الألتراس من الرياضة إلى السياسة

 

شباب الألتراس ليسوا مجموعة من الغوغاء ولا المتشردين لكنهم شباب اختاروا لأنفسهم نوعا من الانتماء، لقد عز عليهم انتماؤهم لبلد لم يجدوا فيه شيئا يفرحهم فلجأوا لشكل اخر يضعون فيه طاقة حبهم وانتمائهم فاختاروا ناديهم المفضل يهرعون إليه بالحب، ويضعون فيه الامل ويتمسكون بنصرته، لذلك فعندما بدأت بشائر الثورة كانوا أول من تواجد وتفاعل وراح يبذل حياته من اجل بلد يحلم بها

ظهرت مجموعات الألتراس في العديد من الأحداث السياسية، حيث شارك الألتراس في حماية أسر القتلى أثناء محاكمة مبارك، وشاركت في العديد من المليونيات، أبرزها مليونية 9 سبتمبر.ولعب دورا كبيرا في المظاهرات التي اندلعت مجددا في التحرير ابتداءً من يوم 19 نوفمبر 2011، واحتلوا الصفوف الأمامية في مواجهة قوات الشرطة والأمن المركزي.

وقد استثمر أعضاء الألتراس سنوات خبرتهم بالتعامل مع قوات الشرطة في المباريات الرياضية فقد استخدموا تلك الخبرة في مقاومة التخريب الذي عمدت اليه قوات الأمن في زمن مبارك ولأن كل النوادي الكروية الكبيرة لديها منظمة من الألتراس فهم ليسوا منظمة واحدة متماسكة. فمنهم "ألتراس أهلاوي" و ألتراس الزمالك «وايت نايت» وغيرهم. هؤلاء جميعا يتبعون في تكتيكهم

مبدأ "الكر و الفر". وصمد الألتراس في المتاريس الأمامية امام الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي، في بداية الثورة ومنذ تلك الايام ظل الألتراس في الجبهة الأمامية. وعلى مر الشهور الماضية كان الألتراس يهتفون في الملاعب بضرورة حكم مدني لمصر.

شباب الألتراس، منذ ـ 25 يناير ،2011 لم يعد مجرد رابطة تشجيع رياضي، ولا قوة رياضية، منذ أن نزل شبابه في الساعات الأولى من يوم 26 يناير إلى أرض ميدان التحرير ووسط القاهرة، وتولوا تأمين مئات آلاف المتظاهرين ممن شاركوا في الثورة، ومنذ أن دافع شبابه اليافع عن الثوار في "موقعة الجمل" التي حاول فيها رجال مبارك الانقضاض على الثورة، ومنذ ذلك الوقت قرر شبابه أن يشاركوا في معظم المليونيات والفعاليات الثورية مع سقوط مبارك وحتى أحداث محمد محمود، مجلس الشعب، ماسبيرو، وتظاهرات المواجهات البرلمانية الأخيرة.

لم يتحول الألتراس إلى حزب سياسي أو قوة سياسية، لكنه اعتبر نفسه قوة وطنية، تعبر عن نبض الشارع والوطن وثورته، ورفض أن يظل، بإمكانات وطاقات وخبرات شبابه الجماهيرية مجرد مشجع تحركه كرة القدم فقط، وقد ابتهج المصريون وهم يرون شباب في عمر الزهور الندية يقفون وينطلقون بروح قوية كلها طاقة تحمل الحب والامل لبلد عظيم يستحق ان نضحي من أجله.

دخل شباب الألتراس في مواجهات سياسية مع قوى أكبر كثيراً من حجمه، صادم نظام مبارك في عز جبروته في أيام الثورة الأولى، ثم صادم فلوله، واشتبك مع مجموعة مؤيديه في مصطفى محمود، ثم صادم الداخلية.

كثيرون أشفقوا من تصدر الألتراس الصفوف الأولى لتظاهرات أكثر تعقيداً من حجمه، لكن شباب الألتراس، المشهود لهم بالثقافة والوعي أمنوا بحقيقة واحدة تقول إننا لابد أن نتواجد بكل قوة وحماس عندما تدعونا أوطاننا، وأنه لا يجوز لهم أن يظلوا في الكرة والملاعب، بينما بلدهم في معركة مصير. لذلك كان الحزن عظيما بالمؤامرة الحقيرة التي ذهبت بأجمل شبابنا وأطهر القلوب وأنقاها في هذا الوطن،عندما تم حصد أوراحهم بدم بارد تحت سمع وبصر التاريخ الذي لن يرحم من أراق دماء ذكية على أرض طاهرة.

ويذكر أن الدكتور "عصام شرف" قد وجه عندما كان يشغل منصب رئيس وزراء مصر، شكرا لألتراس الأهلي على صفحته بموقع فيسبوك لانضباطه في التشجيع أثناء مباراة ناديه مع النادي التونسي الشقيق.

وفي كتابه" لماذا انطلقت فى كل مكان، الثورات العالمية الجديدة" تحدث المؤلف البريطانى باول ماسون عن دور الشباب في ثورة يناير السلمية العظيمة واختص محموعات الألتراس وما كان لها من أثر كبير في حماية المتظاهرين وبث روح الحماسة.

وقال عنهم د."عمار علي حسن" أستاذ العلوم السياسية " كان ألتراس الأهلى والزمالك في الصف الأول يوم انطلاق ثورة 25 يناير، رأيتهم يتراصون صفوفا في وجه جنود الأمن المركزي، على مشارف ميدان التحرير، وكانوا معنا يقاتلون ببسالة في معركة الجمل، ولعبوا دورا كبيرا في مواجهة شارع محمد محمود التي لولاها لسرقت الثورة إلى الأبد. وفي الأيام الأخيرة رفعوا لافتات في الملاعب تناصر الثورة وتؤكد مبادئها وتصر على مطالبها. لكل هذا كان لابد أن يعاقبهم أعداء الثورة بهذة الطريقة البشعة الخسيسة، وهذا في ظني أقرب المفاتيح لقراءة ما جرى في أستاد بورسعيد، والذي من الصعب أن نصدق أنه "شغب ملاعب" أو أنه تصرف أهل مدينة وراءهم تاريخ من النضال نحترمه جميعا".

ونجد التراس لا يقف ولا يلتقط انفاسه، إنه يفكر دائما في حلول سريعة وجديدة، هل تذكرون فكرة الموتوسيكلات؟ تلك الفكرة الجهنمية العجيبة التي تفتق عنها ذهن شبابنا لنقل المصابين من المتظاهرين، عندما تعذر نقلهم بالسيارات التي لم تستطع شق الصفوف؟ أصحاب هذا الاقتراح كانوا شباب الألتراس، ثم بعد ذلك كانت صفاراتهم هي الإشارة لسائقى الدراجات النارية للتوجه إلى المنطقة التى تمتلئ بالمصابين ليتشكل فريق آخر من المتظاهرين، ليوجه سائق الدراجة الذى يحمل المصاب إلى المستشفى المختصة بحالة المصاب سواء كانت حالة اختناق أو إغماء أو إصابة خرطوش.

وفي نوفمبر 2011 استخدم المتظاهرون الألتراس المتواجدون في شارع محمد محمود، الشماريخ للرد على القنابل المسيلة للدموع التي تستخدمها قوات الأمن المركزي، حيث تسببت هذه القنابل في اختناق الكثيرين ولم يكن هناك اي وسيلة لمقاومتها قبل أن يتدخل الألتراس.

و يبدو أن استمرار الألتراس في حماسه ودفاعه بالإضافة لأفكاره الابتكارية للخروج من المآزق وأيضا ـ ولوجه الحق وحتى نكون حياديين- اندفاعه في أحيان كثيرة تغذية الوطنية وحيوية الشباب واندفاعه سنه الطبيعي حيث أعمارهم نادرا ما تتجاوز العشرين، يبدو أن كل هذا بدأ يقلق بعض المسئولين حيث تحول الألتراس من مجموعة مشجعي كرة الى مجموعة ناشطين منظمة ووطنية، ولا تعرف معنى كلمة فشل.

لقد نسى كثير من المسئولين أن الانتماء معنى كبير لا يتجزأ وأن من يذهب ليشجع ناديه هو في البداية والنهاية شاب مصري وطني عظيم، نسوا أنهم في مقدورهم استغلال هذه الطاقة وهذا الحماس بما يفيد صالح الوطن إذا تم توجيهها بشكل جيد، لذلك نرى مجلس الوزراء في ديسمبر 2011، يستعرض خلال اجتماعه، مشاكل روابط الألتراس المختلفة، وتؤكد "فايزة أبو النجا" وقتها أن وزير الداخلية عرض عليهم تقرير لقائه مع رؤساء الأندية حول الألتراس، وأن اجتماع وزير الداخلية، تناول نشاط الألتراس أيضًا، وأكدت أن مشكلة هذه الروابط أنها تحولت من الشئون الرياضية إلى الشئون السياسية، معتبرة هذا غير مقبول لأن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى مشاكل مثل المشاجرات والمشاحنات، بحسب قولها.

رغم كل هذا فشباب التراس لم يتوان لحظة ففي ذكرى ثورة يناير نجد الألتراس لا ينسى دماء الشهداء حتى أثناء تواجده في أحد الملاعب لتشجيع فريقه...ماذا فعل؟

قامت مجموعة من أعضاء "ألتراس أهلاوي" في أستاد القاهرة برفع لافتة مكتوب عليها (أهلاوي ثورجي) تضامنًا مع شهداء "جمعة الغضب" في يناير العام الماضي، خلال مباراة أمام فريق المقاولون العرب ضمن الجولة السادسة عشر.

لقد قامت الجماهير المحتشدة بتكوين تابلوه في المدرجات فور نزول اللاعبين إلى أرض الملعب تكريمًا لشهداء الثورة يوم جمعة الغضب الموافق 28 يناير. كما كانت هناك لافتات أخرى في المدرجات انتقادًا للمجلس الحاكم، وأخرى لموقف وزارة الداخلية بعد انسحاب رجالها من الشارع اثناء الثورة، وتواجدت لافتة كبرى تقول: "هنفضل فاكرين عاركم ليوم الدين..

وهتف ألتراس أهلاوي كذلك بـ"بالروح بالدم نفديك يا شهيد"، و"في الجنة يا محمد"، وذلك في اليوم الذي يتزامن مع الذكرى السنوية لـ(جمعة الغضب الأولى) والتي سقط فيها مئات الشهداء بالمواجهات مع قوات الأمن.

شباب التراس معروف عنهم بالإضافة لما أوردناه من انتمائهم وحماسهم وذكائهم، أنهم مصريون وطنيون أنقياء ليتنا نعرف كيف نستثمر طاقاتنا ونهذب اعوجاجها إذا رأينا فيها اعوجاج. ليتنا نعرف كيف نستغل الفرص وكيف نحب بلدنا 

المصدر: مجلة حواء
  • Currently 4/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
1 تصويتات / 553 مشاهدة
نشرت فى 9 فبراير 2012 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,872,446

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز