الفقيــه القانـونى د. عبدالمعطى بيومى يطالب بـ:قانون جديد للأسرة لا يلغى مكتسبات المرأة

كتبت :ماجدة محمود

يري أن ثورة الرجال ضد قوانين الأحوال الشخصية، ثورة للظلم ضد العدل، فالثائر يثور كي يصحح مسارا خاطئا، ولا يثور كي يعود للوراء .. كما يري أن دستور 1923م كان به عوار شديد لأن ما اشتق منه من قانون الأحوال الشخصية خلا من الخلع، والنفقة والحضانة، وهي أمور تحقق الاستقرار العائلي، وبالتالي استقرار المجتمع، أيضا يرفض دستور 1971 لأن التعديلات الخاصة بالأحوال الشخصية التى صدرت وقتها لم تفلح في وضع مسائل أخري هامة باستثناء الرؤية والخلع، وكان يجب أن تضع مثلا مسألة «الثروة المشتركة للزوجين» ضمن أولوياتها حتي لا يضيع علي المرأة حق شاركت فيه.

 هذه الرؤية : ثورة الرجال، واشكاليات قوانين الأحوال الشخصية في الدساتير منذ صدور دستور 1923م والتعديلات التي أدخلت عليه عام 1935م، ومرورا بدستور 1971م، وحتي عام 2012م الذي سوف يشهد ميلاد دستور جديد للبلاد، هي محور ما حدثنا عنه د.عبدالمعطي بيومي أحد شيوخ الفقه القانوني وعضو مجمع البحوث الإسلامية. فكيف يحللها، وما المطلوب لتحقيق العدالة بين الطرفين «الزوجة والزوج»؟

 يتحدث البعض عن عوار يصيب بعض قوانين الأحوال الشخصية خاصة الخلع والرؤية .. ما رأيك ؟

 - العوار الحقيقى فى قانون 1929م، والذى كان خاليا من الخلع والرؤية وهذا عوار كبير، لأن الزواج عقد مشترك بين الزوج والزوجة قائم على الإيجاب والقبول ومبنى على التراضى، ومن هنا كان لابد من المساواة بين الرجل والمرأة، فكما له الحق فى التطليق، لها هى الحق فى الخلع، وهذا من صميم الشريعة الإسلامية، ولهذا جاء تعديل عام 2000 ليرد الحق إلى نصابه ويعطى المرأة حق إنهاء الحياة الزوجية، ورد المهر للزوج، وبذلك تكافأت الحقوق فى الأسرة.

 ثورة الرجال

 فيما يتعلق بقانون الرؤية .. هناك من يطالب بالعودة بسن الحضانة إلى السابعة للولد، والتاسعة للبنت، لتستقيم الأمور، ويمارس الأب دوره فى التربية مع بداية سن المراهقة التى تتطلب الحزم، ما ردك ؟

 - هذا أيضا عوار كبير كان موجودا فى القانون القديم، لأنه عام 1929م لم يكن يتعلم فى المجتمع المصرى، الإسلامى والعربى إلا القلة النادرة من البنات، أما الآن فالوضع تغير، والبنات يتعلمن، فهل يعقل أن نعطى الطفل فى سن السابعة أو البنت فى سن التاسعة أو كليهما فى هذه السن الصغيرة التى تحتاج رعاية كبيرة للأب، الذى يكون قد تزوج بأخرى، وبالتالى لن تتعامل معهما زوجة الأب معاملة إنسانية أو تستطيع رعايتهما كالأم، إن الشريعة الإسلامية من عبقريتها لم تحدد سنا محددة للحضانة، وإنما تركته للاجتهاد. والأئمة الأربعة اختلفوا على تحديد هذه السن. فى حين أن العرف السائد فى الرعاية يكون وفقا للبيئة، السن العمرى، المقومات الجسدية والعقلية، وهذا ما دفع أعضاء لجنة مجمع البحوث الإسلامية أن ينهجوا نفس نهج الأئمة، هم يرون أن من مصلحة الطفل ألا يسلم لأبيه إلا بعد أن يتم 15سنة حتى يستطيع الاعتماد على النفس، والأكثر من ذلك أنه حتى بعد هذه السن يترك الخيار للطفل فى: من يعيش معه الأم أم الأب؟ وهذا حق مطلق له تحقيقا للعدالة واستقرارا لنفسيته.

  إذن لماذا ثورة الرجال على قانون الرؤية والخلع ؟

 - إن تغيرت هذه القوانين بسبب ثورة 25 يناير، تكون سلبية جدا على الأسرة المصرية، وتنحرف الثورة عن مسارها فى طلب العدل إلى تحقيق الظلم بدلا منه، والظلم فى عقد الزواج للمرأة، وفى التعجيل بالحضانة للولد والبنت، وأظن هذا لم يكن هدفا لأي ثائر من أى مرحلة عمرية رجلا كان أو امرأة إنما هو استغلال للثورة.

 l هناك أيضا من يطالب برعاية مشتركة على الأبناء من الطرفين بحيث تعدل القوانين لتصبح الولاية التعليمية، والسفر إلى الخارج للطرفين بدلا من تركها فى يد الأب ؟

 - الذين يطالبون بهذه الرعاية المشتركة ينسون أن العلاقات بين الأب والأم فى وقت التشاحن الذى أدى إلى هدم الحياة الزوجية قد انهارت. فكيف لمثل هذه العلاقة أن تخدم مصلحة الأبناء، ومن فشلا فى الرعاية المشتركة وقت التواجد معا وتحت سقف واحد، كيف ينجحان فى علاقة مشتركة وكلاهما فى طريق مختلف، يحمل للآخر مشاعر الغضب والاتهام ..؟!

  هذا يدفعنى لسؤال، كيف يمكن أن نحقق المعادلة الصعبة : أب وأم منفصلان يساوى أبناء أصحاء نفسيا. قد يفتقدون للدفء الأسرى ولكنه أضعف الإيمان ؟

 - لا نملك إلا مناشدة المطلقين والمطلقات إلى أنهما إذا عجزا عن رعاية بعضهما بعضا. فلا يجوز أن يعجزا عن رعاية «الفضل» بينهما، قال تعالى : «ولا تنسوا الفضل بينكم» . فكلمة الفضل تشير إلى أنه ليس هناك قانون يضبط الرعاية النابعة من قلب وعقل ونفس كل من الزوجين، إنما هو فضل لا يحدد بقانون.

  لماذا إذن فى البلاد الأوروبية، إذا وقع الطلاق صار الأطراف أكثر اهتماما وخوفا على الأبناء، وبالتالى لا نرى مثل هذه المخاطر أو النزاعات. فهل نحن بحاجة إلى ثقافة مجتمعية . وما ملامحها ؟

 - نحن بحاجة إلى تربية وليس ثقافة فقط، تربية تقوم على غرس القيم الدينية، ورعاية الفضل، فضلا عادلا، متسامحا، وهذه التربية غير موجودة فى مدارسنا، ولا إعلامنا ولا فى العرف العام، نحن ندعو باستمرار إلى تعميق التربية الدينية، بحيث تكون مؤثرة فى نفوس الأطفال والشباب، لكن دون جدوى، لأنها مهمشة فى مدارسنا وإعلامنا، نحن بحاجة إلى تنشئة سليمة بحيث لا يقع طلاق، وإذا وقع يكون بالفضل لا بالقانون، بمعنى تحقيق المصلحة للطفل التى هى هدف التشريع.

  ولماذا يطالب البعض بالعودة إلى ما قبل هذه القوانين ؟

 - الأمر الأول : استبداد الكثير من الرجال، وإن كان بعض النساء لديهن هذا الاستبداد، فقانون الخلع بتعديل عام 2000، أو قانون الرؤية بتحديده بـ 15 عاما عام 2006م، كان متهما بتدخل بعض الشخصيات كما اتهم قوانين الشقة من حق الزوجة والنفقة من قبل، والرغبة هنا فى التغيير من أجل هذه التهمة الباطلة عيب مزدوج، من حيث الظن بأن هناك سيدات أثرن على المشرعين، وبالتالى القضاة والقانونيين بالإضافة لرجال الدين لأنهم وافقوا على إصدار هذه القوانين، والله أعلم أن هذا الاتهام ظالم، لأننى فى مجمع البحوث وهذه القوانين لم تخرج عن الشرعية.

 بين الشريعة والواقع

لماذا إذن يطالب التيار الإسلامى الموجود بالفعل على الأرض بتطبيق الشريعة الإسلامية، أليست موجودة فى قوانيننا ؟

 - نحن مع تطبيق الشريعة الإسلامية بطبيعة الحال ونحبذها، لكن القانون القديم يأخذ تفسيرات قديمة من الشريعة لا تتفق مع الواقع الاجتماعى الذى حصلته الأسرة المصرية، مثل مسألة عمل المرأة، التى تحتاج لما يترتب على عملها وتغطيتها المادية لنفقة الأسرة، أيضا ضوابط تعدد الزوجات، كان نادرا ما يعدد الرجل فى الماضى، إحصاء حالات التعدد كانت قليلة، الآن أصبحت كثيرة وبلا ضوابط، أمثلة كثيرة تحتاج إلى تغيير القانون تتفق والشريعة الإسلامية ولكن لابد مع ذلك أن تتضمن القوانين تفسيرات تتعامل مع الواقع الاجتماعى والاقتصادى للأسرة فى هذا العصر، ولا تنسى أن قانون 1929م يحتوى على فجوات كثيرة ثبتت من التطور الاجتماعى للأسرة .

  معنى هذا أنه يجب على المرأة أن تضع شروطا فى عقد الزواج لتأمين نفسها وحياتها ؟

 - اشتراطات عقد الزواج مرؤة سنتها الشريعة منذ أيام الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأجمع كل الأئمة حق المرأة فى أن تشترط لنفسها شروطا طالما أنها لا تحل حراما، ولا تحرم حلالا، لأن العقد مشاركة فى الحياة. لكن السؤال هل يعنى الزوج بهذه الشروط ؟

 l وما هى الضمانات ليفى بهذه الشروط ؟

 - قد يوقع بالرضا على الشروط، لكن ما يحدث مثلا أن يتزوج عرفيا، والزواج العرفى قائم وخارج القانون.

 l وكيف ينظمه القانون ؟

 - يحتاج إلى تجريم الزواج العرفى، وعدم الاعتراف به نهائيا، ومعاقبة من يفعل ذلك، أو المطالبة بتسجيله لدى دائرة المأذونين.

 l لكى نضمن حياة أسرية مستقرة للطرفين، ما الضوابط التى يجب أن توضع فى الدستور القادم ؟

 - أولا : أن يوضع قانون جديد شامل للأسرة المصرية لا يلغى مكتسبات المرأة والحقوق التى حصلت عليها، كالخلع والرؤية .

 ثانيا : أن يوضع قانون يحل مشكلة المرأة التى تساهم فى تكوين ثروة الأسرة دون أن يكون لها تعويض أو ضمان لحياتها حتى لا تقع ثروتها التى وفرتها للزوج فى ميراث الأخوة إذا توفى .

 الثروة المشتركة

  هناك من يقول إن دستور 71 الأنسب لهذه المرحلة، وهناك من يردد أن الأفضل دستور 23 إلى أى الدساتير تنحاز، أم ترى ضرورة وضع دستور مختلف. وهنا أتحدث أيضا عن الأحوال الشخصية التى تقبع داخل الدستور وتعتبر القلب النابض له ؟

 - لست منحازا لدستور 1923م مع أنه أفضل من الدساتير التى جاءت بعده، ولست منحازا أيضا لدستور 1971م. لماذا ؟ لأن الأمة تحتاج الآن لدستور جديد غير 23، 71 وما اشتق منه من قانون الأحوال الشخصية لخلوه من الخلع والنفقة والحضانة وقتها، حتى بعد إدخال التعديلات لم تفلح فى وضع مسائل أخرى باستثناء الخلع والرؤية . فقوانين الأحوال الشخصية يجب أن تحل المشكلات الناتجة بين الأزواج هذه الأيام، وهناك مدونة فى المغرب سبقت قوانيننا المصرية فى تحقيق عوامل استقرار الأسرة والأبناء شاركت فى وضعها.

مثل ماذا ؟

 - الثروة المشتركة. الزوجان يعملان ويصبان من عائد عملهما فى الأسرة، والزوجة أصبحت الآن تسهم فى زيادة ثروة الرجل، قد يموت أو يتزوج بأخرى وليس لديه أبناء، فيرث الأخوة ثروة الأخ المتوفى التى شاركت فيها الزوجة، أى أنهم يرثون مال الزوجة التى مازالت على قيد الحياة، فهل هذا عدل ؟ وإذا تزوج تذهب ثروتها لأخرى لم تكافح معه فكيف تتحقق العدالة ؟! إذا طلبنا من الزوجات عدم المشاركة نكون قد دفعنا إلى انشقاق الأسرة، وإذا طالبناها بالإنفاق والمساهمة وظلمت نكون قد شاركنا فى هذا الفعل .. ولهذا يجب أن تكون هناك ضوابط تراعى هذه المسألة .

  وماذا أيضا ؟

 - تعدد الزوجات. إذا شرع بوضعه الحالى دون ضوابط، فكأننا نصب الزيت على النار فى الأسرة المصرية. فمثلا الزوج قد يتزوج ثانية، ثالثة ورابعة، ثم يهمل كل هؤلاء ولا يضمن لهن حياة كريمة، لا يعطى نفقة، ولا يعدل، فتضيع الزوجات ويضيع الأبناء. فأين الضمان لمن لا تلقى اهتماما منه وغالبا ما تكون الزوجة الأولى .

  واقتراحاتك ؟

 - لا أحرم التعدد، ولكنى أقرر بضرورة وجود الضوابط الشرعية وتحقيق العدل ماديا تحت عناية المحكمة، يطالب الزوج بإيداع النفقة فى البنك بما يكفيها. وبحيث يكون قادرا على النفقة على زوجتين أو أكثر، لأنه قد يكون غير قادر ولا يهتم إلا بالزوجة الثانية وبالتالى تدخل الأولى فى مرحلة اكتئاب، وقد لا تجد ما تقتاته أو تتعيش به وقد رأيت حالات كثيرة تعرضت لهذا الموقف.

  الحديث عن الدستور القادم، وما يمكن أن يحتويه قانون الأحوال الشخصية بداخله من أطروحات لحل الإشكاليات القائمة بين الرجل والمرأة يطول شرحه ووصفه وتقديمه، ولكن خلاصة حوارنا ما أكد عليه د. عبدالمعطى بيومى بضرورة احترام مكتسبات المرأة التى حصلت عليها، والتأكيد على نيل مزيد من الحقوق والضمانات القانونية تكريسا لمبدأ استقرار الأسرة التى هى فى النهاية استقرار للمجتمع المصرى

المصدر: مجلة حواء -ماجدة محمود
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 605 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,831,507

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز