جميعا وأسعدتكم ll

لا أنسى هذه الليلة فى كواليس إحدى المسرحيات بالإسكندرية فى نفس هذا الصيف .. أول مرة أدخل كواليس أول مرة أسمع كلمه (كالوس) وأرى (الملقن) وهو يعطيها (الكيو) أو مفتاح الجملة التى نسيتها فتداعبه أمام الجمهور .. أذهلنى هذا العالم الذى دعتنى إليه الراحلة القديرة سهير البارونى .. حين سمعت نبأ وفاتها كل هذا تراقص أمام عينى تعرفون مدى موهبتها الكبيرة وخفه ظلها أعرفها لكن أعرف أيضا حنان فياض رائع وشخصية إنسانية آسرة.. فالزمن مر منه أعواما كثيرة كثيرة .. ومع ذلك حين هاتفتها أقدم لها عزائى فى وفاه أبنتها تذكرتنى وتذكرت - وكانت مفاجأة - هذه الأيام البعيدة ... وتحولت بهجة طفولتى لأسى عارم أصابنى وهى تحكى لى تجاهل المنتجين والمخرجين لها وتصر أنها لن تكلم أحد فهى من جيل لايعرف طرق الأبواب ...

حقا كلهم يطرقون أبواب من أضحكتنا فى حواديت وهالو شلبى وشارع محمد على، من شدتنا إعجابا بأدوارها فى عريس مراتى وبين القصرين و30 يوم فى السجن سمع هس والجواز للجدعان ولن أعيش فى جلباب أبى وفول الصين العظيم وعصابة بابا وماما وكريمة كريمة .. وأخيرا عريس دليفرى. نعم يطرقون أبواب صاحبه الـ 75 عاما - قضت منهم أكثر من خمسين عاماً فى حب الفن فأول أعمالها (أيام وليالى) مع عبدالحليم وإيمان سنة 1955 ... لكنهم لم يفعلوا ورحلت فى صمت هذه الرائعة التى مازالت إفيهاتها ومواقفها الكوميدية على كل لسان لكن ماذا نفعل فى زمن له أحكامه ... دمعة حارقة لرحيلك يا (سو) كما كان يناديها أحبابها