المفروض أن رمضان هو شهر الإيمان، إلا أن البعض منا يتخذ من الصوم فى هذا الشهر الفضيل ذريعة لكى يبرز كل ما بشخصيته من عيوب ونقائص.. والعلة على كل لسان: شهر رمضان!
تغادر شقتك فى الصباح فتجد البيه البواب مستلقيا على "دكته العتيدة" وقد راح فى سابع نومة رغم أن الساعة العاشرة صباحا.. لماذا؟ لأن بسلامته كان ساهرا أمام مسلسلات التليفزيون.. وتخرج إلى الشارع لتجد السيارات فى حالة عراك وتكاد تتشابك بالأبواب والعجلات، كل منها تتدافع لتشق طريقا فى الزحام حتى تلحق بساعة الحضور.. ثم تصل إلى محل عملك بشق النفس سواء عن طريق الأتوبيس أو المترو أو السيارة، وتنظر حولك لتجد زملاءك الموظفين فى حالة كسل وخمول وتقاعس عن أداء واجباتهم وتقديم العون والخدمات للجمهور.. والسبب.. رمضان!
شرع الخالق شهرا واحدا فى السنة لكى يقدم العباد برهان الطاعة والامتثال والاستسلام لفروضه بلا قيود ولا شروط, وقد رخص الإفطار لمن لا يطيقون الامتناع عن الشراب والطعام، على أن يقدموا طعاما لمسكين أو عدة مساكين، وما أكثرهم فى بلادنا, أما الذين يقدرون على الصوم فلديهم فرصة عظيمة لاختبار قدرتهم على التحمل؛ ليس فقط العطش والجوع والابتعاد عما تهواه النفس من ملذات، وإنما فرصة لاختبار قوة الإرادة والصبر على المكاره, وقد لا ندرك قيمة هذه الأمور لكنها بالفعل من أهم معايير السعادة البشرية, كم من زيجات فشلت سريعا وتشرد الأولاد ودخل الآباء فى نفق مظلم من العناد والمعاناة بسبب عدم قدرة الوالدين أو أحدهما على التحمل والصبر, إن عواقب الطلاق أفدح كثيرا جدا، وعلى المدى الطويل، من أمور تافهة من تلك التى تشعل الخناقات بين الزوجين, ويقول المثل المصرى "لو صبر القاتل على المقتول، ما كان ارتكب جريمته", وفى التراث الثقافى العديد من الأمثلة على عظمة من يتحملون ويصبرون وأشهرهم أيوب المصرى ، الذى يمثل بجد النموذج المثالى للشعب المصرى، الذى يردد فى دخيلة نفسه "اصبر على جارك السو، يا يرحل أو تجيله مصيبة تاخده"!
الصبر على أشد الأمور قسوة ومن بينها قهر المسئولين وإهمال الموظفين وتقاعس كل من عليه واجب، واحدة من الفضائل المصرية التى يعتبرها البعض من نقائص الشعب المصرى.. فنحن نصبر طويلا ثم نهب مرة واحدة.. هذه واحدة من الحقائق التى لا تستطيع إنكارها, ولطالما تساءلت فى نفسى: كيف صبر أجدادنا على تعنت وغباء ورزالة وجهل وغطرسة الحكم العثمانى لخمس قرون متوالية؟! لماذا تحملوا أن يحكمهم أجانب ظل بعضهم يجهل قراءة وكتابة اللغة العربية ويتحدثها بركاكة واضحة حتى هبت ثورة يوليو وأطاحت بهم؟!
لقد صبر المصريون على "الجار السو" خمسمائة عام، فلماذا لم يعودوا يصبرون على بعضهم البعض اليوم؟ ولماذا تطفح العصبية وقلة الصبر وسوء السلوك فى رمضان بالذات.. شهر التعبد والروحانيات والاستمتاع بقوة الإيمان؟!
ساحة النقاش