صرا ع الاجندات تمزق المصريين
كتبت :سمر عيد
قرارات مرتعشة، وقوي متصارعة، ومنهجية غائبة .. عوامل ثلاثة دفعت بالعقل المصري إلي الارتباك، فلم يعد قادراً علي التمييز بين ماهو خطأ وصـواب، ممـا أفقده القدرة علي التفكير السليم لحل مشكلاته أو حتي تصورها.
ولاشك أن هذه الحالة من العشوائية التي يعيشها المصريون في كافة مناحي حياتهم هي ميراث سنوات من القهر والغياب من المشاركة في القرارت، والذي انعكس علي سلوكهم في الشارع، وبات الجميع يقدم مصلحته الخاصة علي مصالح الباقين.
فهل فقد المصريون بوصلة اتجاهاتهم في طريق بناء مصر الجديدة بعد الثورة أم هي مرحلة نقاهة وإستشفاء يعود بعدها المصري إلي مجده القديم في صنع الحضارة؟!
إن المراقب لأحوال المصريين يجد أن العشوائية تملأ حياتهم وبالرجوع للسبب الرئيسى لكل هذه العشوائيات نجده كامناً فى عشوائية التفكير فالعشوائية باتت تسكن وجدان وجسد الإنسان المصرى، وحول هذا الموضوع يحدثنا د. خالد عبدالمحسن - أستاذ علم النفس الاجتماعى بجامعة القاهرة - قائلاً :
مع الأسف لايمكننا تأريخ متى بدأت العشوائية تتسلل إلى عقل المواطن المصرى ، ولكن كل ما أستطيع أن أؤكده أنه لايوجد لدينا تشكيل اجتماعى منظم وفق برنامج موحد ، ومن لديهم تفكير منطقى منظم باتوا شريحة محدودة فى المجتمع ، وقد يعود ارتباك التفكير إلى فترات من التسلط طويلة الأمد والتى منعت بدورها فكر وسلوك المواطن المصرى من السير فى الاتجاه الصحيح وبطريقة منظمة.
لقد تعود المواطن المصرى على وجود من يتخذ القرارات نيابة عنه ليتعطل إبداعه وإعمال عقله، أما الأكثر أهمية فهو عدم التدريب الكافى على احترام وجهة نظر الأخر ، لذا عادة ما يفشل أى عمل جماعى ، والمشكلة الأخرى أننا شعب عاطفى وليس عقلانياً أى أننا نعيش المسائل بحسب ما يتوافق مع هوانا ، وليس حساباتنا العلمية، فالعشوائىة هى أن تؤمن بفكرة ثم تؤمن بضدها وبالتالى فإنك تنتهج سلوكاً ثم تتخذ ما يناقضه فى وقت واحد .
أما الفكر الإيجابى المنظم فهو القدرة على الاستمرار فى الابتكار وتطويره .
وما يجعلنا مجتمعاً عشوائيا هو أننا لا نعترف بالخطأ ، ظناً منا أن الآخر قد يستغل هذا الخطأ للإضرار بنا، وأيضاً نوع من أنواع الكبر بألا أعترف بخطئى وأعتذر عنه .
والمشكلة أن من لديه فكر منظم قد يخضع إلى العشوائية لأن العشوائية باتت نظاماً مجتمعياً .
والنقطة الأخيرة هى احترام الحيز الشخصى للإنسان، فلقد حددت الأمم المتحدة أن لكل إنسان حيزاً شخصياً تكون له مطلق الحرية فيه، يقدر بمتر أمامه وآخر خلفه ومتر عن يمينه ومثله عن شماله ، وطبعاً هذا لايطبق فى ظل ثقافة الزحام السائدة فى المجتمع فكيف لإنسان يشعر أنه مخنوق أن يرتب أفكاره ؟!!
نبدأ من الصفر
وتؤكد د. سامية على محمود - مدرسة العلوم التربوية وتكنولوجيا التعليم بجامعة القاهرة - أن العشوائية وبخاصة فى التفكير تبدأ مع الطفولة مضيفة :
المدرسة أصبحت لاتقوم إلا بدورها التعليمى فقط ، وإن قامت به على أكمل وجه نكون شاكرين، أما مايخص الأسرة المصـرية فهى تعود أبناءها على العشوآئية دون أن تدرى، عندما يرى الطفل أبويه يتخذان قراراً ثم يتراجعان فيه، لذا ينشأ الطفل معترضاً على أى شىء لأنه يخاف أن يتخذ قراراً عكسه هو الصواب ونحن لا نربى أبناءنا على الانضباط فنحن نضربهم والضرب لايعلم الانضباط ولكن لو علمناهم بطريقة الثواب والعقاب لكان أفضل لنا ولخلقنا فيهم نوعاً من أنواع التعزيز الإيجابى، ولقد التقيت مع بعض الأطفال يقتنعون بأن البقاء للأقوى وحاولت أن أغيّر هذا المفهوم لديهم بأن الفكرة الصحيحة هى البقاء للأصلح ، كذلك عـودنا الطفـل مـن صغـره على الالتزام بمواعيد طابور الصباح وأن يقـف فـى الـصـف وأن ينتظر دوره ولا يطغى على حق أحد لنشأ جيل منظم غير عشوائى ولكن مع الأسف هذا لايحدث .
ميراث نظام
ويحدثنا محمد الصاوى - عضو مجلس الشعب ووزير الثقافة الأسبق - قائلاً :
نحن الأن فـى فـترة نقاهـة بعـد عمليـة جـراحيـة كبيرة أجريت للمجتمع المصـرى ألا وهى استئصال الفساد ولذا فالعشوائية هى ثقافة مجتمع تم قمعه لسنوات طويلة ولقد عودنا النظام السابق على أن يوضع كل إنسان فى غير مكانه الصحيح بل وفق وساطته ، وإذا تضارب صناع القرار فى قرارتهم وكانوا عشوائيين بل وكان كل شىء عشوائياً، والحل يكمن هنا فى سيادة القانون الذى لابد أن يكون تطبيقه صارماً فى كل شىء بحيث لايسمح لأحد بالتعدى على حق أحد، وفى النهاية فالتصدى لعشوائية المجتمع هو قرار جماعى لابد من أن يلتزم به كل الأطراف .
صراع أجندات
وتوضح د. أمانى الطويل خبيرة - بمركز الدراسات السياسية والاقتصادية - أن المجتمع المصرى يعيش حالة من العشوائية والتخبط ناتجة عن تصارع سياسى على نظام الدولة مما يدفع المجتمع إلى حالة من الاستقطاب السياسى التى تزرع الفوضى، وبخاصة فى مرحلة البناء الديمقراطى الحقيقى التى تحاول أن تجد طريقها إلى النور بعد الثورة .
وهكذا فإن كل قوى لها أجندة معينة تريد فرضها .
طبيعة المصري
وتؤكد الكاتبة والروائية الكبيرة فوزية مهران أن عشوائية التفكير ليست سمة أساسية فى تركيبة الإنسان المصرى .
وتضيف قائلة : عقل المصرى ليس عشوائياً بطبيعته وأكبر دليل على ذلك أن المصرى عندما يسافر إلى الخارج يكون أكثر الناس احتراماً للقانون ويكون عنواناً حقيقياً للإنسان المتحضر، إذن فالمناخ الاجتماعى هو الذى يدفع الإنسان المصرى أن يكون عشوائياً ، ويعود تاريخ العشوائية فى مصر إلى زمن بعيد حيث مرت بالبلاد عواصف كثيرة من احتلال فرنسى إلى الاحتلال إنجليزى إلى حكام فاسدين ، وطبعاً أكثر السنوات العجاف التى مرت علي مصر هى الـ 30 سنة الماضية حيث جرى تجريفاً لكل شىء .
وأرى أن روشتة علاج عشوائية الإنسان المصرى هى الحرية ، فالحرية هى علاج لكل الأمراض الاجتماعية ، لأنها سوف توقظ الوعى فى الشباب وتجعلهم يستطيعون ترتيب أفكارهم دون قهر ودون خوف .
تقتل الجمال
وترى د. ناهد نصر الدين عزت - أستاذة الفلسفة وعلم الجمال وخبيرة التنمية البشرية - أن عشوائية التفكير تقتل الجمال وتقول : إن العشوائية التى تهدد النمو والتطور فى أى مجتمع تبدو ظاهرة للعيان فى المجتمع المصرى ويتجلى ذلك فى عدة مظاهر تراها فى المرور وفى السير فى الشوارع ، وفى عدم التفكير بصورة منهجية سليمة ، وهذا تراه عندما يتخذ الإنسان قراراً ويتراجع عنه فى نفس اللحظة ، وهذا ما وضحه الفلاسفة قديماً ، ومن الملاحظ أن المجتمع ككل قد فقد التفكير المنظم أو التفكير العلمى الصحيح وذلك يعود إلى سببين ، الأول: عدم وجود رؤية مستقبلية لأى موضوع، والثانى: افتقاد الأسلوب الأمثل فى التعامل الفكرى مع المثقف، وهذا بدوره يؤثر على الجمال لأن الجمال من أهم عناصره التوافق والتنظيم والتناغم ، سواء كان شكلياً أو فكرياً أو نفسياً ، وهذا بسبب أن المنظومة الكونية جميعها تتناغم فيما بينها، وأنا أرى أن علاج عشوائية الفكر يبدأ من الثقافة أولاً ثم الصحبة الجيدة والبيئة والأسرة ، لهذا فهى دائرة متكاملة لابد أن يتحقق فيها الفكر الممنهج حتى يتخلص الإنسان من عشوائيته الداخلية وعلى رأسها عشوائية التفكير .
ساحة النقاش