اطحنوه
كتبت ايمان العمرى
لم تعر أي اهتمام للدعوات الخاصة بالمظاهرات التي ستقام يوم 25 يناير 2011 اعتبرتها مثلها مثل بقية المظاهرات الفئوية التي تندلع من حين لآخر في الفترة الأخيرة كان رفاقها يتعجبون من أمرها فكيف تتعامل مع الأحداث بمثل هذا البرود رغم ما اشتهرت به من مشاعر وطنية ظهرت في العديد من المواقف ... لكنها لم تهتم بتعليقات الرفاق ، فقد كان لديها قناعة بأن أي تحرك وطني سليم يجب أن يكون وراءه جهة منظمة ، وواضحة الأهداف ..
كانت دائماً تحلم بزعيم حقيقي يستطيع أن يجمع الأمة على هدف واحد ... كانت تعرف أن حلمها هذا بعيد كل البعد عن أرض الواقع ، وكم سخر الرفاق منها ، وفسروا حلمها بأنها مغرمة بجارها الزعيم "سعد زغلول" فهي تسكن أمام متحفه ، ومن الطبيعي أن تغرم به ، وتتمني أن يبعث ليخلص البلاد من القهر ، ويعيد للمصريين كرامتهم ...
رغم كم السخرية التي تعرضت لها ، والتي وصلت لحد الاتهام ، فلم تغير موقفها ، واعتبرت يوم 25 يناير ، والذي كان إجازة فرصة جيدة للذهاب إلى الكوافير لتصفيف شعرها ...
مع انتصاف اليوم لاحظت حركة غير عادية لرجال الشرطة الذين انتشروا بشكل مكثف في شارع منزلها القريب جداً من ميدان التحرير ... جذبها المنظر ، فتجولت في الشارع لاستطلاع الأمر حتى وصلت إلى نهايته حيث شارع القصر العيني ، ولأول مرة في حياتها ترى هذا الشارع ، وقد توقفت حركة المرور فيه ...
ضحكت في نفسها ، وهي تشاهد الرتب العسكرية الكبيرة وقد اصطفت في الشارع..كانت الساعة وقتها قد جاوزت الثانية عصراً بقليل ، ولم يبق سوى ساعة تقريباً على موعد المظاهرات ...
التوتر بدأ يسود الشارع ... تعجبت مما يدور حولها ، ووجلت من نظرات الضباط لها ، فعادت إلى منزلها ، وهي تسخر من الشرطة ، وموقفها من مظاهرات تحارب غلاء الأسعار ، وسألت نفسها عما إذا كان رجال الشرطة يعيشون في رغد من العيش ، ولا يعانون مثل الباقين من ارتفاع الأسعار؟!
ما أن دقت الساعة الثالثة موعد المظاهرات حتى خرجت إلى الشرفة تتابع الإجراءات الأمنية المكثفة ، والتي أغلقت جميع مداخل الشارع ، ومخارجه ...
رأته يقف وسط عساكر الأمن المركزي بزيه الأسود ، وأزرار قميصه المفتوحة حتى بداية صدره ، طويل القامة يخفي عينيه بنظارة شمسية سوداء يتمتع ببنية قوية وصوت أجش يصيح في العساكر يأمرهم
- إللي يعدي هنا من المتظاهرين اطحنوه ...
كانت لكلمة "اطحنوه" وقع الصاعقة عليها ، ودون وعي وجدت نفسها تصيح بأعلى صوتها ، وهي تبصق عليهم
-يا مجنون إللي حا تطحنه ده يبقى أخوك ...
لم يلتفت أحد لصراخها غير بعض الجيران الذين كانوا مثلها يتابعون الأحداث من الشرفة ، لكن ظلت كلمة " اطحنوه " تشعرها بالمرارة
مرت أحداث الثورة سريعاً ، وتبعها العديد من الأحداث التي لم تكن راضية عن الكثير منها ، وكم كانت تجادل الرفاق ، وتؤكد دائماً على أن عدم وجود زعيم للثورة يمثل نقطة ضعف شديدة لكن في كل مرة كانت تدخل فيها في مناقشة حول رأيها في الثورة كانت ترن في أذنيها كلمة "اطحنوه " ، فيتملكها شعور غريب بالاشمئزاز ، ورغبة عارمة في أن تبصق على كل رموز النظام السابق
ساحة النقاش