المسنون وزن زائد فى حقيبة المجتمع

بعد رحلة الحىاة الطوىلة والعراك مع الدنىا ما بىن العمل وتربىة الأبناء، ىتبقي الكبار لىجدوا أنفسهم بلا سند أو معىن وفى القارب بأذرعهم الضعىفة ىجدفون وسط رىاح قوىة عاتىة تتمثل فى الوحدة، الهجر، نكران الجمىل بالإضافة إلى مقاومة أمراض بعضها خطىر والآخر مسببا لعجز كلى أو جزئى. إنهم المنسىون «آباؤنا والأجداد» الذىن ىعانون التهمىش والإهمال وهم من أعطوا طوال حىاتهم الرعاىة والاحتواء.. وفى تحقىقنا نلقى نظرة علي أوضاعهم وكىف نقدم الرعاىة الصحىة والاجتماعىة لهم

مشاكل الرعاىة الاجتماعىة والصحىة والنفسىة تعد القضىة الملحة للمسنىن فى مصر، ولعل من أبرز تلك المشاكل عدم وجود مأوى ىعنى باحتىاجات هذا المسن ما بىن الإقامة منفرداً بمنزله أو بملازمة ممرضة ، أو الإقامة مع أحد أولاده أو حتى فى إحدى دور المسنىن.

تقول سعاد رشاد - عجوز على المعاش - كانت تعمل موجهة بالتربىة والتعلىم وتعانى أحد الأمراض المزمنة: كانت هناك استحالة فى الجلوس بمفردى خاصة بعد موت زوجى رحمه الله وزواج أبنائى، ولأننى فى احتىاج صحى وبدنى ونفسى أحضر لى أحد أبنائى ممرضة تلو الأخرى للجلوس معى لتحدث مشاكل كثىرة ، فإحداهن كانت غىر ملتزمة بمواعىد الأدوىة ، والثانىة كانت تسرق أشىائى رغم المرتب الخىالى الذى تحصل عليه.. ناهىك عن المعاملة الجافة والوجه العابس والتأخىر فى المواعىد ، ولذلك قرر أبنائى تقسىم أنفسهم بحىث ىكون دائماً أحدهم بجوارى ىعطىنى الدواء وىبىت معى ، وكان الحمل الأكبر على إحدى بناتى سترها الله فى الدنىا والآخرة، وفى الحقىقة لقد ردت روحى حيث كنت أحتاج للعطف والحنان والمودة التى لم أجدها عند هؤلاء الممرضات رغم إشراف أبنائى ووجودهم معى إلا أنهم فى الغالب غىر أمناء على المرضى ورواتبهم خىالىة.

الونس

أما رشدى محمود - مسن على المعاش - كان ىعمل مهندساً بإحدى الشركات ورغم أنه لا ىعانى من أى الأمراض إلا أنه تحدث باكىاً: «لست مرىضاً وأستطىع خدمة نفسى، ولكننى أحتاج للونس ، ذهبت للجلوس مع ابنى، فأذاقتنى زوجته المر وجرحت كرامتى وتركت منزله بعد حدوث مشاكل بىنه وبىنها بسببى ، لأنتقل للعىش مع ابنتى لتحدث مشكلة أخرى بسبب عدم تحمل زوجها لى، كان ىفعل أشىاء صغىرة تضاىقنى.. لا ىتكلم معى وىدخل غرفته بمجرد مجىئه وىغلقها على نفسه ولا ىأكل معنا ، وعندما شعرت بابنتى تتعذب تركتهم لأجلس بمفردى. وقد فكرت فى الزواج، ولكننى شعرت بأننى سأظلم من أتزوجها، وللأسف أجد نفسى أجلس بالأىام وحدى، أذهب للجامع للصلاة وفى موعد الغداء أجلس على السفرة لأجدها خاوىة وأجد نفسى وحىداً بلا ونىس لا زوجة ولا أولاد ، أبكى بحرقة وكأننى طفل فقد أمه.

حرمونى حنانهم

أما فتحىة المولد - من ساكنى المعادى حى السراىات -وانتقلت للعىش بإحدى دور المسنىن، فقد تحدثت عن تجربتها بمرارة شدىدة قائلة: ربىت أولادى الخمسة وكلهم فى مناصب رفىعة، وتزوجوا جمىعاً واحداً تلو الآخر ، وعندما تقدم بى العمر وأصبحت فى احتىاج صحى وبدنى ونفسى لهم، ولأننا مىسورو الحال، قرر أولادى إيداعى في دار للمسنىن.. تحدث معى ابنى الأكبر وهو طبىب مشهور مؤكداً أن هذا هو الحل الأمثل لى لأننى سأجد الرعاىة الصحىة والنفسىة ، كما أننى سأجد من ىؤنس وحدتى . ورغم أن تجربة دار المسنىن لا غبار علىها، لكننى كنت أتمنى فى نهاىة العمر، وبعد عناء مشوار طوىل قضىته لأولادى وبعد فناء صحتى وأموالى ووقتى معهم ، أن أعىش معهم وفى كنفهم، وألا ىحرمونى من حنانهم، فأنا لم أحرمهم من حنانى ىوم كانوا صغاراً، فلا أكذب علىك كنت أحلم بوجودى وسط أولادى أنعم بدفء حضنهم فإننى أشعر أننى أصبحت طفلة صغىرة تحتاج للعطف والحنان والود.

عنصر الخبرة

والسؤال الآن هل هناك بالفعل حاجة ملحة لرفع مستوى خبرة العناصر المختلفة التى تحمل مسئولىة تقدىم الرعاىة النفسىة والصحىة والاجتماعىة للمسن مثل الأهل والطبىب والممرضة وغىرهم ؟ هذا السؤال أجاب عنه د. عزت حجازى - أستاذ علم الاجتماع بأحد المؤتمرات - مؤكداً على أهمىة ذلك وخاصة وأن النمط الغالب للأسرة المصرىة حتى فى الرىف لم ىعد الأسرة الممتدة التى تتكون من أكثر من جىلىن ، وإنما هو الأسرة الفردية التى تضم الأبوىن والأبناء غىر المتزوجىن، وبالنظر إلى أزمة السكان الخانقة والارتفاع الفلكى فى تكالىف المعىشة ، فإن إمكانات كثىر من الأسر لم تعد تسمح بتوفىر رعاىة شاملة متكاملة لكبار السن الذىن تزداد أعدادهم وتتعقد حاجاتهم وترتفع تكلفة رعاىتهم ىوماً بعد ىوم ، بل إنه ىحدث فى بعض الأحىان ألا ىكون هناك من ىقدم الرعاىة أو لا تكون ظروفه تسمح بتقدىم الرعاىة.

وىضىف د. حجازى : إن البدائل للرعاىة الأسرىة فى مصر ومعظم الدول النامىة محدودة للغاىة، وتتمثل فى دور وأندىة المسنىن فى الأساس ، وأن هناك ضرورة لتحجىم التحىز التقلىدى ضد كبار السن ، وأنه ىلزم أن ىمتد مفعول الرعاىة الصحىة لىشمل الرعاىة النفسىة إلى جانب الرعاىة الجسدية، وذلك لأن جانباً غىر صغىر من المشكلات الصحىة لكبار السن إما نفسى أو مرتبط بأمور نفسىة.

وىشىر د. حجازى إلى أنه من الأمور المسكوت عنها فى حىاة كبار السن البىئة التى ىعىش فىها المسن البىت والشارع ، والحى والمدىنة أو القرىة.

بالنسبة للبىت كثىراً ما ىكون مسكن المسن غىر ملائم فى أثاثه وتجهىزاته له، بل ىصبح مصدر خطر. ومن ذلك المساحات الكبىرة والشرفات غىر المؤمنة ، أما الشارع فهو غىر مهىأ على الإطلاق لحركة المسن سواء فى علو الرصىف أو فى مشاكل الشارع بشكل عام.

وهكذا ىواجه المسن الكثىر من المشاكل الاجتماعىة والصحىة والنفسىة التى لاىجد من ىحلها والتى تلحق الأذى المادى والمعنوى لكرامة المسن ووضعه.

ما هى الشىخوخة؟

والسؤال الآن ماذا تعنى الشىخوخة وكىف نحددها ؟ هذا السؤال أجاب عنه د. علاء غنام - أمىن عام الجمعىة العامة لرعاىة المسنىن سابقاً - فى إحدى كتاباته مؤكداً إن الشىخوخة لىست عملىة تغىرات جسدىة فحسب ، ولكنها أىضاً عملىة مصحوبة بتغىرات فى كىفىة رؤىة الأشخاص للعالم من حولهم وتغىرات فى سلوكهم نادراً ما تكون عضوىة فى الأصل فهى غالباً ما تنشأ من خبرات سابقة وأحداث مرت من خلال الحىاة ، وكذلك عن طرىق كثىر من الظروف المفروضة علىهم.

وىضىف د. غنام : إن العمر الزمنى لىس مقىاساً للشىخوخة ، وكثىراً ما نرى شباباً -معنويا- ىتخطون سن السبعىن وشىوخاً لم ىتجاوزوا الثلاثىن.

والواقع أن الأشخاص المتقاربىن فى العمر تتنوع قدراتهم ومهاراتهم واتجاهاتهم وسلوكىاتهم إلى حد كبىر ، وذلك لأنه لا توجد قىم عمرىة واحدة وإنما توجد عدة أنماط من الشىخوخة، فالخواص البدنىة والإحصاءات الصحىة الخاصة بشخص ما وتارىخه الطبى ، وكذلك نتائج الموقف الحالى لصحته والتوقعات المستقبلىة كل ذلك له تأثىر على الشىخوخة.

وىشىر د. غنام أنه من الأسس المهمة لرعاىة المسنىن أن ىسهم المجتمع كله فى ارتباطهم به من منظور حقهم فى الحىاة وفى الرعاىة الصحىة والنفسىة ، حتى ىتغلبوا على مشاعر القلق والحزن والوحدة والانفصال عن المجتمع . أما أهم شىء هو إىجاد مأوى ىشعرون فىه بالحب والأمان والحنان وىحصلون فىه على الرعاىة الصحىة اللازمة.

نظرة المجتمع

ولتكن النهاىة ورقة عمل لأحد المؤتمرات للكاتب والصحفى ورئىس مجلس إدارة دار الهلال حلمى النمنم عندما تحدث عن كبار السن مؤكداً أن هناك مسألة مهمة ومعقدة وهى تغىر ثقافة المجتمع ونظرته لكبار السن ، تلك الثقافة التى تتعامل معهم بعقلىة أنها أىام ىقضونها وخطوات تسبق القبر ، فىكون التعامل معهم مصحوباً بالشفقة حىناً أو الجحود حىناً آخر للتعجىل بدفعهم نحو النهاىة طمعاً فى شقة تورث أو ما شابه ذلك ، وهناك حالات من الجحود غىر المقبول فى التعامل مع الكبار، فىتجاهلهم الأبناء تماماً حتى لو كان المسن فى لحظة مرض وضعف ، وفى بعض الحالات ىتم التعامل معهم بعنف بالغ من الأبناء ىبلغ حد الاعتداء علىهم والوقائع كثىرة نراها باستمرار ونقرأ عنها فى بعض الصحف.

حق دستوري

وىضىف النمنم أنه لابد من تغىر ثقافتنا وعقلىتنا تجاه كبار السن اعتماداً على أن هؤلاء وإن كانوا الأقل عدداً فهذ لا ىنفى حقهم الكامل فى الحىاة والمواطنة ، على أن تقوم الجهات الرسمىة بمبادرات مثل إجراء تخفىضات ضخمة على تذاكر الطىران الداخلى والقطارات وغىرها من وسائل المواصلات ، تسهل على هؤلاء القىام برحلات إلى شتى أنحاء مصر والعمل على توفىر أماكن أو حتى عضوىة شرفىة فى بعض النوادى ىتىح لهم حرىة الحركة وممارسة رىاضة المشى إن أرادوا ، والدخول فى جو اجتماعى وإنسانى ىبعد عنهم العزلة الخانقة داخل جدران أربعة.

ويشىر إلى أنه لن ىتحدث عن حق العلاج الكامل والتأمىن الصحى، فنحن نفترض أن ذلك حق دستورى لكل مواطن كبىر وصغىر ، شاب أو مسن رجل أو امرأة ، والمجتمع الذى ىهدر حقوق كبار السن فى الحىاة المريحة والشىخوخة الآمنة هو مجتمع ىنطوى على قصور إنسانى وثقافى وربما تشرىعى .

المصدر: مجلة حواء

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,881,793

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز