أجد متعة فى الكتابة عن بليغ حمدى، ذلك الموسيقار الذى أحب وطنه وأعطاه من فنه الكثير، فهو أحد فرسان انتصارات أكتوبر 1973 الذى اقتحم مبنى الإذاعة المصرية إبان اندلاع شرارة حرب العزة والكرامة وافترش طرقاتها والأبنودى قائلين: سوف نغنى للجنود حتى يتحقق النصر، وأقاما بالفعل معسكرا داخل الاستوديوهات، الأبنودى يكتب وبليغ يلحن، وأنغامه تملأ الدنيا حماسا ووطنية، وكان يعمل ليل نهار مسكونا بحب الوطن، لا نقول بليغ فقط بل كل الفنانين المصريين الوطنيين احتشدوا للدفاع عن الوطن وإلهاب حماسة الجنود، بداية من عبدالحليم حافظ مرورا بوردة الجزائرية وحتى سعاد حسنى، فقد سجلت الإذاعة المصرية عددا من الأغانى الوطنية لمشاركة الشعب فرحته وخوفه على الأبطال فى ذلك الوقت، حيث مرت الأغنية المصرية الحديثة بثلاث مراحل، جاءت الأولى بعد ثورة يوليو 1952، والثانية بعد هزيمة 1967، والثالثة أثناء مرحلة انتصارات أكتوبر عام 1973 والتى امتدت حتى نهاية القرن العشرين، نضيف إليها مرحلة رابعة وهى تلك التى واكبت ثورة الثلاثين من يونيو عام 2013، ولكل مرحلة رموزها ونجومها.
وإذا كنا لا نغفل الدور العظيم الذى قدمه جاهين وكمال الطويل على وجه التحديد، فإن ذلك الشاب النحيل بليغ حمدى الذي وصفه أستاذنا كامل الشناوى بأنه أمل مصر فى الغناء وكان وقتها مطربا معتمدا بالإذاعة المصرية لكنه بعد أن سجل بصوته إحدى الأغنيات رفض أن يستكمل ذلك الطريق وقرر السير فى طريق التلحين الذى ظهرت عبقريته فيه كونه مستلهم روح الشعب وموسيقاه، فلم يقتبس من السيمفونيات الغربية بل كانت موسيقاه شرقية مصرية شعبية مستمدة من الفن الفرعونى الضارب بجذوره فى تاريخ هذا الشعب.
ساحة النقاش