خروج آمن للشعب المصرى

كتبت :ايمان حسن الحفناوي

أعيش هذه الأيام مثل كثيرين حالة اكتئاب مستعصية، إحباط طويل الأمد.. أصحو من نومي أحتسي قهوة تغلي على مرجل الغضب.. كسرات الخبز مبللة بماء الألم..صحيفتي ملطخة بدماء من يموتون كل يوم على أرضي الطاهرة..مايحدث في مصر يقض مضجعي، ويفزع نومي وترتعد له فرائصي.

..والسؤال الذي أسمعه يتردد من حولي :ماذا بعد؟ أي جنون سيطر علينا لنجر بلادنا لمحرقة تشعل أجسادنا جميعا؟!

عندما بدأت ثورتنا العظيمة كان من الواضح إصرار شعب مصر على إسقاط النظام ، ومع الإصرار، والمثابرة بدأت تتكشف الأمور، واتضح للعالم كله أن نظاماً فاسداً كهذا لابد أنه راحل، فبدأت الدعوات لخروج آمن للرئيس السابق.

نفس الشيء ونفس المطالبة بخروج آمن ترددت عندما احكمت الحلقة حول الرئيس الليبي السابق، والرئيس اليمني.. تكررت أيضا مع الرئيس السوري..

الخروج الآمن يعني أن هناك أغلبية، وهي الشعب الذي أفاق ليجد نفسه قد دمرت مكاسبه، وديست أحلامه، وانهارت حياته على يد نظام فاسد مستبد، فعندما يثور الشعب على الظلم فلابد من إسقاط هذا الحاكم، بل ومساءلته... لذلك يصبح الخروج الآمن للظالم هو حلماً يسعى مؤيدوه إليه حتى ينتهي الأمر بأقل الخسائر الممكنة.

كل هذا طبيعي، وموجود على الساحة في معظم الثورات، وهو مطلب متكرر سواء وافق الشعب عليه أم لم يوافق.

لكنني الآن أطالب بشيء جديد تماما .. أطلب خروجا آمنا للشعب.. نعم للشعب ولا تتعجبوا!!

فالظاهر أمامنا أن شعبنا العظيم منذ بدأ ثورته البيضاء السلمية القوية في الوقت نفسه، منذ بدأها وهو يواجه المؤامرة تلو الأخرى، المريب في الموضوع أن حائك المؤامرات لا يظهر بوضوح، مجرد استنتاجات قد تكون صحيحة وقد لا تكون.

والأمر ليس جديداً فمنذ حريق القاهرة في أوائل الخمسينات، ونحن لا نعرف من يحيك المؤامرات.. تحقيقات هنا، ومساءلات هناك، ولا نعرف على وجه الدقة من يريد تشويه وجه مصر ..من حرق القاهرة في نصف القرن الماضي؟ لا نعرف.. من حرق الأوبرا؟ لا نعرف.. من المتسبب في حادث طائرة البطوطي؟ من خطط ونفذ لإغراق عبارة السلام؟ من حرق أقسام الشرطة في أيام ثورة يناير، وحرق بعض السجون؟ من حرق المجمع العلمي، ومن قبلها تفجير كنيسة القديسين؟! من فعل كل هذه الكوارث وأحدثها، وليس آخرها مجزرة مباراة الأهلي والمصري.

الإجابة : لا نعرف.. لماذا لا نعرف؟ مرة أخرى الإجابة لا نعرف..

من يحتشد أمام وزارة الداخلية؟ وماذا يريدون؟ أيضا لا نعرف..

من يذبح أبناءنا ؟ من يتربص بالشرفاء؟

شيء واحد نعرفه بل ومتأكدون منه أننا نتعرض لمؤامرة خطيرة، وأخطر مما نتصوره.

لكن من يحيك المؤامرات؟ للأسف لا نعرف.

ما معنى أن يخرج علينا أحد مقدمي البرامج بخبر حرق المجمع العلمي قبل احتراقه بساعات طويلة ثم فعلا يحترق؟ ما معنى أن تخرج علينا مقدمة برنامج تؤكد احتراق مبنى مصلحة الضرائب، ويخرج من يكذبها ثم يحترق المبنى بعد أربع ساعات؟

ما معنى أن يذبح أبناؤنا في مباراة كرة قدم وينكل بهم؟

ما معنى أن يتم سطو مسلح على بنوكنا، وأن يخطف الصغار بهذا الشكل المخزي وعندنا شرطة، وجيش قوي؟ ما معنى أن يطالب الجميع من الساسة والمسئولين بأن يترك الشباب ميدان التحرير حتى يتعافى الاقتصاد، وتتحقق المطالب في جو مستقر ثم نجد نفس الساسة والمسئولين يطالبون الغاضبين- الذين لا نعرفهم أيضا- أن يتركوا محيط الداخلية ليعودوا إلى التحرير؟

ما معنى هذا؟ ألم يطالبوا بإخلاء التحرير؟ الآن يطالبون بالذهاب إليه؟

ما معنى أن يطالب مسئولون كبار بضرورة أن يتصدى الشعب للشعب! حدث هذا في أعقاب مباراة الأهلي والإسماعيلي حيث شجب المسئول الكبير ما حدث، وطالب الشعب بالتصدي لمثل هذه التجاوزات!!!... لمن سيتصدى؟ وهل هذه هي وظيفة الشعب؟ وأين الجهات الأمنية؟ وكيف نوقع بين أفراد الشعب؟

ما معنى أن تتم محاولات مكشوفة للإيقاع بين طرفي الأمة المسلمين والمسيحيين وعندما يفشل المخطط تبدأ الوقيعة بين المحافظات وبعضها، فبعد ما جرى من مهازل مباراة بورسعيد بدأ الحشد الخبيث لتحميل المسئولية لشعب بورسعيد، هذا الشعب الذي ناضل كثيرا من أجل مصر ..على أي حساب غبي تتم المخططات، فريق الأهلي ليس ملكاً للقاهرة لكنه ملك لمصر كلها، فلماذا تم توصيف المشكلة من البعض بأنها ثأر بين القاهرة وبورسعيد؟ وكالعادة فشل المخطط في مهده... أي مخططات في الطريق؟ الإجابة : لا نعرف.

إلى متى سنظل لا نعرف؟ إلى أن يفيق من يمسكون زمام المبادرة، ويعرفون أن نارا يمكن أن تشتعل فتأكلهم قبل أن تلتهم الجميع.

المجلس العسكري عليه واجب، ولابد أن يؤديه لو كان بالفعل يحب مصر، لابد أن يحمي هذه الثورة، وأن يحمي مقدرات المصريين، ويحمي أرواحهم فواجبه ليس فقط حماية حدودها ، فالحدود هذه حدود من؟ حدود المصريين، لذلك فهو مناط به حماية أرواحهم خاصة في هذه الفترة التي يمارس فيها عمله المؤقت كمسئول عن إدارة البلاد.

أين أفراد جيش مصر العظيم؟ أين كانوا في مذبحة بورسعيد؟ في حوادث السطو المسلح؟ في أحداث محمد محمود؟

الحكومة مسئولة عن طريق وزاراتها لاسيما وزارة الداخلية.. أين هم لو كانوا فعلاً يحبون مصر؟ أين كانوا في كل هذه الأحداث؟

مجلس الشعب صار هو المسئول عن مطالب، وأحلام المصريين بعد أن وضعوا الأمانة في عنقه باختياره ممثلاً عنهم... لماذا أرى الشعب في واد، وممثليه في واد آخر؟!

حقا هو مجلس يختلف كثيراً عن سابقيه، ولكنه لا يتناسب مع روح الثورة التي جاء يحمل بصمتها، أنا أرى المجلس يتصرف بشكل عادي في ظرف غير عادي، يتصرف بهدوء شديد في ظل ثورة.. أنت برلمان ثورة فلابد أن تعبر عنها.

كل ما يحدث جعل الشعب ثائراً حانقا على من يديرون شئونه، لذلك أصبحت هناك مشكلة حقيقية الشعب طرف فيها ، والطرف الآخر يتمثل فيمن يديرون شئون المصريين من مجلس عسكري وحكومة ومجلس شعب.. الشعب غير راض عن أداء هذه المؤسسات، وهذه المؤسسات لا تحبذ أسلوب الشعب بل تراه متعجلاً مندفعاً، وكأننا في أيام عادية، ولسنا في ثورة.. سبحان الله.

أتصور أننا كشعب لابد أن نطالب لنا بخروج آمن طالما لم نعد نعجب المسئولين عنا وطالما أننا شعب «سخيف» يريد أن يصل لكل ما يريد بسرعة البرق، وطالما أننا إذا طالبنا بتحقيق مطالب الثورة صرنا عملاء، واذا لم نطالب صرنا حزب الكنبة ..

لذلك أتصور أن نطالب بخروج آمن لشعب مصر فقد اتضح أن الخطأ فينا نحن لأننا شعب «مزعج» يريد بلداً قوياً يحكمه القانون، وتسوده المساواة.

نحن شعب «رخم» لأننا نريد عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية.

نحن شعب «زنان» لأننا نريد محاكمة عادلة لمن حرمنا خيرة شبابنا المدافعين عن حق الوطن.

نحن شعب أهوج لأننا انتظرنا عاماً كاملاً .. لماذا لا ننتظر أربعة أو خمسة أعوام؟

هي الدنيا طارت؟؟!

المصدر: مجلة حواء -ايمان حسن الحفناوي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 584 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,781,186

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز