عرفت النقي طيب القلب صاحب الأخلاق الرفيعة، النبيل الراحل عن دنيانا هذا الأسبوع حسن كامي، من خلال ترددي على مكتبة فريدة في موقعها ومحتواها تجمع نوادر الكتب واللوحات التشكيلية التي أبدعها الفنانون المستشرقون الذين زاروا مصر وأحبوها إلى درجة العشق، لم أكن في البداية أعرف أنها ملك الفنان كامي، حتى رأيته ذات أمسية على مكتبه الراقي الصغير يراجع بعض الأوراق، ودار بيننا حوار نصحني خلاله بزيارة السيدة السمراء ـ قالها بالفرنسية ـ لأكتشف أنها زوجته، وكان يتكلم عنها فيما بعد في لقاءات متتابعة باحترام شديد ووصفها بأنها مجنونة مثله بحب مصر واللوحات التي تجسد روعتها من القرن التاسع عشر، قال لي يومها إنه سوف يتصل بها لتساعدني في طباعة أشهر لوحات الفنانين التشكيليين العالميين بدلا من شراء الأصول باهظة الثمن، أما الخدمة التي سوف تقدمها لي السيدة السمراء الجميلة، فإنها لن تكلفني شيئا سوى تناول فنجان قهوة وقليل من الوقت، وعندما أبديت اندهاشي متسائلا: وأنت ماذا ستكسب، فاجأني: لقد ربحت بالفعل شخص مثقف يحب الفن ويعشق مصر!

هذا هو الفنان الرقيق محب الحياة والفن والوطن، والذي تعددت لقاءاتي به في مكتبته وفي دار الأوبرا التي كان له مكتبا بها، وفي كل لقاء أنبهر بإنسانيته ونقائه غير المسبوق، وفي أحد اللقاءات كان يقول لي إنه يندهش من وجود "الشر" والبخل في حياتنا، اسمعوا هذه القصة العابرة: كان يصور مسلسلا كوميديا بعنوان "ناس وناس" عن شخصيات كاريكاتورية أبدعها فكر الكاتب الرائع أحمد رجب وصورها بالريشة الفنان مصطفى حسين، وتمكن السيناريست الصديق عاطف بشاي من تحويلها إلى لحم ودم، كان كامي يجسد شخصية "عزيز بك" المتعجرف المتعالي ـ وملامحه تخدع المشاهد بهذا ـ وكان في أحد المشاهد يتعجب أن الناس لا تأكل "السيمون فيميه" طعام الأثرياء، وبعد المشهد سأل أحد عمال الستوديو عن رأيه في أدائه، فرد العامل البسيط أنه رائع ولكنه لم يفهم معنى "السيمون فيميه" قال له كامي غدا أشرح لك، وفي اليوم التالي حضر إلى الستوديو ومعه حقائب ضخمة بها نحو 200 ساندويتش من الفيميه.. ألم أقل إنه فنان رقيق وإنسان نبيل.. رحمه الله.