قنوات "العطارة" الطبية

كتبت :تهاني الصوابي

بسطاء يبحثون عن علاج رخيص وسريع وتراخٍ رقابى من الأجهزة المسئولة، والنتيجة فوضى إعلانية مرعبة وقبيحة تخدش الحياء

ضاق صدرى، و«طفح» بى الكيل، وأنا أسمع وأشاهد هذا الانفلات الإعلانى، يروج لأدوية وعقاقير ووصفات من الأعشاب الطبية الطبيعية، تشفى المرضى، وتعيد الشباب والحيوية، وتمنح القدرة الجنسية لمن يفتقدها، وتعالج العقم، وتخلص الجسم من السموم، وغيرها من العلاجات الوهمية المنتشرة فى معظم الدول العربية وليست مصر وحدها، حيث يروجون لها ليلاً ونهاراً، وأينما وليت نظرك صوب شاشة التليفزيون، مستغلين فى هذا آلاف المرضى من البسطاء البائسين التواقين «والمتشعلقين» فى علاج سريع وفعال لمرضهم من أعشاب ووصفات رافعين شعار، «إن لم ينفع لن يضر»، وهو ادعاء كاذب، فتلك الأدوية، والعقاقير، لابد وأن تؤدى إلى الضرر حيث تصنع بعيداً عن رقابة الجهات المسئولة وليست حاصلة على تصريح من أى جهة علمية أو طبية، وبالطبع لا تراعى المواصفات والشروط الطبية والعلمية، والمؤكد احتواؤها على سموم وميكروبات وفطريات، ومواد ضارة وشوائب، تؤثر على صحة المرضى بالسلب وليس بالإيجاب.

إعلانات مرعبة وقبيحة تقتحم بيوتنا وتخدش حياءنا وسط أطفالنا، تبيع الوهم وتنصب على المصريين، عبر العديد من القنوات الفضائية، منتجات مجهولة المصدر غير مرخصة ولم تحصل على تصاريح بالتداول من وزارة الصحة، أو أى جهة كانت، ووجدت فى البسطاء تربة خصبة توهمهم بالعلاج السحرى لأمراضهم المستعصية، أدوية على كل شكل ولون ، أقراص ومراهم ولاصقات وأجهزة تقضى على الضعف الجنسى وغيرها من المنتجات الوهمية التى تبيع الوهم باسم العلاج الحاسم والفعال لكل أمراضهم.

إن ما يتعرض له المشاهد من سيل جارف من الإعلانات الوهمية، يتكرر على مدار اليوم فى إلحاح غير مسبوق، بمثابة غزو لعقول المشاهدين وإكراه على الشراء، وهى بعيدة كل البعد عن الهدف المرجو من الإعلانات، فالإعلان بالمعنى اللغوى هو الإظهار، والاشهار، والجهر بشىء ما أو أمر ما بطريقة من الطرق والوسائل المتعارف عليها فى أى مجتمع من المجتمعات، وهو وسيلة مدفوعة لخلق حالة من الرضا النفسى فى الجماهير بغرض البيع أو المساعدة فى بيع سلعة أو خدمة معينة، أو كسب موافقة الجمهور على قبول فكرة أو توجيهه وجهة بذاتها، ولكن ما يحدث الآن فى الفضائيات من فوضى إعلانية، يكرس حالة زائفة من الرضا النفسى لدى الجمهور على أساس الإشهار أو الاجهار لوجه واحد فقط من الحقيقة، وهى النصب والاحتيال وجنى الأموال من الجُهل والبسطاء بإيهامهم أن العقاقير والأدوية التى تطرح مصنوعة من الأعشاب الطبيعية الخالية من المواد الكيماوية، وقدرتها على العلاج السريع مثل علاج العقم فى 15 يوماً، أو القضاء على الضعف الجنسى بعشرة أقراص فيتامينات، أو لمسة سحرية من دهانات لعلاج آلام الظهر والركبة والقضاء على الخشونة فى أسبوع، وغيرها ممن تطرح الحلول والعلاجات عبر الشاشة، وكأن الأطباء قد عجزوا عن تقديم العلاج للمرضى بكل ما أوتوا من دراسة وعلم واطلاع.

المؤكد أنه لولا ضعف وتراخى القوانين والضوابط التى تنظم عالم الإعلانات ما كانت تلك الفوضى الإعلانية التى تؤدى إلى تزايد استخدام هذه الأدوية بين البسطاء من ذوى النفوس الضعيفة الذين يبحثون عن العلاج بأى شكل حتى لو كان وهمياً، وهم غير قادرين على التمييز بين الخبيث والطيب فى ظل غياب قوانين لردع هذا النوع من النصب والاحتيال على شاشة التليفزيون علناً وجهراً.

وهو ما يدعونا للتساؤل .. من المسئول عن وقف حمى إعلانات تلك القنوات من الأدوية والعقاقير المجهولة؟! أين دور مؤسسات المجتمع المدنى التى من المفروض أن يكون لها دور فاعل فى حماية المواطنين من الاستغلال والوقوف فى وجه كل ما يهدد استقرار المجتمع؟ وأين هى جمعيات حماية المستهلك والأجهزة الرقابية؟ وأين وزارة الصحة من هذه الكوارث؟ أين هؤلاء جميعاً لوقف هذه الفوضى التى تصيب مجتمعنا فى «مقتل»؟  

 

المصدر: مجلة حواء- تهاني الصوابي

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,828,517

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز