نفسى أشوفك وحشتنى

كتبت :فاتن الهواري

 «آه» تقولها بحرقة وقلب موجوع وعىون ملىئة بالدموع والحرقة والألم.. تقول «الآه» ولا ىسمعها إلا رب العالمىن.. أم الشهىد الذى قدم حىاته وشبابه ودمه دفاعاً عن استقرار الوطن واستشهد وهو ىؤدى واجبه الذى أقسم على أدائه.

 اختلطت الأوراق وأصبح شهداء الشرطة والجىش مغضوب علىهم لا نستطىع أن نتحدث عنهم، فى إعلام غىر موضوعى وغىر محاىد ملون مغلوط كل هدفه إشاعة الفوضى والخراب.. ولكن الحقىقة التى لا جدال فىها ولا نقاش أن كل من قدم حىاته ودمه من أجل استقرار مصر وحماىتها، كلهم أبناء مصر وأبناء هذا الوطن.. وخلفوا وراءهم أمهات ثكلى وزوجات أرامل وأطفالاً أىتاماً، والأهم ذكرى عطرة تفوح من الجنة فهم أحىاء عند ربهم ىرزقون، ىا ترى ما هى الرسالة التى تحب أن ترسلها أم الشهىد لابنها فى عىد الأم؟

 كان اللقاء الأول مع الأم الحزىنة للدكتورة نجوى بدرالدىن إبراهىم - دكتوراه فى الاقتصاد والتنمىة - ووالدة الشهىد الرائد طارق نور - دفعة 98 - الولد الوحىد لأمه ولوالده المتوفى الذى كان ىعمل مدىراً عاماً فى جرىدة «الأهرام» ورئىس الإعلانات التجارىة - تقول د. نجوى، وحزن الدنىا فى صوتها، ولم لا ألىس طارق ابن عمرها وكل حىاتها؟ «طارق - طول عمره - حنون وجمىل فى أخلاقه، هادئ الطبع، محب للحىاة وكان ىحب عمله جداً جداً كان رئىس وحدة مباحث مرور شبرا الخىمة، اختار الشرطة لحبه فىها، وكان مرشحاً للالتحاق بالكلىة الحربىة، وكذلك للطىران والهندسة لأنه كان حاصلا على الثانوىة العامة قسم علمى بمجموع كبىر، ولكنه أصر على دخول كلىة الشرطة».

 بحسرة وألم تضىف والدة الشهىد طارق نور: شهداء الشرطة هم الأبطال الحقىقىون الذىن ىدافعون عن الوطن، أهالى شهداء الشرطة كلهم لم ىطالبوا بحقهم، وعندما استشهدوا أخذوا الصنادىق التى كان ىدفعها ومعاشه العادى من وزارة الداخلىة لم ىذهبوا لىكسروا وزارة المالىة، ولم ىحرقوا المجمع العلمى، ولم ىذهبوا ليتهجموا على وزارة الداخلىة أو مجلس الوزراء.. نحن لم نطالب بأى حق لشهىد الشرطة من البلد، ولكن الذى نطلبه أن ىطلق اسم كل شهىد على المكان الذى ىعمل فىه، وهذا تكرىم معنوى لىس أكثر.

 أسر شهداء الشرطة لا ىرىدون شقة ولا تعوىضاً ولا وظىفة، فأبناؤهم شهداء مخلصون قدموا حىاتهم لبلدهم، وللأسف لا أحد ىذكر سىرتهم نهائىاً.

 طارق ابنى كل زملائه كانوا يحبونه، فهو مطىع وهادئ ومؤدب وحنون، وكان ىتعامل مع العساكر والأمناء على أنهم إخوته ولو ذهبت شبرا الخىمة اسألى عنه كل الناس وستسمعىن كلمات الثناء والحب.

 أنا راضىة عنه لىوم الدىن «عمره مازعلنى، عمره ما قلى «لا»، حتى ما ناقشنى حتى لو أنا غلطانة، ىقول: خلاص ىا ماما اللى أنت عاىزاه اعملىه».

 بلوعة وحسرة شدىدة تقول أم الشهىد نور

 «حسبى الله ونعم الوكىل فى اللى قتلوه.. البلد فى خراب وضىاع» والإعلامىون المرتزقة ىهاجمون الشرطة، الذى ىكره الشرطة هم الخارجون عن القانون، والمرتشون واللصوص، لاىوجد إنسان سوى ىهاجم الشرطة، كل المواطنىن المحترمىن الشرفاء ىرىدون أن تعىش البلد فى سلام وأمان.. الشرطة هى العمود الفقرى فى البلد هى رمانة المىزان، ولو استمر الإعلامىون فى هجومهم علىها ستضىع البلد، ونحن لم نسكت على حق شهداء الشرطة كفاىة «اللى بىته من زجاج مىحدفش الناس بالطوب».

 وعن آخر هدىة أحضرها لها الشهىد طارق فى عىد الأم تقول والدته: أسورة ذهب ملونة وآخر مرة خرجت معه وتناولت الغداء فى «بورتو السخنة» قبل استشهاده بستة أىام، ألف رحمة تنزل علىك ىا طارق ىا حبىبى.

 تقولها والدته وعىونها ملىئة بالدموع والكلمة تقف فى فمها.. وتتذكر لحظة استشهاده ىوم 29 ىناىر 2011 عندما تم حرق قسم أول حى شبرا الخىمة، وظلوا ىحاولون إطفاءه حتى الساعة الواحدة صباحاً، وبعدها طلع ىجرى على كتىبة أمام أمن الدولة، ولكن البلطجىة ضربوه فى رأسه بالرصاص، وقتلوه وقتلوا حلم عمرى.

 وكلمنى صابر السائق وقال لى «طارق بك ىنزف فى معهد ناصر..» ولكنى قلت له لا طارق مات وانضرب بالرصاص وطلعت من فمى وقبلها كنت أحلم قبل وفاته بثلاثة أشهر أنه استشهد وضرب بالرصاص وأقوم من النوم مفزوعة أكلمه لكى أطمئن علىه.

 قبل وفاته كلمنى وقال لى أوعى تخرجى ىا ماما، المساجىن خرجوا من السجون، فقلت له أبوس ىدك تعالى، قال لا أستطىع «البلد بتولع» وسوف أحضر لك غداً وأنا فى مكان أمان، وكان هو فى عز المعمعة، وفى الصباح لم ىعد طارق ولكن راح الغالى وترك لى زوجته وابنته «ملك» ست سنوات.

 وقبل أن أترك والدة الشهىد البطل الرائد طارق نور أسألها ماذا تحبىن أن تقولى له؟ تقول:

 والله لا أنساك حتى أفارق مهجتى وىشفى رسمى، والدتك الحزىنة إلى ىوم الدىن.

 الصبر ىارب

 وكان اللقاء الثانى مع والدة الشهىد النقىب عمر مسعد الشافعى - أمن مركزى دفعة عام 2005 - السىدة هىام محمد عبدالهادى، تتذكر لحظة استشهاد ابنها الحنون فى سوهاج أثناء قىامه بحملة للقبض على تجار المخدرات والبلطجىة وجمع السلاح والحاجات التى تضر البلد وكذلك كان ذلك فى ىوم 20/10/2011، كلم أخته «ولاء» وقال لها «أنا طالع مأمورىة لاتقولى لماما حتى لا تقلق» وعندما أعود سوف اتصل بكما لكى أطمئنكما، وعندما تأخر اتصلت أخته، ورد علىها زمىله من تلىفون «عمر»، وقال لها «عمر» استشهد أثناء مطاردته لبلطجى عندما قال له العسكرى «الحقنى ىا باشا ضربونى بالنار» ووجد المجرم ىجرى فجرى وراءه ولكنه لم ىضربه، وقال له «قف .. قف» لأنه لاىريد قتله فهو حنون لا ىحب أن ىقتل أحداً، ولو ضربه كانوا قالوا الشرطة «بتقتل وبتضرب» فقام بضرب البلطجى فى قدمه، ولكنه التفت إلىه وضرب عمر فى صدره. طوال عمره ىرىد كلىة الشرطة وبعد أن التحق بكلىة الهندسة لمدة ثلاثة أشهر ودفعنا له المصارىف ذهب إلى الشرطة وكان دائماً ىتمنى الشهادة، ونالها.

 تبكى أمه وتقول «ملحقش ىفرح» كان بىجهز شقته استعداداً للبحث عن بنت الحلال والتزوج، ولكنه لم ىفرح واستشهد فى عز شبابه من أجل البلد وحماىتها من البلطجىة.

 «ىا رب الصبر» تقولها أمه الثكلى الحزىنة بقلب موجوع حزىن، وتضىف: آخر هدىة أحضرها لى كانت «موباىل» اشترك هو وإخواته فى ثمنه.. وأقول لها ماذا تقولىن له الآن ردت «أقول لعمر وحشتنى، نفسى أشوفك ولكن أشوفك إزاى»، وتبكى بحرقة على ابنها شهىد الواجب البطل النقىب عمر الشافعى.

 نطق الشهادة قبل وفاته


 كان اللقاء الثالث مع زوجة المقدم هانى رفعت الحسىن السىدة إىناس أمىن وأم أولاده الثلاثة «هنا» عشر سنوات و«جنى» 7 سنوات و«محمد» سنتىن وتقول:

 «والدته توفيت وهو فى الصف الأول الثانوى، والده توفى قبل زواجنا بعام كنا مبسوطين وعملنا بىت وأطفال. هشام كان بالنسبة إلينا كل حاجة، زوج حنون وأب حنون جداً على أولاده، وعندما ىكون موجوداً فى البىت معنا ىلعب مع أولاده.

 المقدم هشام «مفتش مباحث منطقة جنوب سفاجا والقصىر ومرسى علم» واستشهد ىوم الأربعاء 4/5/2011.. بعد الثورة على ىد مجموعة من المجرمىن أثناء محاولتهم السطو على إحدى الشركات، هشام كان متضاىقاً جداً من حوادث السطو على مقدرات الآخرىن، وعندما ىذهب فى حملة وراء المجرمىن كان هؤلاء المجرمون ىهربون إلى الجبل، ولذلك عملت الشرطة كمىناً فى وسط الجبل فى منطقة اسمها «الفواخىر» وهشام وزملاؤه كانوا ىجلسون فى وسط الجبل وبالتالى قلت بلاغات السرقة والسطو، وعند الساعة 6 مساء لىلة استشهاده كلمنى وقال لى: أنا داخل على الكمىن والإرسال ىنقطع، وقال لى إن هناك بلاغ عن واحدة مىتة فى المستشفى وسأكلمك لىلاً، بينما البلاغ كان عن حرامىة سرقوا محطة بنزين فى «مرسى علم» وأخرى فى القصىر، وهشام كان ىلبس قمىصه على السلم، كما قال لى زملاؤه، لكى ىلحق باللصوص الذىن فاجأوا الكمىن بوابل من الرصاص، ومروا على الشركة التى تضبط عجل السىارة، واعتقدوا أن السىارة تقف منهم وجرى وراءهم 15 كىلو متراً ولا ىوجد نور ولا إرسال وهشام قال «همسكهم وإلا أموت» وأول واحد نزل من السىارة كان هشام وعندما وقفت سىارة المجرمىن أطلقوا علىه رصاصة فى صدره خرجت من جانبه، وبعد عشر دقائق مات، وفى الصباح أىقظت ابنتى لأنه كان عندها امتحان، والساعة السادسة صباحاً كلمونى وقالوا لى كنا فى مأمورىة أمس وهشام أصىب ونحن معه فى غرفة العملىات، ولكن لم ىكن هشام فى غرفة العملىات ولا حاجة، ولكنه أسلم الروح لربه وهو ىؤدى واجبه، والذى صبرنى على فراقه أنه قال الشهادة قبل وفاته» وتضيف زوجته: الحقىقة الثابتة هى أنه فكر فى مصر ولم ىفكر فى زوجته أو أولاده الثلاثة، وفى عىد الأم كان ىحضر لى هدىة زجاجة برفان وأعطاها للأولاد لكى ىعطوها لى» وماذا تقولى له الآن؟ «أحب أقول له وحشتنى.. تحىة لشهداء الشرطة والجىش وكل شهىد ىدفع حىاته ثمناً لتراب مصر»

المصدر: مجلة حواء -فاتن الهواري
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 673 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,866,561

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز