يخجلن من لقب" ست بيت"
كتبت :نجلاء أبو زيد
«أرجوك بلاش تكتبي ست بيت أكتبي بكالوريوس أو ليسانس» عبارة أسمعها كثيراً ممن أتحدث معهن من السيدات، تعكس حرجهن، من لقب ربة بيت، ورغبتهن في أن يعرف الجميع أنهن متعلمات وجامعيات، وأحياناً حاملات ماجستير ودكتوراه، وكأن لقب ربة بيت يفترض أنها غير متعلمة، أو أن هناك شعوراً بالدونية مرتبطاً بهذا اللقب داخلهن..
حاولنا معرفة سبب الإحساس بالدونية عند البعض والفخر عند أخريات والفرق بين من اختارت البقاء فى البيت بإرادتها ومن فرضت الظروف عليها البقاء فى البيت وترك العمل والحلم والمستقبل.
البداية مع رانيا صبحى - ربة بيت محامية سابقاً- حيث قالت:
قبل زواجى عملت لفترة بأحد مكاتب المحاماة لكن زوجى رفض استمرارى فى العمل ووافقته لأننى أعلم أعباء هذا العمل وأنجبت ثلاثة أطفال لكننى طوال الوقت أشعر أننى أفتقد جزءاً من أحلامى وما أن يستشيرنى أحد من مسألة قانونية إلا وأقدم له نصيحة سليمة، أشعر بعدها بسعادة ممزوجة بحزن لأننى أمتلك مهارة قانونية لكن لا أستفيد بها وأيامى كلها مملة، بخاصة بعد التحاق أولادى بالمدارس ولم يعد بالإمكان الآن أن أعود للمحاماة ولا توجد فرص تناسب ظروفى لذا أرضى بالأمر الواقع، لكن فى أى مكان أتحدث عن العامين اللذين عملتهما وكأنهما عمر بأكمله حتى لا يظن الآخرون أننى ربة بيت فقط فالناس دائماً تحكم على ربة البيت بأنها غير مثقفة أو لم تلتحق بالجامعة وقلة فقط من يستوعبون الظروف التى جعلتها تكتفى بدورها الأسرى..
دكتورة عزة طه - طبيبة نساء وتوليد سابقاً وربة بيت حالياً- تقول:
عملت لفترة طويلة حتى أنجبت ابنتى الأولى ولأن ظروف عملى ليس لها مواعيد ثابتة وزوجى يمارس نفس المهنة كان يجب أن آخد قراراً وأترك العمل الخاص وأحصل على إجازة مفتوحة من عملى بالحكومة، لأن أولادى أولى بالرعاية والاهتمام فأنا مقتنعة أن دورى الأصيل كزوجة هو تربية الأولاد ودعم زوجى وهو النجاح الأكبر وقد استمتعت كثيراً بالنجاح الشخصى فى الدراسة وفى بداية عملى لكننى أستمتع الآن أكثر بتفوق أولادى الأربعة والتزامهم الدينى ولا أنكر أننى أشعر بحنين بين الحين والآخر لعملى.
العمل أو الانفصال
وفكرت أمل على - مدرسة إنجليزى أخدت قراراً بالجلوس فى البيت- لتعود فى الانفصال لعملها لكن خوفها على أولادها يمنعها، تقول:
أشعر بألم نفسى كبير عندما أحضر أى مناسبة وأعرف نفسى أننى ربة بيت لأننى فيما سبق كنت معلمة ناجحة وأحياناً أقول «مدرسة» وعندما يسألوننى فى أى المدارس تعملين أرد: أنا فى إجازة لأنى أخجل من نفسى، فزوجى يعمل بالسعودية واصطحبنى معه لسنوات طويلة تركت خلالها عملى بإحدى مدارس اللغات المشهورة وعندما عدنا، صارحته برغبتى فى البحث عن عمل، لكنه أصر على بقائى فى البيت وأولادى يساندونه فى ذلك ويرون أن العمل بهدلة وطالما لا ينقصنى شىء فلا يجب أن أشكو.
الفخر!
وتفتخر سها محمد -ربة بيت- بهذا اللقب وعن ذلك تقول:- درست العبرية بكلية الآداب وبعد التخرج عملت لفترة فى إحدى الحضانات لكننى كنت أكثر ميلاً للبقاء فى البيت وعندما طلب خطيبى ذلك فرحت وبعد الزواج عرفت كيف أستمتع بكونى ربة بيت، وحاولت الاستفادة مما تعلمته فى حياتى الدراسية لأننى مؤمنة أن كونى ربة بيت لايعنى أن عقلى فارغ فإدارة البيت رسالة ومهارة المهم أن تشعر المرأة بالفخر لتستمتع بحيتها أما أن تنظر لغيرها فهذا يسبب لها ضيقاً ليس له مبرر.
وتتفق معها لمياء محمد- كيميائية سابقة- قائلة: عملت بالعديد من معامل التحاليل وعجزت عن الحصول على وظيفة ثابتة لذا بعد زواجى كان البقاء فى البيت هو البديل الوحيد المتاح لأن المعامل الخاصة لاتتحمل منح إجازات مرضية وحمل ورضاعة، حزنت لفترة لكن سرعان ما تأقلمت وقررت الاستفادة من الوقت فى استكمال دراستى العليا وهكذا استمتع بحبى للدراسة وأوفق مواعيدى كما يحلو لى وأحاول الحفاظ على مظهرى حتى لا أعطى انطباعاً بأننى ربة بيت جاهلة فالمشكلة أن الآخرين انطباعهم سيئ عن ربة البيت وكأنها متفرغة للمطبخ والتنظيف وخارج إطار الوطن فلا تشغلها همومه وليس لها مستقبل وهذا ما يضايق أى سيدة والأفضل أن تبحث كل ربة بيت عن هواية أو دراسة لتستمتع مثلى ولاتشعر بالملل والفراغ من الروتين اليومى للأعمال المنزلية.
أمر واقع
«حزينة على نفسى لكنه قضاء الله» هكذا قالت لى -بكل الأسى وأدهشتنى بإجابتها وعندما سألتها عن السبب قالت فاطمة -ربة بيت - درست الحاسب الآلى وكان أساتذتى يؤكدون أن عقلى تكنولوجى وارتبطت بزميلى فى الكلية وعملنا لفترة بإحدى الشركات وكنت أكثر نجاحاً وتميزاً منه، لكن بعد أن حملت أصر على عودتى للبيت لفترة حتى تسمح ظروفى بالعودة ومرت الآن 15 سنة ولم يسمح لى بالعود وأندم لأننى لم أوفق بين عملى وأسرتى منذ البداية.
وإذا كان البعض يعانين الإحساس بالدونية والبعض الآخر مقتنعات برسالة ربة البيت فكيف يرى المتخصصون هذا الأمر؟!
- د. أحلام حلمى -أستاذة علم الاجتماع جامعة عين شمس- تحدثت قائلة: كل مجتمع يحدد المفاهيم الأساسية بداخله ويحدد ضمنياً السلوكيات المقبولة والمرفوضة فيه، ولأن المفهوم السائد عن ربة البيت أنها المرأة غير المتعلمة والتى ينحصر دورها فى القيام بالأعباء المنزلية فإن ربة البيت عادة تشعر بالدونية عندما تقارن نفسها بمن تعمل ولها دور فى المجتمع بالإضافة لدورها كزوجة وأم وربة بيت وهنا يجب التفرقة بين من اختارت بإرادتها البقاء فى البيت وبين من فرض عليها هذا إما لظروف اجتماعية أو لعدم وجود فرصة عمل.
وأضافت حلمى؛ إن هناك ربات بيوت يقمن بأعمال يدوية أو يشاركن فى أعمال تطوعية تشعرهن بأهميتهن فى المجتمع، وعادة يرتبط شعورها بالدونية أو الفخر بالمجموعة المحيطة بها والمؤثرة فيها بالإضافة للمستوى الاجتماعى والاقتصادى الذى تنتمى إليه وكلما كان المجتمع المحيط ينظر إليها بدونية وأنها لاتحقق دخلاً لأسرتها وأنها عبء على الآخرين زاد إحساسها بالنقص والعكس.
وهنا يجب أن يغير المجتمع نظرته وتقييمه لربة البيت بحيث يحكم على أساس مدى نجاحها أوفشلها فى ما تؤدية من أعمال دون أن يقارن بينها وبين المرأة العاملة.
ولقد قمت فى السبعينيات بعمل أول دراسة ترصد كيفية تحقيق التوازن بين العمل والمسئوليات المنزلية ورصدت كيف كان المناخ العام كله معاوناً للمرأة ومقدراً لقيمة العمل، بينما المناخ العام الآن وعدم وجود فرص عمل ملائمة زاد من نسبة العاطلات ويجب ألا يضطررن من قبل الآخرين أو يقللن من قيمة ما يؤدينه من أعمال ويجب أن تجتهد ربة البيت فى أن تكسب نفسها مهارة أخرى كأعمال الإبرة أو التطريز أو غيرها بحيث تجد ما يشغلها وهناك العديد من الجمعيات الأهلية توفر فرص تدريب وقد يساعد هذا المرأة فى تحقيق الشعور بالرضا عن نفسها.
مجتمع ذكورى
ويفسر د. إسماعيل يوسف -أستاذ الطب النفسى بجامعة قناة السويس- الأمر من الناحية النفسية قائلاً:- المجتمع الشرقى عموماً وللأسف مازال مجتمعاً ذكورياً يرى الإناث من منظور الدونية وأنهن ناقصات عقل ودين وأن ليس لهن قيمة وبالتالى عندما تجد نفسها ربة بيت، لا تحقق أى دخل، يزداد هذا الشعور بداخلها ويزداد إحساسها بالنقص لدرجة أنها تتلقى الأوامر من أبنائها ودائما يقال عنها إنها لاتعرف ما يحدث فى الدنيا حتى وإن كانت جامعية، فالآخرون يتعاملون معها على أنها ربة بيت بالمفهوم التقليدى للكلمة وللأسف حالتها تزاد سوءاً حيث تشعر أنها الأقل بين من تعرفهن ووجدن عملا، وتبدأ فى عقد مقارنات نفسية داخلية وتشعر أنها بين نارين ترى نموذجاً ناجحاً للمرأة العاملة وهى فرض عليها الآخرون أن تبقى فى المنزل بلا دور اجتماعى أو اقتصادى يعود نتاجه على الأسرة.
وهنا إما تقوم بحيلة نفسية دفاعية بالتأكيد على الرسالة التى تقوم بها بتربية أبنائها وأنها تفرغت لهم وتبدأ هى نفسها فى الهجوم على المرأة العاملة لأنها تترك أطفالها فى الحضانة أو تعطيهم مفتاح الشقة وغير ذلك من الأمور التى تشعرها بالمرض وتظل تعانى فى صمت من شعورها بالدونية وقد يصل الأمر للاكتئاب كلما لمست بنفسها تقدم ونجاح الأخريات، وهنا يجب أن تتقبل الواقع وتهتم بتثقيف نفسها حتى لا تتدهور نفسيا ويزداد شعورها بالدونية>
ساحة النقاش