حاولت كثيرا أن أجد تفسيرا منطقيا لمعاملة بعض الناس للإنسان الطيب على أنه ساذج أوضعيف بل ويمكن استغلاله وربما إيذاؤه، وكما يقولون الضحك عليه بكلمتين وابتسامة بسيطة، ولكنني لم أجد تفسيرا سوى أن العيب فيمن يعتقدون هذا، فالطيبة والمعاملة الحسنة وحب الآخرين بل وتمني الخير لهم هي دليل واضح على أن هذا الإنسان أكثر ذكاء،فهوشخص أدرك ببساطة تامةأنه لن يأخذ من الدنيا أكثر من نصيبه ومما يبذل من مجهود، وأنه لن يقف أحد أمام رزقه، فرزقه مكتوب ومعلوم، وبالتالي فما هي الفائدة من إيذاء الآخرين أو تمني زوال النعمة عنهم أو عدم حب الخير لهم؟
أقول هذا وأتذكره ونحن على أبواب شهر كريم، نتحدث فيه عن مكارم الأخلاق, عن الصدق, عن الأمانة, عن الشفقة, عن العطف على الغير, عن مشاركة الضعفاء آلامهم، فلماذا لا نتحدث أيضا عن الحب، لماذا لا نتحاب كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك في حديثه الشريف: "والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالفعل لماذا لا يكون الحب وتمني الخير هو ما يجمع بيننا, ولماذا لا يهتم بعضنا في هذا الشهر الفضيل سوى بالمظاهر الخادعة من الامتناع عن الطعام والشراب فقط، لماذا لا نحاول عندما يحسن إلينا إنسان أن نرد هذا الإحسان بالإحسان وألا يكون نكران الجميل هو الرد والإيذاء محل الشكر، لماذا لا نتذكر في هذا الشهر أن الحياة قصيرة جدا وأنها قد تنتهي في لحظة واحدة فلا يبقى منا جميعا سوى السيرة الحسنة والمعاملة الطيبة، فلا أموال تدوم ولا مناصب تستمر، ولا جاه سنأخذه معنا، فتعالوا نطلق معا هذه الدعوة "تحابوا تصحوا", تعالوا نبدأ جميعا من أنفسنا بحب الآخرين ومساعدتهم والعطف عليهم، ورد الجميل لهم ومساندتهم كلما احتاجوا، بدلا من أن يكون ما يحركنا هو كيف نتخلص من الآخر وكيف نؤذيه وكيف نتمنى زوال النعمة والرزق عنه، في رأيي أن شهر رمضان الكريم لا يكتمل فقط بالعبادات ولكنه يكتمل فعليا عندما نطهر نفوسنا من الأحقاد، عندما ندرك أنه لا شيء يدوم، عندما تكون سلوكياتنا هي سلوكيات الإسلام وليست السلوكيات السلبية التي قد يكتسبها بعضنا من الدنيا، فماذا سنجني ونحن نقف أكثر من مرة يوميا بين يد الخالق لنصلي، وما أن ننتهي حتى نعود للذم والنقمة والكذب وعدم الاحترام وإيذاء الآخرين بكافة السبل، صوموا عن كل هذا تصحوا، تحابوا تصحوا، وكل رمضان ومصرنا الحبيبة ونحن جميعا بكل خير.
ساحة النقاش