جولة فى 3 مناطق عشوائية.. السكان :
أحياء بلا حياة..
كتبتا :أسماء صقر- سماح موسى
هذه العبارة تلخص أحوال سكان المناطق العشوائية الذين يقضون حياتهم فى مساكن غير إنسانية، ويشربون ماء ملوثاً، ويستنشقون هواء يحمل الأمراض، ولا يشعر بهم أو يكترث بحياتهم أحد .
بل يصب البعض غضبه عليهم ويحمّلهم مسئولية انتشار البلطجة وتفريخ المجرمين، بدلاً من أن يمد إليهم يد العون والمساعدة في الحصول علي حياة كريمة.
«حواء» تجولت في ثلاث مناطق عشوائية بمحافظة الدقهلية، رصدت خلالها معاناة ساكني هذه العشوائيات، في محاولة لتوصيل أنينهم وغضبهم الموشك علي الانفجار إلي آذان الدولة التي يبدو وأنها أصيبت بالصمم أمام صرخات وعذابات شريحة من أبنائها دفعهم الفقر والحاجة لتحمل هذه الحياة القاسية .. فماذا قالوا ؟
البداية مع إيمان نجاح -38 سنة - أم لأربعة أبناء - تقول : نعانى بجانب ضيق المكان وانتشار القمامة والحيوانات الضالة فى الشارع، من عدم الأمان فالمكان أصبح وكراً للبلطجة وتجار المخدرات الذين يهددون استقرار وأمن العزبة، دائماً يخلقون مشاكل بينهم وبين كل من يدخل ويخرج فى المنطقة طالبين إتاوة دخول وخروج ومن امتنع عن الدفع يتعرضون له بالأذى دون خوف من أحد خاصة مع غياب الشرطة. وتخشى «إيمان» من تجار المخدرات المنتشرين فى المنطقة وتضيف : إنهم يعرضون على أبنائنا التعاطى وإذا رفضوا مرة فسيقبلون الأخرى .
وتطالب اعتماد طرسى - 55 عاماً - الحكومة باستبدال العزبة بمساكن أخرى آدمية ،فقد عانت الأمراض نتيجة لتردى حالة العزبة وتقول : إذا بقيت فى هذه المنطقة أكثر من ذلك سأموت بالبطىء ، لذا أطالب المسئولين بالاهتمام بالعزبة وأهلها .
أما تحية قاسم - 60 عاماً- تقول : لى ابنان متزوجان طرد الأول من مسكنه لأنه لم يستطع دفع الإيجار ويسكن الثانى مع (حماته) هو وزوجته، وعلى الرغم من قباحة المكان لكننا نعانى من جشع المستأجرين .
وتسكن نسمة عطا - 25 سنة، ربة منزل - مع زوجها وأولادها فى حجرة بداخلها حمام بإيجار شهرى 150 جنيهاً تقول : أسكن فى حجرة موبوءة يحيطها الصرف الصحى من كل مكان والله وحده يعلم كيف أجمع مبلغ الإيجار ، مع العلم أن زوجى كان يعمل سائقاً، ولكنه تعرض لحادث أفقده إحدى عينيه ليعمل (تباعاً) مع سائق سيارة أجرة ودخله بسيط جداً.
وتطالب نسمة المحافظة بأن توفر مسكناً آمناً لها ولأبنائها للعيش عيشة كريمة .
معاكسات
وتعانى (م.ك) 16 سنة من غياب الحياة الطبيعية فى منطقتها تقول : لا أستطيع التركيز والمذاكرة بسبب تبادل إطلاق النار المستمر ليلاً من قبل البلطجية ، بالإضافة إلى أننى معرضة دائماً للمعاكسات البشعة إذا خرجت فى الصباح بمفردى للمدرسة.
وأتمنى أن أعيش فى أمان فإما أن يتم القبض على هؤلاء البلطجية وتجار المخدرات ، وإما توفر لنا الحكومة مسكناً بديلاً آمناً كى نشعر بالاستقرار والأمان داخل بيوتنا.
موعد مع الخطر
أما علا محمد - 22 سنة - خريجة معهد فنى تجارى (مخطوبة) تقول: أخاف على خطيبى عند دخوله العزبة، فهو ليس من ساكنيها ويقوم والدى بالاتفاق معه على موعد مجيئه لزيارتنا حتى ينتظره خارج العزبة ليُدخله، وأخجل أمامه من تصرفات هؤلاء البشر الذين يسيئـون إلينا ونحتاج إلى حل؟!
كفر المقدام
وبعد أن رصدنا أحوال المواطنين التى لا ترضى أحداً فى عزبة الشحاتين بمدينة المنصورة، محافظة الدقهلية، انتقلنا إلى قرية كفر المقدام، ميت غمر فوجدنا العديد من المشاكل التى تعانى منها القرية رغم هدوئها .
فى البداية حدثنا الحاج ناجى عبدالعال - عمدة كفر المقدام - عن العشوائيات الموجودة فى القرية قائلاً : بعض هذه المناطق تختار العشوائية عن طريق سلوكها العشوائى فى البناء بدون تراخيص بعيداً عن أعين الدولة.
أما أحمد محمد - 22 سنة- يتساءل : لماذا لم تهتم الدولة بتل المقدام وتقيم مشروعات استثمارية تفيدنا وتحد من البطالة ؟! وبذلك تكون قد قضت على عشوائية المكان، وتقطع الطريق على المنحرفين الذين يتخذونه ملجأ .
ويشير حسام حسن -15 سنة - إلى مصرف تل المقدام قائلاً : لقد أصابنى بحمى تيفودية من كثرة القازورات الملقاة فيه والأوبئة ولا تحرك من قبل الأجهزة التنفيذية المنوط بها تطهير هذا المصرف، فماذا أفعل لكى أتجنب الأمراض ؟!
أما صبيح الجبالى - مدير عام بالتربية والتعليم - فيقول : ما يضايقنا فى قرية كفر المقدام هو عدم استكمال مشروع الصرف الصحى مما أدى إلى انتشار التلوث بالقرية، ويدفع غياب شبكة الصرف الصحى البعض لإلقاء القازورات فى هذا المصرف ليؤدى إلى الإساءة لمظهر القرية من الخارج رغم هدوئها، بجانب مشكلة تل المقدام مما يجعله مكاناً موبوءاً مليئاً بالحشرات .
غياب الرقابة
ويؤكد عبده نور الدين - مدير عام مدرسة كفر المقدام الثانوية - على غياب الرقابة على المدارس وغياب الخدمة الصحية ، فقد تحول مستشفى كفر المقدام إلى وحدة خاصة بصحة الأسرة، بالإضافة إلى مشكلة تل المقدام الذى عانينا الأمرين حتى نستثمره ، لكن بلا جدوى ، فلماذا لا تقيم الحكومة عليه مشروعات ولو مزرعة سمكية تخدم عزباً كثيرة تابعة لكفر المقدام منها حنين ، والسنجة ، وعلى محمد، وعلى الديب ، عزبة العزب سالم كما تخدم قرى بجانبها مثل ميت الفرماوى ، وميت القرشى وتفهنا الأشراف ، وكفر البربرى ، وكفر سليمان؟!
مئذنة الأمير
وبعد عرض مشاكل قرية المقدام ومعاناتهم من العشوائية انتقلنا إلى منطقة مئذنة الأمير حماد الأثرية بمركز ميت غمر ، محافظة الدقهلية ، التى يتجاوز عمرها الألف عام .
وجدت أهلها يسكنون فى عشش غريبة المنظر ، غير آدمية على الإطلاق، وعندما شعروا أننى من خارج المنطقة (غريبة) أحاطونى وتغيرت ملامح وجوههم وكأنهم يريدون الانتقام منى ، عندما سألتهم عن هذا الهجوم ردوا علىّ فى صوت واحد «جئت إلينا من طرف رجل الأعمال المزور الذى يريد أن يطردنا من أرضنا» .
فأكدت لهم بعد عناء ومناقشات أننى جئت لإنصافهم ولمصلحتهم ، وأننى فى خدمتهم ولا أريد إلا الخير ليحدثنى أحمد عبدالرحمن -47 سنة - قائلاً : أسكن أنا وزوجتى وأولادى وأختى وأولادها فى عشة صغيرة منذ أكثر من 47 عاماً حيث كان يعيش فيها أجدادى وهل يرضى أحد أن نطرد منها ويكون مصيرنا الشارع؟ فنحن نريد أن نشترى هذا المكان من الأوقاف بمبالغ تناسب دخولنا ونحن أحق من غيرنا بذلك .
ويتفق مع الرأى السابق محمد الكلاوى- 36 عاما - أب لبنتين، يسكن هو وزوجته وبناته ويعيش فى هذه المنطقة ويضيف : سوف نمكث فى بيتى حتى إذا هدموه عليّ وعلي أولادي فلا بديل لنا ، ولعل الموت يضع نهاية لمعاناتنا .
63 منطقة
وبعد أن حصرنا مشاكل المواطنين فى عزبة الشحاتين توجهنا بمطالبهم إلى المسئولين بمحافظة الدقهلية التابعة لهم، كى يجدوا الحل المناسب لهم فكانت البداية مع المهندسة وفاء السندوبى - مديرة عام الإدارة الهندسية بمحافظة الدقهلية - التى قالت عن تطوير العشوائيات: لقد تم تصنيف المناطق العشوائية بنطاق محافظة الدقهلية وبعد الحصر تبين أن عددها يبلغ 63 منطقة تنقسم إلى قسمين ، 21 منها غير آمنة والباقى غير مخططة تخطيطاً عمرانياً .
والمناطق غير الآمنة تبلغ (6) مناطق تحت أبراج ضغط الكهرباء العالى ، والباقى مبان قديمة وغير مخططة وعددها (15) منطقة ، كما تم حصر كل منطقة على حدة ورفعها عمرانياً لتحديد ارتفاعات العقارات وحالتها الفنية وعدد سكانها .
بالإضافة إلى أنه تم رصد المناطق على خرائط مساحية وخرائط محدد بها جميع البيانات الخاصة بالمناطق العشوائية .
وتم التنسيق مع صندوق تطوير العشوائيات لتحديد الخطة الخمسية (كل خمس سنوات) لتطوير جميع المناطق غير الآمنة.
كما تم فتح تراخيص الهدم والبناء للعقارات الآيلة للسقوط طبقاً لأحكام القانون (119) لـ عام 2008م ، مما يؤدى إلى إعادة التخطيط للمناطق العشوائية .
كما أكدت المهندسة وفاء أنه تم الانتهاء من الرفع العمرانى لـ 6 مناطق عشوائية منها عزبة الشحاتين بالمنصورة ، أما مئذنة الأمير حماد بمدينة ميت غمر وهى منطقة أثرية ، فهناك اقتراح بإزالتها وعمل تطوير سياحى للمنطقة لرفع القيمة الأثرية الموجودة بها وتوفير مساكن بديلة على الضفة الثانية لمدينة ميت غمر لساكنيها .
كما يتم الرفع العمرانى لمنطقة السلخانة ومقلب القمامة والحوال بالسنبلاوين ووسط مدينة الكردى وحى الصيادين بالجمالية ، ويتم التصوير الجوى لجميع المناطق وعمل خطة خمسية محددة بها عدد الوحدات السكنية المطلوبة لتسكين سكان المناطق العشوائية غير الآمنة، وكذا تعويض أصحاب العقارات بالأرض المقام عليها العقار طبقاً لتقدير الأسعار .
ويضيف اللواء أحمد حسين - مدير التفتيش المالى والإدارى بمحافظة الدقهلية - قامت المحافظة بإنشاء 152 شقة بمدينة ميت غمر لإيواء من لهم الحق فى الإيواء من ساكنى المساكن الآيلة للسقوط (غير القادرين والأرامل) وتم توزيع 100 شقة فى البر الشرقى بمدينة ميت غمر ويتبقى 52 شقة يتم توزيعها قريباً حسب الأسر الأولى بالرعاية ، كما تم إنشاء وحدات سكنية عددها (280) محل الدمنة ، 90 شقة فى المطرية و40 شقة فى بلقاس.
ويتم بناء الكثير من الوحدات السكنية قريباً حتى نساعد على إزالة العشوائيات من الدقهلية بصفة عامة كى نطور المحافظة، وكى نساعد المواطنين ونحسن ظروفهم للأفضل.
سماح موسي.. ومدير التخطيط بإسكان المنوفية:لا خطط لدينا خاصة بالعشوائيات
يؤكد أهالى بعض القرى فى المنوفية إلي سوء أحوالهم المعيشية وغياب المرافق الأساسية من ماء وكهرباء وطرق ، وأنه علي الرغم من تعدد شكاواهم إلا أنها لم تجد آذاناً صاغية أو طريقاً إلى الحل.
ولنبدأ من قرية أبنهس حيث تقول هبه عبدالكافى - ربة منزل - توفى زوجى من 10 سنوات وترك لى بنتين وولداً أبذل كل قصارى جهدى فى تربيتهم وتعليمهم ، وأمنية حياتى أن أزوج البنتين وأتكسب رزقى من بيع الخضراوات أمام منزلى المبنى من الطوب الأحمر، ولا أستطيع أن أعيد تأسيسه لإمكانياتى المحدودة، فكل ما أحصل عليه من زوجى هو معاش السادات الذى لا يكفينا، ومع ذلك تقدم ابنى بطلب لمديرية الإسكان من أجل الحصول على شقة وها نحن فى انتظارها .
أما (س.ج) - ربة منزل من قرية أشليم - تقول : أسكن فى منزل لا يوجد فيه خدمات فهو يعد بمثابة عشة وطموحاتى ليست بعيدة المنال، وكل ما أرجوه توصيل المياة للمنزل فمازلنا ونحن فى عام 2012 نعتمد على الطرمبة فى الحصول على المياه النقية وزوجى مريض لا يقوى على العمل وأتكفل بمصاريف البيت والدواء وأحصل رزقى من خلال العمل فى المنازل كخادمة، ولكننى أتمنى أن أحصل على شقة تراعى آدميتنا .
وتؤكد ع.ص - ربة منزل - من قرية أبو شيخة أنها تقدمت بطلب للحصول على شقة من المحافظة عدة مرات ولكن بلا جدوى وتضيف قائلة : عانينا من المحسوبية فى توزيع شقق المحافظة ، والغلابة أمثالنا ليس لهم حق.
وتقول أم سيد - بائعة خضار وفاكهة - : أسعى من أجل الرزق فليس لدى معاش وزوجى متوفى وعندى تسعة أولاد ، نعيش فى غرفتين فقط فوق سطوح أحد المنازل بالإيجار وأحلم بامتلاك شقة حتى لو كانت صغيرة فهذا أرحم من الإيجار ، وأطالب الحكومة بتوفير مساكن مناسبة للفقراء كى تكون لهم حياة كريمة.
وكان لقاؤنا مع كرم فهيم - مدير التخطيط والمتابعة بمديرية الإسكان والمرافق - بمحافظة المنوفية، الذى كان شجاعاً فى مصارحتنا بأن المحافظة لا تملك أى خطط للتدخل لحل هذه المسألة، يقول: لا توجد أى خطة خاصة بالعشوائيات فى الريف على مستوى المحافظة .
ودورنا كمديرية للإسكان يقتصر على تنفيذ ما نتلقاه من تعليمات، ونقوم أيضاًَ بعمل التصميمات والرسوم والتنفيذ، وقمنا من خلال الخطة الخمسية الماضية بتوزيع مساكن للأسر الأولى بالرعاية والشقة عبارة عن غرفتين وصالة ومطبخ وحمام، وكان عددها 147 وحدة فى منوف والشهداء وشبين الكوم .
ساحة النقاش