كتبت :أميرة اسماعيل
تمر فى حياة كل إنسان لحظات من العزوف عن التفاعل مع المجتمع الذى يعيش فيه سواء مع أسرته الصغيرة أو المجتمع ككل بكل أفراده ومؤسساته.. هذه الحالة تتسم فى بعض الأحيان بالاكتئاب أو النزعة التشاؤمية والتى قد تسببها التغيرات الجوية والمناخية أو خوض بعض التجارب العملية أو العاطفية الفاشلة
فى هذا السياق يتحدث المتخصصون عن الاكتئاب بمفهومه الشامل وتحديدا اكتئاب المواسم.. يقول د.سعيد عبد العظيم أستاذ الطب النفسى بكلية الطب جامعة القاهرة: إن اكتئاب المواسم يأتى وفقاً لتغيرات المناخ أى مع فصول السنة كقدوم الصيف أو الشتاء وكذلك وفقاً للدورة الشمسية التى تحدث كل 365 يوماً تقريباً ودوران الأرض حول محورها كل 24 ساعة .. لذا فإن جسم الإنسان معرض للتغيير البيولوجى من الليل للنهار والعكس ، وهنا يكمن سر الإصابة بالاكتئاب فى غياب ضوء الشمس الذى يفرز مادة «الميلاتونين» التى ترتفع وتنخفض تبعاً لتعرض الجسم للضوء فتقل نهاراً وهى علاج للأرق وتساعد أيضا على اتمام الدورة البيولوجية لجسم الإنسان خلال اليوم الواحد.
فمع غياب الضوء يشعر الإنسان بالحاجة للنوم والاسترخاء ولكن مع غياب الضوء والنوم واختفاء الشمس لفترات طويلة والاستعداد للإصابة بالاكتئاب تتغير بيولوجية الجسم بأكمله وهو ما يحدث فى دول شمال أوروبا حيث تغيب الشمس لفترات طويلة، والاكتئاب الموسمى يزيد وتزيد معه نسبة الانتحار فحوالى 25 % من حالات الاكتئاب يلجأون للانتحار لإنهاء حالة اليأس المسيطرة عليهم ولكننا فى مصر نحمد الله على أشعة الشمس التى تعطى القوة والحيوية طوال العام.
ما الاكتئاب؟
يمكننا تعريف الاكتئاب بمفهومه الشامل أنه عبارة عن اضطراب فى الحالة المزاجية للشخص مما يؤدى إلى تغيير فى طريقة التفكير، وأسلوب الحياة والميل إلى السلبية والشعور بالألم وفقدان الأمل والميل إلى التشاؤم.. والاكتئاب الموسمى مرتبط بغياب الشمس.
حمامات الضوء
يرى الدكتور سعيد عبد العظيم أن أهم وسائل العلاج لاكتئاب المواسم هى حمامات الضوء «حيث يتم تعريض المريض لضوء قوى ومماثل لضوء الشمس من حيث درجة إبهاره ودرجة إضاءته» على مدى جلستين أو ثلاث فى الأسبوع وهو نظام علاجى مطبق وله نتائج فعالة فى علاج الاكتئاب.
ويشير د. عبد العظيم إلى أن هناك العلاج البيولوجى وهو يشمل الأدوية والعقاقير لأنها تعمل على تغيير كيمياء المخ فهى تحتوى على مواد مضادة للاكتئاب «السيروتونين» التى إن قلت أو ضعفت يحدث الاكتئاب، وهذه الأدوية ترفع تلك المادة فتحارب الاكتئاب ويستمر المريض فى تناول هذه الأدوية مدة لاتقل عن 6 شهور وقد يتحسن المريض خلال الأسابيع الأولى، ولكن لابد أن يكمل الـ 6 شهور حتى لاتحدث انتكاسة وقد يصل الأمر لسنة كاملة إن استدعت حالة المريض ذلك.
الانتحار
ويعد الاكتئاب هو ثانى مرض يسبب العجز من حيث فقدان الرغبة فى العمل، واللجوء للانتحار ، وزيادة نسبة البطالة.. ففى أمريكا تقدر نسبة الخسارة 43 مليار دولار سوياً بسبب غياب الأشخاص المصابين بالاكتئاب عن العمل!!
المرأة
أما عن المرأة والاكتئاب فيقول د. سعيد : إن النساء أكثر تعرضا للإصابة بالاكتئاب من الرجال لأن المرأة تميل للعاطفة وهن أكثر تأثراً بالهرمونات من الرجال (سواء فى الدورة الشهرية - الحمل - سن اليأس) وهى هرمونات تؤثر وتتأثر بالمخ .. فالمخ هو المسئول عن العواطف والسلوكيات وبالتالى نلجأ للعلاج الضوئى والجلسات الكهربائية والموجات المغناطيسية التى تعمل على تنبيه العصب الحائر وبالتالى تحسن الحالة المزاجية.
الوراثة
وتلعب الوراثة دوراً مهماً فى الإصابة فالأب والأم المصابين بالاكتئاب تزيد نسبة إصابة أبنائهما بالاكتئاب لتبلغ 50% وقياساً على المجتمع فإن مايقرب من 6% إلى 8% من أفراد المجتمع مصابين بالاكتئاب نتيجة للعوامل الوراثية والضغوط المجتمعية.
ويلعب العلاج النفسى دورا مهما فى تحسين الحالة وذلك من خلال الجلوس مع المريض وتغيير أفكاره السلبية إلى الإيجابية وحب الذات، وهناك حل اجتماعى بمعنى التدخل من خلال أخصائى اجتماعى وهو ضمن فريق العلاج لمساعدته فى حل مشكلات عمله أو أسرته، وهناك النوع الرابع من العلاج وهو العلاج الروحى، والدينى والأخلاقى، فكل مريض وفقاً لحالته وشدتها يتم تشخيص أسلوب العلاج المناسب له.
دور التغذية
وترى هبة سعيد أستاذ التغذية بالمركز القومى للبحوث أن تغير المناخ قد يسبب الاكتئاب نتيجة للجوء الفرد - فى فصل الشتاء مثلاً - لتناول كميات كبيرة من الأطعمة الدسمة سعياً للشعور بالدفء وفى نهاية فصل الشتاء يتعرض للاكتئاب لزيادة الوزن وخصوصا النساء اللاتى غالباً مايتغير مزاجهن نتيجة لتغير شكل الجسد وهناك أبحاث تؤكد أن للغذاء دورا مهما فى تحسين الحالة المزاجية مثل السكريات والتى تشمل العصائر والشيكولاتة والحلويات المحتوية على نسبة كبيرة من السكر الأبيض، وترجع أهمية السكريات فى تحسين المزاج لاحتوائها على الجلوكوز وهو الغذاء الرئيسى للمخ ، كذلك يلعب البصل دورا مهما فى تحسين الحالة المزاجية.
بالإضافة إلى فيتامين ب12 والذى يساعد على هضم النشويات وهو عامل مهم فى العمليات الحيوية الخاصة داخل الجسم ويوجد هذا الفيتامين فى اللبن ومنتجاته والخميرة والمخبوزات المصنوعة منها.
كذلك يساعد الكرومسيوم على تحفيز الأنسولين فى هضم السكريات ويوجد فى الحبوب الكاملة والبطاطا والكبدة ونخالة القمح والدهون (أوميجا 3 وأوميجا 6) وهى دهون أحادية تساعد على الهضم وبالتالى تحسن الحالة المزاجية وتوجد فى المكسرات غير المحمصة كاللوز والبندق والفستق وكذلك زيت الزيتون.
التوازن
وترى د.ناهد عزت - دكتوراه الفلسفة اليونانية وعلم الجمال الطبيعى - أن أساس محاربة الاكتئاب يكمن فى خلق التوازن بين الصحة النفسية والعقلية والجسدية من خلال الهدوء والإحساس بالرضا وحب الآخرين والاهتمام بالغذاء الجيد المتوازن والعمل على تحسين الصحة الفعلية من خلال التأمل والإكثار من الذكر وعليك تقبل ذاتك ومعالجة السلبيات وتقوية الإيجابيات مما يحفز المخ بإفراز مواد كيميائية تجعلك تشعر بأنك فى حالة أفضل مثل «الإندروفينات».
وأولا وأخيرا الإنسان كائن كونى أى أنه يتأثر بالتغيير المناخى والتغيير المكانى الذى يسبب حدوث أثار سلبية مثل التغييرات المناخية المشبعة بالأتربة أو الرطوبة العالية أو البرودة الشديدة التى تؤثر فى تغيير كيمياء المخ- كما سبق ذكرها - وبالتالى تؤثر سلبا على الشخص.
ومن هنا تنصح د.ناهد بالاندماج مع ألوان الطبيعة المبهجة التى تتفق مع الحالة المزاجية والبصمة الوراثية الخاصة لكل فرد والاهتمام بالتهوية الجيدة للمسكن فى الصباح الباكر
ساحة النقاش