إلى متى نسبح فى بحر من الأزمات ؟
"الكبت يولد الانفجار" هذا المثل الشائع أصبح يمثل تهديدا شديدا لحالتنا النفسية في مجتمع تكثر فيه المشاكل والأزمات، ويعانى فيه الكثيرون من حساسية مفرطة تجاه الآخرين والمواقف التى يتعرضون لها، وعندما يحاولون البحث عن حلول يكتشفون أنها ليست بأيديهم وإنما هى فى أيدى صناع القرار وأصحاب المسئولية السياسية فى الدولة، فيعجزون عن التحرك.. وفى نفس الوقت تتراخى الدولة.. فتتراكم المشاكل، ومع الوقت يتولد الانفجار الذى يسفر عن أزمات معقدة يصعب حلها بينما كان من السهل تفاديها إذا تم التصدى لها ومواجهتها فى حينها، ولعل الأزمة التى تعانى منها أسوان حاليا هى أكبر دليل على ذلك
كانت وأصبحت
هل مايحدث فى أسوان يشير إلى أن المجتمع المصرى فى أزمة؟ نعم.. ويمكن أن ندرك ذلك بسهولة بمجرد الخروج إلى الشارع والنظر فى وجوه الناس لنعرف كم هم متأزمون ومحتقنون وغاضبون، وتتضح الصورة أكثر إذا قمنا بمقارنة وجوه الناس وأحوالهم بفترات سابقة، كانت الشخصية المصرية فيها تتسم بالطيبة والشهامة والجدعنة والمرح والتفاؤل والإيثار، أما الآن فالصورة مختلفة كثيرا حيث حلت محلها القسوة والكآبة والتشاؤم والأنانية والانتهازية والفهلوة والرغبة فى الكسب السريع بأى شكل من الأشكال .
وإذا تجاوزنا الملاحظة الميدانية وفتحنا الصحف أو الراديو أو التليفزيون فسوف يذهلنا استخدام كلمة "أزمة" فى كل الأحاديث والمقالات أو على الأقل معظمها، فنرى ونسمع الحديث عن الأزمة السياسية والأزمة الإقتصادية والأزمات الاجتماعية والأزمة الثقافية وأزمة السينما وأزمة الخطاب الدينى وأزمة الشباب وأزمة البطالة.. وكأننا مجتمع يسبح فى بحر من الأزمات .
الحلول الوهمية والفهلوية
ويفرض السؤال نفسه : لماذا وصلنا إلى هذه الحالة الإستثنائية من الأزمات التى أصبحت تهدد أمننا واستقرارنا وإحساسنا الطبيعى بالحياة ؟
السبب وراء ذلك هو تراكم المشكلات يوما بعد يوم وشهرا بعد شهر وعاما بعد عام دون وجود استراتيجية واضحة تضع حلولا علمية وعملية حقيقية لها، والاكتفاء بالحلول الشكلية أو الإعلامية أو الوهمية أو الفهلوية دون الدخول إلى جوهر المشكلات، فتراكم المشكلات دون حل حقيقى يؤدى إلى حالة من التأزم، وتراكم الأزمات دون حل حقيقى يؤدى إلى شعور متزايد بالإحباط، والذى يؤدى بدوره إلى تراكم شحنات الغضب والتى تظل كامنة إلى أن تصل إلى مستوى معين فيحدث الإنفجار فى ظروف مهيئة وضاغطة- وما أكثرها فى مجتمعنا- فى صورة أعمال عنف ظاهرة أو تتحول تلك الشحنات إلى غضب مزمن ومكتوم يؤدى إلى حالة من العدوان السلبى يظهر على شكل لامبالاة وكسل وبلادة وعدم اتقان .... الخ .
وما حدث فى أسوان يؤكد أن هناك شحنات غضب هائلة قابلة للزيادة والاشتعال.. ليس هناك فقط وإنما فى محافظات أخرى كثيرة، وإنه لمن الخيانة لهذا الوطن ألا نراها على حقيقتها أو نركن إلى تماسك نسيج الشعب المصرى عبر العصور، فهذا وهم آخر حيث تغيرت الظروف والحسابات والمصالح، وأصبحت هناك أطراف محلية وعالمية تدفع بالأمور إلى الحافة بغية إعادة ترتيب المنطقة وفق أولوياتها مستندة فى ذلك إلى الظروف الدولية غير المواتية لمصر والعالم العربى ومستغلة أطماعا شخصية فى البقاء أو الاستمرار
نحتاج كمجتمع للتأهيل النفسى والإجتماعى والسياسى والدينى، خاصة وأن العالم الآن يفكر- بحسن نية أو بسوء نية- كيف يتم هذا التأهيل، فكأننا أصبحنا نمثل أحد عشوائيات العالم التى تحتاج للعلاج والتأهيل بعد أن كنا أرض الحضارة ومهبط الديانات.. وتلك هى مسئولية السلطة السياسية أولا قبل أى جهة أخرى أسرية أو تعليمية أو دينية أو إعلامية أو أمنية، وليت البداية تكون فورية ودون تراخ أو تسويف.
ساحة النقاش