الإنسان دائماً يفعل أشياء ويختار أخرى، وإذا أساء الاختيار يتعلل دائماً بأن هذا هو القدر وهذا المكتوب عليه، ولكن فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الجليل، يوضح لنا فى برنامجه “ الإمام الطيب ” أن الإنسان مختار فى جميع أفعاله التي لا يكون فيها مرغما ولا مكروها ولا مضطرا، فالاحتجاج بالقدر ضرب من الكذب والجهل والتخرص بالباطل، وقال فضيلة الإمام الأكبر إن الحديث عن كون الإنسان مخيراً أم مجبرا هو حديث قديم متجدد حيث كان النبى "صلى الله عليه وسلم" ينهى أصحابه عن الخوض فى هذه المسألة، وكان يقول “إذا ذكر القدر فأمسكوا ” ، كما وصف علماء للمسلمين هذه المسألة بالعويصة فقد قال الإمام أبوحنيفة رضى الله عنه "القدر مسألة مقفلة ضل مفتاحها"، فهو يشبه القدر بالخزينة المغلقة التى ضاع مفتاحها، وأضاف فضيلته فى برنامج للإمام الطيب أن بعض المتسرعين يزعمون فى قراءة موضوع القضاء والقدر أن الإيمان بالقدر يستلزم الإيمان بكون الإنسان مجبورا ومرغما ومسلوب الإرادة فيما يأتى وفيما يدع من إرادات وأفعال، وهو زعم باطل وادعاء كاذب مشيراً إلى أن الدليل القاطع على كذب هذا الإدعاء: ما يحسه الإنسان ويشعر به شعورا واضحا من أن له مشيئة وإرادة يختار بها هذا الشىء أو ذاك وإحساسه بأنه إن اختار فعلا وعزم عليه فإنه باستطاعته أن يفعله وإن اختار تركه فباستطاعته أن يتركه.. وبين الإمام الأكبر أن هذا الشعور الواضح بحرية الإنسان واختياره فى إيجاد الأفعال أو تركها هو الدليل الذى لا دليل بعده على أن الإنسان ليس مجبورا ولا مرغما ولا مسلوب الإرادة فيما يأتى وفيما يدع من أفعاله الاختيارية، ولذلك فليس له أن يحتج بالقضاء والقدر لا قبل وقوع الفعل ولا بعده، فلا يجوز أن يقول شخص مثلا إن الله قدر علي أن أشرب خمرا ثم يتخذ من ذلك القول مسوغا لأن يقترف هذا الإثم .. وأوضح فضيلته أن القرآن الكريم ذم من احتج بالقدر وتعلل به من المشركين ووصف احتجاجهم بالقدر بأنه ضرب من الكذب والجهل والتخرص بالباطل، وأكد الإمام الأكبر أن موقف الإنسان فى الإسلام هو موقف المسئولية الكاملة عن كل ما يصدر عنه لأن مسئولية الإنسان المسلوب الحرية ظلم والله تعالى حرم الظلم على نفسه وعلى عباده فقال فى الحديث القدسى "يا عبادى إنى حرمت الظلم على نفسى وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا"، وقال في كتابه الكريم "وما ربك بظلام للعبيد"، ويقول "وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم"، فإذا ثبت أن العدل المطلق من صفاته تعالى وأنه لا يظلم مثقال ذرة وأنه قد وضع الإنسان موضع المسئولية فلابد أن تثبت حرية الإنسان وتثبت إرادته واختياره فى جميع أفعاله التى لا يكون فيها مرغما ولا مكروها ولا مضطرا.. وقال الإمام الأكبر إن الله تعالى يكتب على العبد ما سوف يختاره العبد ويميل إليه بمحض إرادته وطبيعته، فإن خيرا فخير وإن شرا فشر انطلاقا من العلم الإلهى الذى يكشف حال العبد وموقفه الشخصى الحر من اختيار الخير والشر، ومعنى ذلك أن الله لا يكتب الشر على من علم أن طبيعته خيرة أو العكس، وإنما يكتب على كل عبد ما سوف يختار بحسب طبيعته وجبلته وإرادته.
أتمنى أن يكون ربنا "سبحانه وتعالى" كاتب علينا أن نكون من أهل الخير ومن أولياء الله الصالحين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون .
ساحة النقاش