تختلف نظرة الإنسان إلى الحب حسب سنوات العمر، فمن الحب الخجول أثناء المراهقة، إلى المشاعر المشتعلة في العشرينات، ثم تكوين الأسرة في الثلاثينات، والاستقرار في الأربعينات، والبحث عن الدفء والونس بعد الخمسين، لكن لماذا يعتبر المجتمع القلب خاضع للزمن كالجسد؟ هل يشيب القلب؟ وهل يمكن للحب أن يخضع لسلطان غير القلب؟ وهل يمكن أن يمنعنا العمر أو الظروف من الشعور به؟ وما صحة ما يراه البعض أن للحب وقتا مناسبا؟ أم هو نبض يطرق القلب بلا استئذان؟
تساؤلات عديدة نجيب عنها فى جولتنا التالية..
البداية مع شيرين وفائي، أستاذة جامعية فقد بدأت قصة حبها منذ طفولتها عندما أحبت ابن خالتها وأخفيا قصتهما عن أعين العائلة، واكتفيا بالرسائل والمكالمات التليفونية، وتقول: كان الأمر ممتعا، كانت قصتنا وحدنا لم نكن نريد لأحد أن يتدخل في هذه العلاقة خاصة وأنني أكبره بعامين، وعندما تقدم لخطبتى تفاجأ الجميع بالأمر، وكان هناك رفض خفي بسبب مسألة السن لكن تمسكه بي جعل حبنا أمرا واقعا تقبلته العائلة بمرور الوقت، فأكثر ما يعبر عن الحب هو تمسك الطرفين ببعضهما والتضحية بأي شيء من أجل هذا الحب.
زواج تقليدى
تزوجت السيدة "س" ربة منزل، في العشرين من عمرها زواجا عاديا مدبرا لم تستطع أن تقول إنها كانت تعيسة لكنها لم تكن سعيدة كذلك، كان الأمر روتينيا، زوجة مطيعة تقوم بواجباتها تجاه الزوج والأولاد، وبعد وفاة زوجها شعرت أنها حرة وأن قلبها عاد شابا وأن بإمكانها أن تحلم وتعيش من جديد رغم تخطيها الخمسين من عمرها، ولأنها كانت تحب الرسم قررت الذهاب إلى ورشة لتعلمه، وهناك التقت بمعلم الرسم الذي علمها لأول مرة معنى الحياة والحب، لكنها اصطدمت برفض الأبناء الذين اعتبروا هذا الحب خيانة لوالدهم الراحل، ولأنها لم ترد جرحهم وأدت سعادتها وودعت حبها.
أما وفاء، موظفة بأحد البنوك فقد عاشت قصة حب جميلة مع زميلها الذى أحبته أثناء مرحلة الجامعة، وبعد التخرج قرر الاثنان أن تكلل قصتهما بنهاية سعيدة فتقدم لخطبتها التى انتهت بالزواج، وتقول: كنا نقتبس حياتنا من الأفلام التي نشاهدها، ورغم مسئوليات الحياة والأولاد لم تخفت نار الحب بيننا لكنه أخذ طابعا أكثر هدوءا وصارت المحبة أعمق، ورغم ذلك لم تكن الحياة مفروشة بالورود أمام حبنا لكن كان هناك تنازل وتسامح بيننا لكي نعبر بحبنا كل العقبات.
تجارب الحياة
ترى الشاعرة عزيزة علي، أن الحب مثل الحزن والفرح لا يسقط بالتقادم، وتقول: الإنسان لا يفقد الإحساس بمشاعره إلا بالموت، لكن المجتمع يفرض قيوده وقواعده الظالمة أحيانا، وكأن الإنسان إذا تقدم به العمر يجب إعدامه كما يفعلون مع الخيول، وفي رأيي الخاص أنه إذا وجد الحب الحقيقي في أي سن لا يلتفت لرأي الناس أو غيره فالإنسان يعيش مرة واحدة وعلى هذه المرة أن تكون سعيدة.
أما الكاتبة نادية رشاد فتقول: بالطبع الحب يختلف من سن لآخر فالمشاعر تكون مشتعلة في العشرينات، بينما تقدم العمر وتجارب الحياة تثقلنا وتجعلنا أكثر نضجا وترددا فيما يتعلق بمسائل القلب لأن فكرة الحب الجديد تكون صعبة ومرهقة، ويتحول الحب الجامح الذي تدفعه الرغبة في الحياة وتكوين أسرة إلى رغبة في إيجاد ونس يكمل معنا مشوار الحياة.
ثقافة مجتمعية
من جهته يرى د. محمد سمير عبد الفتاح، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، أن المجتمع يلعب دورا خطيرا فيما يتعلق بالمشاعر والعواطف فما يكون مسموحا به من المجتمع في سن العشرين والثلاثين يصبح مرفوضا ومصدرا للسخرية أحيانا في مرحلتى الأربعين والخمسين، حتى أن أصحاب المشاعر نفسهم يشعرون بالخجل من هذا الحب لأنهم لا يستطيعون مواجهة المجتمع من عائلة وأولاد به، ويقول: لا يجب أبدا ربط المشاعر الإنسانية بالعمر لأنه لا حيلة للإنسان تجاه مشاعره، فمثلا في فترة المراهقة تبدأ المشاعر في شق طريقها إلى القلب فتحب الفتاة مدرسها مثلا ويحب الفتى زميلته، وهكذا مجرد حب بريء وخجول يرفضه المجتمع باعتباره مشاعر قد تؤثر على الدراسة أو قد تؤدي إلى أمر سيئ، لكن بعد العشرين تحتفي الأسرة بالعريس والعروس، وفي سن أكبر يصبح الأمر مستنكر وهكذا يصبح الحب ثقافة مجتمعية تحتاج للتغيير.
أما د. منار عبد الفتاح، استشاري الصحة النفسية فتقول: الحب مشاعر ليس لها وقت فهو جوهر الوجود، لكن نظرتنا له واحتياجاتنا منه تختلف باختلاف المراحل العمرية، فالمشاعر البريئة في الطفولة والمراهقة تأخذ شكلا أكثر حسية في فترة العشرينات حتى الثلاثينات ثم تبدأ في الهدوء وفقدان الحيوية في الأربعين، حتى الزواج عن حب تأتي مرحلة ما من عمر هذا الحب تحتاج إلى منشط وتصبح الكلمة الحلوة مهمة والحوار أهم من العلاقة الحسية، ويصبح اهتمام الطرفين ببعضهما أمرا أكثر ضرورة، لأن الإنسان بمرور الزمن يفقد حيويته وثقته بنفسه ويريد أن يشعر أكثر بأنه محبوب وأنه طرف في قصة، وأن حياته العاطفية لم تنته بعد.
ساحة النقاش