كم منا عانى زلة لسانه؟ وزلة اللسان هي أن تقول الكلمة، مجرد كلمة كانت تعربد بداخلك فأطلقت أسرها، كلمة استطاعت أن تنتصر على قضبان الكتمان فتخرج بإرادتنا أو رغما عنا، تنطلق للندم بعدها، فما بالنا بزلة القلب؟ ما بالنا باتفاق غير مكتوب تسطره القلوب لتندم عليه بعد فترة؟
فعندما يزورنا الحب، عندما يطرق بابنا نقف مبهورين بهذا الرائع الذي وفد دون موعد سابق، ويبدو أن لهفتنا تخرس منطقنا، فنقتح له الأبواب دون أن نسأله من هو ولماذا حضر، وإلى متى سيطول بقاؤه، كل ما نفعله هو أن نأخذه من يده ونجلسه على الأريكة، نحصر له الوسائد المريحة ونجهز له القهوة وشطائر العسل، نمشط له شعره ونحكي له كيف كانت أيامنا قبله حزينة متشابهة، نظل مشغولين به طوال فترة إقامته، نراقبه بإعجاب وهو يشعل لفافة التبغ، ونظل نشكل لوحات تسعدنا من دوائر دخانه المتصاعد، ينفض رماد سيجارته فوق البساط ولا نغضب، يقلب نظام أيامنا ويستعبد دقائقنا فلا يصيبنا الضجر، يكسر قناني عطرنا وهو يسير فلا نعاقبه، ثم نصحو فجأة فلا نجده، لقد رحل، رحل دون أن يخبرنا كما جاء دون استئذان، يتركنا في حالة فوضى عاطفية، لماذا جاد وكيف رحل! لا نعلم، كل ما نعلمه أنه شعر بالغربة في أحضان احتوائنا، ونكتشف أنه جاء بطريق الخطأ، فقد أخطأ في العنوان، لم يكن يقصدنا نحن لذلك رحل، ونكتشف أننا كنا نحيا الوهم، استغرقنا الخداع العاطفي، وخداع الحب هو زلة القلب.
***
لماذا دائما تطالبني أن أعلن عن حبي؟ قلبي ليس صندوقا زجاجيا أعرض فيه الحلوى الملونة، هو أيضا ليس غلاف مجلة يمكنك أن تراها على أحد الأرصفة، لم أتصور أبدا أن حبك طفلا جميلا أمشط له شعره، وأقبل وجنتيه، أخرجه من داخلي، من داره، ليواجه الآخرين بابتسامة الصباح وملابس مرتبة، ليحظى منهم بكلمة تشعره بالفخر وتشعرني بالزهو، حبي هو إبداعي الخاص جدا وهو عبقريتي السرية التي لا أحب للغير الاطلاع عليها، على قسماتها وثناياها وتفاصيل وجودها، لماذا تصر دائما أن أعرض حبي لعيون الآخرين؟ لا يا سيدي، لا يوجد حب للترويج وحب للتعليب، ولم يتم اختراع واجهات زجاجية لامعة يهندمون الحب ويلبسونه أحدث صيحات الموضة ليضعوه وراءها ينظر في بلاهة ليصبح فرجة لآخرين لا يعنيهم أمره، حبي حدث فريد من نوعه، فراشه قلبي، وقلبي ليس شاشة عرض.
***
عندما قطعت تذكرة سفر إلى دنيا حبك كنت أدرك أنني مقبلة على مدن الدهشة والأمل، جهزت شطائري، وزجاجات العصير الطازج، حزمت كل احتياجاتي، اصطحبت حقيبة حملتها علي ظهري، وعندما احتضنت أرض مينائك طائرة الأحلام، أدركت أنني أخيرا وجدت الوطن.
***
عندما تسافر، لماذا تأخذ معك كل مياه البحر، فتتركه حفرة كبيرة، جرحا عميقا، ما ذنب الأمواج أن تموت عطشا وانتظارا؟
عندما تسافر، لماذا تلملم أشيائي، فرحتي البريئة، نبضات قلبي، وتضعها كلها في جيب سترتك.
المصدر: إيمان حسن الحفناوي
نشرت فى 23 سبتمبر 2014
بواسطة hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
22,837,204
الصور المختارة
مقالات مختارة
رئيس مجلس الإدارة:
عمر أحمد سامى
رئيسة التحرير:
سمر الدسوقي
الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز
ساحة النقاش