إلى هواة الانتقاد ثقيلى الظل

وانت مالك يا حشري

 

كتبت :سمر عيد

 ركبت عربة المترو الخاصة بالسيدات وعيناها تتفقد النساء من حولها ، هذه ترتدي نقاباً وتلك إسدالا ، وهذه ترتدي بنطلوناً ضيقاً ، وتلك تسدل شعرها علي كتفيها، بينما ترتدي الأخري بدلة رسمية وتلبس الأخري تي شيرت مطبوعاً عليه علم أجنبي وودت لو أوقفت كل واحدة وسألتها لماذا ترتدين هذه الملابس؟

ليست هذه السيدة وحدها فمن يتدخل فى شئون الناس ويقتحم خصوصيتهم كثيرون و«الحشرية» فى المجتمع المصرى ظاهرة تزداد منذ سنوات وللأسف مع تطور الحياة وظهور التكنولوجيا لم تتغير طبيعة المجتمع ، وظلت الناس تراقب بعضها بعضاً وتتدخل فى شئون الآخرين .

أم رقاقة

تقول منى محمد - مدرسة لغة عربية - الحشرية سمة قديمة فى المجتمع المصرى وخاصة فى النساء وفى الأرياف يسمون ذلك النوع من النساء (أم رقاقة) وهى التى تحمل (رقاقة) فى يدها وتطوف به من بيت لبيت وتتدخل فى شئون الأسرة وتنشر أخبارها فى القرية ، وكانت النساء غير المتعلمات فى الماضى يجلسن على (المصطبة) ويأخذن يحكين فى سير الجارات والناس، وكان من المفترض أن تنتهى الحشرية والتدخل فى شئون الآخرين مع تطور المجتمع ولكن مع الأسف الشديد ، فلقد استخدم الناس التكنولوجيا للتدخل فى شئون الآخرين أيضاً وتناقل أخبار الناس مثل النت والموبايل ، وأنا شخصياً أشعر بضيق شديد إذا ما ارتفع صوتى أنا وزوجى ، وفتحت شباك المطبخ لأجد جارتى تتجسس علينا لتعرف ما سر الخناقة ، إنها فعلاً جارة حشرية جداً .

أكون وحدي

وتضيف هدى ممدوح- عاملة فى مصنع - كلما تأخرت ليلاً فى عملى أو كنت فى زيارة لإحدى صديقاتى أجد رجالاً على المقهى التى بجوارنا يتلمزون على بكلمات بذيئة يلمحون فيها أنى كنت أواعد شاباً ولذلك تأخرت خارج المنزل .

أقول لكل من يحاول أن يتدخل فى حياتى ما دخلك أنت بشئونى وببساطة أقول له «وانت مالك» ؟!

حياتي خربت

وتقول مها منير : الناس خربت بيتى فقد كنت موظفة مرتاحة أعمل وأعيش مع أمى وأبى ، ظل الناس والأقارب يتدخلون فى حياتى ويسألوننى لماذا لا تتزوجين؟ وقد كنت مرتاحة جداً دون زواج ، ولكن تحت ضغط وإلحاح الناس وحتى لا يلقبوني بلقب عانس اضطررت أن أقبل برجل ليس بمستواى الاجتماعى والثقافى، وبعد الزواج أخذ الناس يتدخلون فى حياتى مرة أخرى ويسألوننى لماذا لم تنجبى؟ وقد كنت لا أود الإنجاب من هذا الشخص حتى أتأكد من أخلاقه وسلوكه ، ولكن تحت ضغط وإلحاح الناس أنجبت طفلا ، ثم اكتشفت أن الحياة مع زوجى مستحيلة فطلبت الطلاق وطلقت ، والآن الناس تتدخل فى حياتى وتريد أن تعرف سبب الطلاق ، وتحاول أن تزوجنى مرة أخرى ، أقول لهم : لا .. كفاكم تدخلا فى حياة الناس لأنكم بحشريتكم وتطفلكم خربتم بيتى ودمرتم حياتى .

باسم الدين

وتشير مروة حسين- محامية - إلى تدخل بعض الناس فى حياة الآخرين باسم الدين، فلو رأوا امرأة غير محجبة يأمرونها بالحجاب ولو رأوها محجبة يأمرونها بالخمار ولو رأوها ترتدى خمارا لأمروها بالنقاب ، وطبعا لقد حثنا الدين على الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، ولكن التدخل فى علاقة الإنسان بالله عادة ما يفسدها بل يجعل بعض الناس يفعلون العكس ، وأنا مؤمنة بالمثل القائل (صباح الخير يا جارى أنت فى حالك وأنا فى حالى) ولقد كانت لى تجربة سيئة مع إحدى الجارات التى وثقت فيها وأدخلتها منزلى ولكن مع الأسف اتضح لى بعد ذلك أنها معجبة بزوجى لذا فالاختلاط بالآخرين والتدخل فى حياة الناس قد يفسدها أحيانا كثيرة .

الفراغ والبطالة

وتؤكد د. منال زكريا- أستاذة علم النفس بكلية الآداب جامعة القاهرة- أن مشكلة المجتمع المصرى أن ثقافته أصبحت مختلطة ولا يحافظ على الثقافة الشرقية مائة بالمائة بل يدخل عليها الثقافات الغربية ، مضيفة: مع الأسف نحن نأخذ من كل ثقافة السيىء منها ، وأحيانا يكون تدخل المجتمع إيجابيا فى حياة الشخص وأحيانا يكون سلبيا ، فالمجتمعات الغربية التى تسودها الفردية والانعزالية يعانى فيها الشخص من الوحدة وينتهى به الأمر إلى الانتحار، وفى مصر كان تدخل الناس إيجابيا فى الماضى فى حياة الشخص ، فقد كان الجار يسأل عن جاره لوجه الله، أما اليوم ومع سيادة ثقافة الاستهلاك ، أصبح الجار يسأل عن جاره ليعرف ماذا أكل وماذا شرب ، ونظرا للفروق الطبقية بين الناس الكبيرة أصبح كل إنسان ينظر إلى مافى يد غيره ويتطلع إلى أن يصبح هو الأفضل، وثانى أهم أسباب الحشرية هو الفراغ والبطالة، فالإنسان الذى يعمل لا وقت لديه لكى يتحرى عن أخبار الناس ، ولو حاول الناس شغل أوقات فراغهم بأشياء مفيدة لما وجدنا إنسانا يدس أنفه فى مشاكل الآخرين وأمورهم ، والعلاج مع الأسف يحتاج إلى وقت طويل جدا، لأنه علاج ثقافى ، وأصعب شىء أن نعالج المجتمع من ثقافة خاطئة فيه ، طبعا يحتاج الأمر إلى وقت طويل ، ولكن أنا متأكدة أن المجتمع إذا ما فعلنا كل الطاقات فيه وجعلنا كل إنسان همه الأول والأخير هو العمل والإنجاز حتى ربات البيوت والنساء الكبيرات فى السن، فلن نجد أمراضا اجتماعية كثيرة وستختفى (ديفوهات) المجتمع المصرى كلها وعلى رأسها طبعا الحشرية ، وصدق المثل القائل (من راقب الناس مات هما)

المصدر: مجلة حواء- محمد الشريف
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 940 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,459,167

رئيس مجلس الإدارة:

أحمد عمر


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز