أحاسيس .. أفعال .. صدمات

أول مرة تحب يا قلبى

 

كتب :عمرو سهل

أحمل قلبي الصغير المشتاق لشريك لأسير به في رحلة طويلة أفتش فيها عمن يمنحه الأمان ويمنحني القوة لأواجه الحياة .. إنها مشاعر يواجهها المراهق في مراحل تجاوزه مرحلة الطفولة إلي مرحلة النضج والشباب.

وتتعرض تلك المشاعر البكر التي لم يطمثها إنس ولا جان لصدمات نتيجة محدودية خبرة طرفيها في الحياة وحواجز أسرية واجتماعية تزيد من اضطراب المراهق المحب وتربك اتزانه.

فما هو أثر الحب ومواجهة تداعياته علي حياة المراهقين وما السبيل للوصول إلي تجاوز هذه المرحلة الفاصلة من حياة أولادنا بأمان وكيف يتصرف الآباء مع ابن مراهق يعاني العشق والهوي؟! .. التفاصيل خلال السطور التالية

لا خير من التجربة لتشكيل الرؤية وتكوين المعرفة، ونبدأ مع تجارب الشباب مع الحب الأول وذلك الاحساس الوليد فى مرحلة مبكرة من العمر، وكيف كانت أول نظرة وأول كلمة، وماهي رؤيتهم لهذا النوع من الحب.

يقول ممدوح أمين - 20 - عاما: قابلتها وأسرت قلبى وذبت فى مشاعرها الحانية وعشنا أياماً نخطط للزواج، حلمنا الذى عشنا عليه طويلا لكن تقدم إليها شاب أكثر ثراء منى وقبله أهلها، لذلك لا أثق كثيرا فيما يسمى بالحب الأول فهو وهم .

ويحكى عن معاناته مع قلبه آدم إبراهيم - 23 عاما - قائلا : كنت أتودد إليها وحاولت كثيرا الاقتراب منها إلا أنها كانت تصدنى وتتمنع وكان هذا يزيدنى تعلقا بها، وبمرور الأيام أحسست بحبها لى وعشنا فترة وفاق رائعة إلا أنه سرعان ما خفت هذا الحب بل أصبحت زاهدا فى هذه العلاقة وأدركت أن هذه المشاعر لم تكن منظمة بل كانت مجرد تسلية وكان الانفصال قاسيا .

وتؤكد نجوى . م - 25 عاماً - أن الحب الأول لايترك إلا الذكرى وتضيف قائلة : لقد قابلت هذا النوع من الاحساس فى الجامعة وكنت أظن أن هذا الشعور يدوم إلا أننى أدركت خطأ هذا الاعتقاد بعد أن انتهت قصتى مع الحب الأول بالفشل، وعندئذ أصبحت أحلامى كلها باهتة ولم يعد لى هدف أو طموح أسعى إليه وأدركت أن الحياة لابد أن تستمر حتى لو رحل الحبيب، وبالفعل جمعنى القدر بإنسان آخر وتزوجنا وشفى الزواج آلام وجراح الحبيب الأول .

أما أيمن حسن- ليسانس آداب - فيشير إلى أن الحب الأول أجمل شىء فى الدنيا، فقد قابلت زوجتى فى الجامعة وواجهت فى سبيل حبها صعابا كثيرة أهمها رفض أهلها الذين لم يرتضونى زوجا لها لأننا كنا فى مستهل حياتنا العملية، وتمسكنا بحبنا الذى أعطته إرادتنا الحديدية قدرة على الاستمرار والبقاء لينجح ونصبح اليوم زوجين .

إيه الحكاية

ولما كانت علاقات الحب الأول منها ما يقاوم ويستمر ومنها ما ينتهى ويفشل كان لزاما أن نتعرف على رؤية علمية وتفسير منطقى لذلك، فكان لقاؤنا مع الدكتور محمد المهدى أستاذ الطب النفسي الذى تحدث قائلا:

لو كان الحب إحساسا فقط لما استمرت العلاقة بنفس الدرجة فترة طويلة لأن ذلك الاحساس يتبع قوانين الطبيعة فتعلو المشاعر وتنخفض تظهر وتختفى وتتغير كفصول السنة والطقس باردة أحيانا ساخنة أحيانا أخرى، وفى الحب من النظرة الأولى تهب أعاصير ورياح المشاعر الأولى بكل قوة فيعتقد الشخص أن تلك المشاعر القوية جدا لدرجة السحر لابد من أن تستمر .

والحقيقة أن الحب هو «قرار» يتخذه المحب وليس فقط مشاعر ولكى يستمر نورها لابد من أن يغذيها وقود العقل والاقتناع والمنطق لتسير العاطفة جنبا إلى جنب مع قرار العقل، فتتبلور العلاقة للأسباب والحيثيات التى يراها كل محب فى الآخر. فالحب الحقيقى هو أن يعلم المحب أن محبوبه ليس على درجة كبيرة من الجمال وليس على درجة عالية من الذكاء، وأنه ليس واسع المعرفة وأنه ليس لديه قدرات كبيرة فى نواحى الحياة المختلفة، وبالرغم من ذلك فهو يحبه ويحرص على البقاء بجانبه ومعه هذا هو الحب الذى يدوم.

الحب الحقيقي

وينتقل بنا الحديث إلى التساؤل عن إمكانية أن يشهد زمن المراهقة حبا حقيقيا ؟! يقول د. المهدى :

كثيرا ما يتميز حب المراهق بنضارة ودرجة عالية من النقاء ولكنه رغم ذلك لا يتعدى كونه مشروع حب أكثر مما هو حب بكامل معنى الكلمة وهو يجارى بطبيعته هذه طبيعة المراهقة التى هى تحديدا فترة انتقالية بين الطفولة والبلوغ حيث لايزال المراهق فى طور التفتيش عن هويته والسعى إلى تحقيقها عبر تعثر واضطراب ومعاناة فلابد أن يأتى حبه على شاكلته .

ومن الخطأ هنا التعامل بسخرية وتهكم أو قمع مع حب المراهقة فما حب المراهق إلا عامل من عوامل نضجه وتعبير عن حركة الحياة التى تشق طريقها عبره بما تعنيه من شوق إلى التواصل والمشاركة والإبداع والانتعاش، وكلما تقدم المراهق فى طريق النضج كلما أتيح لحبه أن يزداد نضجا .

النضج

وعما يمكن أن يساعد على انضاج حب المراهقة وتقويته يقول د. محمد المهدى : الحب الناضج يذهب إلى أبعد من خبرة الحب وما تمنحه من أمان نفسى ليبدأ المحب التركيز على شخص المحبوب مصدر هذا الأمان، ومن هنا تنبع عدة سمات يتميز بها الحب الناضج منها الرغبة فى مشاركة الآخر فى حياته بما يقتضيه ذلك من تخطيط لمستقبل مشترك، ومنها رعاية موضوع الحب والاهتمام الفعلى بكل ما يخدم حياته ونموه على كل الأصعدة والشعور بالمسئولية حياله واحترام وجهة نظره ليحقق ما يريده هو لا ما نريده نحن، وأخيرا الرغبة فى تعميق العلاقة به ومدها فى الزمن بالوفاء له والحرص دائما على التعرف عليه على أكمل وجه، وهذا الحب الناضج مرشح أن يبرز إلى دنيا الواقع إذا ما تحرر المراهق من انهماكه القلق بذاته.

الانجذاب الجنسى

ويواجه المراهق المحب مشاعر انجذاب جنسى شديدة التأثير وأحيانا غير متزنة تسيطر على سلوكه وعن ذلك يقول د. المهدى: قليل منا من يعترف بالتفاهم كأساس للحب إن وجد فمرحبا به وأن لم يوجد فليس هو المقياس، بل يعد الانبهار والانجذاب للطرف الآخر هو المعيار. وهناك نوع آخر من المراهقين يبنى اعترافه بحبه للطرف الآخر على أساس الراحة النفسية رغم أنها أهم شىء فى العلاقة بين الحبيبين وهنا لايكون الانجذاب إلى الجمال هو السبب الرئيسى لاعتبار هذا الشخص نفسه واقعا فى الحب، وهنا يظهر ما يسمى بالكيمياء الشخصية بين الطرفين ومدى نسبة اتفاقهما. الخلاصة أن الحب المنبى على المشاعر الجنسية هو ما يقع فيه أغلب المراهقين بل ويتعداه إلى غيرهم.

الشعور بالمسئولية

لكن كيف يرى علم الاجتماع الحب الأول فى حياة المراهق تحدثنا عن ذلك د.الهام شوقى -المستشارة الاجتماعية بمركز البحوث- قائلة: إن الظروف الاجتماعية والثقافية وراء شغف الشباب بالحب ويجعله رغبة ملحة لديهم، لذلك قد يندفعون لاشباع هذه الرغبة بطرق غير مدروسة وأحيانا غير مشروعة، بمعنى أن يسعى المراهق إلى خوض تجربة عاطفية دون أن يتأكد من صدق مشاعره ودون أن يفكر إلى ما تنتهى إليه هذه العاطفة، ومن ثم يكون مصيرها الفشل دائما لأنها تقوم على خبرات ساذجة اكتسبها بطريقة سطحية إلا أنها تظل أكثر تعلقا بالذهن .

دور الآباء

وعن دور الآباء فى التعامل مع حب المراهقين تقول د. شوقى: لابد من خلق صداقة مع الأبناء وذلك من خلال أن يستعيد الآباء مشاعر المراحل العمرية التى يمر بها الأبناء حتى تقترب المسافات فيما بينهم ليتمكنوا من توجيه أبنائهم إلى السلوك الرشيد، لإدراكهم من خلال تجاربهم السابقة أن الحب عاطفة لابد أن تكون مرتبطة بالعقل، ولا يوجد ما يسمى بالحب من أجل الحب لأن لكل شىء هدفا فغالبا ما تتسم المراهقة بالرومانسية المفرطة والرغبة فى إثبات الذات وبالتالى نجد الشخص يندفع في مشاعره ويحاول إساقط احلامه على شخص يعتقد فيه الكمال، ويعتقد كل طرف أن الحب أقوي من أي فروق اجتماعية أو ثقافية وحتى مادية.

لذا لابد للأبوين أن يوضحا لأبنائهما أن الحب مسئولية كبيرة من أهم سماتها الصدق في المشاعر والأمانة مع الطرف الآخر.

وتبدأ المسألة مبكراً من سن 7 سنوات حيث تعد علاقة الأم بطفلها علاقة سامية فيها العطاء بلا حدود والتسامح بلا شروط، وهذا ما قد يجعل الطفل يعتقد أن واقع العلاقات مع كل الناس هكذا مما ينعكس سلباً عليه في عملية النضوج السيكولوجي عندما يحاول المراهق أن يكتشف العالم الخارجي، وعلى الأب أن يلقنه أن العالم شيء مختلف وأن واقع العلاقات الاجتماعية يختلف عن عطاء الأم، وعليه أن يشرح له شيئين أولهما: أن الحب لا نحصل عليه فقط بل يجب أن نكون قادرين على منحه للآخرين، كما يجب أن يعرف أن الحب لا يعطى جزافاً كما تعطيه الأم بل يجب أن نستحقه كي يمنح لنا، كحب الأب المشروط عادة بالأفعال الجيدة التي يفرضها علي أبنائه، وبالتالي يترسخ بداخله أن المجتمع لا يعطينا الحب إلا إذا كنا جديرين به وسعينا إليه.

لينتهي حديثنا عن أول «لطشة» حب في حياة المراهقين ويبقى مرح تلك المرحلة وذكريات يستعيدها الوجدان في لحظة صفاء لتبقى كلماتنا هذه محاولة للاقتراب من هذا العالم المثير المسمى الحب الأول 

 أولـــى حــــب

يبدأ الطفل في استيعاب مشاعر الحب تدريجياً حتي يصل عمره إلي عشر سنوات بعدها تتكون لديه القدرة على التعبيرعن حبه للآخرين، ومن الخطأ أن نطلب من الطفل قبل هذه السن التعبير عن حبه لنا بالقول والفعل.

- نوعية الحب الذي يقوم على احترام رغبات الطفل ويساعد على نمو شخصيته واستقلاليته أهم بكثير من كمية الحب الممنوحة له

-انقطاع الحبل السري العاطفي بين الأم وابنها يؤذي مشاعر الأم، لكن الأم الناضجة هي التي تتغلب علي تلك المشاعر لصالح نمو ابنها نفسياً ليكون مستقلا في شخصيته.

التوازن في العلاقة الثلاثية بين الأب والأم والطفل أمر هام في صقل شخصية المراهق وتحديد نمط علاقاته مع الآخرين تمثل الأم جنس النساء ويمثل الأب جنس الرجال

اللي أوله شرط ..

- لابد من المعرفة بمميزات وعيوب الشخص ثم بالتفاهم نتفق علي تهذيبها وتحسينها.

-ضرورة الاحترام وهو ضد سيطرة طرف على الآخر وإجباره على التخلص من جزء أساسي من شخصيته.

- إن الاهتمام والعناية من كل طرف بالآخر ليس فقط بالاحتياجات المادية ولكن بالمشاعر والأحاسيس النفسية.

ـ وأخيراً لا غني عن الحنان المتبادل وأن يحرص كل طرف علي الآخر ويعطيه من المشاعر ما يشعره بالود والتواصل وليس بالضرورة الهيام والالتصاق الشديدين اللذين يؤديان للغيرة الجنونية.

المصدر: مجلة حواء- عمرو سهل
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1199 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,767,524

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز