الجنة من غير ناس ماتنداس !
كتبت :نبيلة حافظ
لست أدري ماذا فعلت بي السنين..؟ ولماذا غيرت منى كثيرا..؟ فلقد أضافت سنوات العمر إلىّ صفات وطباعاً كنت أكرهها وأمقتها وفى المقابل أخذت منى خصالاً ترسخت فى تكوينى طيلة سنوات العمر المبكر .. يالها من مفارقات غريبة لتلك الحياةالعجيبة.
ففى الماضى البعيد حيث سنوات الصبا والشباب كنت أعشق السفر وأحلم به .. وأتمنى من الله أن ينعم على بالترحال وكان لسان حالى لكل من يسألنى عن أحلامى وطموحاتى .. أن ألف الدنيا وأشوف بلاد خلق الله لأشاهد جمال وروعة الطبيعة .. وإبداع الخالق فى أرضه..!
ولكن حرمتنى الحياة من تحقيق أحلامى هذه .. وضنّت على سنوات العمر بتحقيق هذا الحلم الجميل .. فكل ما أجادت به الحياة على .. من رحلات سفر لم تتعدى أصابع اليد الواحدة .. وكانت معظمها إلى أراضى الله المقدسة بالمملكة السعودية حيث منحنى المولى عز وجل نعمة الحج والعمرة لأربع مرات .. أما الرحلة الخامسة فكانت لدولة تونس الحبيبة مفجرة ثوارات الربيع العربى وكانت هذه الرحلة للعمل ولم أتمكن خلالها من الاستمتاع بجمال وروعة الطبيعة فى تونس .
ولأننى مؤمنة بأن كل شئ فى الحياة بقدر وقسمة ونصيب فقد رضيت بنصيبى من الحياة وبما أجاد على به القدر وأدركت أن ليس بالإمكان أكثر مما كان .. وأن الله لم يكتب لى تحقيق هذا الحلم .. !
ومع قناعتى هذه لم أفكر ذات يوم فى السعى من أجل إحياء الماضى بأحلامه الجميلة على الرغم من أن السنوات قد حررتنى من بعض المسئوليات لكن فكرة السفر بعدت عن خيالى وأصبحت أعشق السكون والهدوء وأكره التنقل والترحال ..
ولكن للضرورة أحكام .. هكذا علمتنا الحياة .. والضرورة هنا أننى أمام ظروف خاصة اضطرته إلى السفر لبلاد بعيدة بعيدة .. إلى كندا حيث تقيم ابنتى الوحيدة مع زوجها .. وسفرى هذا ليس بإرادتى .. وليس من أجل المتعة والاستجمام .. ولكن من أجل أداء الواجب الذى يحتم أن أكون برفقة ابنتى أثناء استقبالها لمولودها الأول .
وسافرت .. رحلة شاقة وطويلة .. شاهدت أجمل ما يمكن أن تراه العين .. طبيعة ساحرة جميلة سبحان الخالق المبدع حدائق غناء .. أشجارلم ترها العين من قبل .. زهور على كل لون ورائحة .. نظام والتزام ودقة من جانب البشر فى كل شىء .. فى الشارع .. فى وسائل المواصلات .. قمة الانضباط والأجمل من كل هذا الابتسامات التى تعلو وجوه الجميع حينما تسير .. من المطار وحتى مكان الإقامة .. تجد من يرحب بك دون أن يعرفك .. وتجد نظرات حانية تحيط بك وسط مجتمع يعشق الإسلام والمسلمين .
وعلى الرغم من كل ذلك كنت أشعر بالغربة .. وكانت الوحشة تلفنى والملل يقتلنى .. كل هذا الجمال وهذه الروعة لم تسعدنى شعرت بحنين قوى لأرضى ولوطنى .. وحشتنى مصر بكل ما فيها .. بمشاكلها وأزماتها .. بزحامها وضجيجها .. وحشتنى الوجوه العابسة المكتئبة بفعل ما يحيط بها .. وحشتنى شوارعها بكل ما فيها من سلبيات وعشوائية وعدم انضباط .. وحشنى الأهل والأصدقاء والصحبة الحلوة ، ولمة الأحباب ، اشتقت للقلوب الدافئة العامرة بالمحبة .. ووجدتنى أتمنى العودة سريعا إلى بلدى .. إلى مصر الحبيبة .. وحقا .. الجنة من غير ناس ماتنداس .. !!
ساحة النقاش