بقلم : إقبال بركة
فى رواية "فيرونيكا تقرر أن تموت" تأليف الكاتب البرازيلي "باولو كويلهو" وترجمة "ظبية خميس"، يخلص القارئ بعد انتهائه من قراءة الرواية أنه كلما كان الناس أسعد حالا زادت تعاستهم! وأن الناس يسمحون لأنفسهم بترف الجنون حينما يكونون في وضع يسمح لهم بذلك! ثم إن الإنسان لا يملك أن يحدد مستقبله ولابد أن يسلم قدره لخالقه، تبدأ الرواية في يوم محدد هو يوم 11نوفمبر 1997 ولحظة محددة عندما تقرر الفتاة الشابة فيرونيكا 24) سنة) الانتحار، رغم أنها تملك كل ما تتمناه فتاة في مثل عمرها، الجمال والمال ومحبه والديها والحرية، ورغم كل ذلك فهى ترى أن الحياة ما هى إلا مسألة انتظار للحظة المواتية للفعل.. الموت.. لقد حققت معظم ما أرادته من الحياة، ووصلت إلى خلاصة أن وجودها بلا معنى لأن كل يوم يشبه غيره، وقررت أن تموت، إنها تشعر بالعجز الكامل، فقد قرأت الصحف، وشاهدت التليفزيون، ورأت أن كل شيء كان مخالفا للصواب وهي لا وسيلة لديها لتصحيح مسار الأمور! ولسوف تمضي أيام حياتها المتشابهة وتأتي الشيخوخة ومعها الأمراض وفراق الأصدقاء ويزداد العذاب، كانت البداية عندما أثارها سؤال كتبه صحفى في مقالة بمجلة فرنسية مشهورة: 'أين تقع سلوفينيا'، وهي مواطنة من سلوفينيا، ويدفعها السؤال إلي أن تفكر في الانتحار، وسلوفينيا إحدى خمس جمهوريات جمهورية يوغوسلافيا، وهي تعيش في العاصمة "لجوبليانا". تفشل محاولة "فيرونيكا" للانتحار ولكنها تودع مستشفى عقلي، وفي المستشفى يساورها سؤال عبثي: هل الله موجود كما يؤمن والداها؟ ويسمع الكاتب الشهير "باولو كويلهو" عن حكايتها فيرغب في أن يكتب قصتها، فهو نفسه كان نزيل مصحة عقلية ثلاث مرات في الستينيات (مستشفى د. إيراس في ريو دي جانيرو، أى أنه مر بنفس التجربة، أو لعله أراد أن يقارن بين تجربيتهما، ولكنه يرجئ الكتابة ويعاهد نفسه أن يكتب ذلك الموضوع بعد أن يتوفى والداه، تودع "فيرونيكا" بفيليت، مصحة عقلية أسستها مجموعة من رجال الأعمال الأوروبيين عام 1991 بعد حرب الاستقلال الوطني، وفي المصحة نلتقي بعدة شخصيات، زيدكا (من الصرب) نزيلة المستشفى التى تعالج من اكتئاب أصابها بعد أن تركت زوج محب ومهتم بها جدا وأبناءهما ، لتبحث عن حبيبها السابق في أمريكا، رغم علمها أنه متزوج، و "د. إيجور" مدير المصحة الذي يعالجها بصدمة الأنسولين الممنوعة من الاستخدام تماما في المستشفيات العقلية، ورغم أنه يعلم أن ما يفعله مع زيدكا جريمة، لكنه يرى أنها وسيلة سريعة ورخيصة، ويقول لمساعديه: على كل من يهتم بحقوق المجانين؟!، ثم يضيف مطمئنا: لن يشكونا أحد، وفى المصحة تعود فيرونيكا إلى ممارسة هوايتها القديمة وتعزف البيانو.
ساحة النقاش