كتب : جلال الغندور
تترك تجربة الطلاق آثارا في نفسية من يخوضها، وبينما يستطيع البعض تجاوز تلك الأزمة يظل آخرون أسيرون لتجاربهم السابقة التى باءت بالفشل، ليبقى السؤال هل يمكن أن يصاب من مر بتلك التجربة بـ "فوبيا" تمنعنه من الزواج مرة أخرى خوفا من الفشل؟
في البداية تقول "سعاد ي": طلقت منذ 5 سنوات وبالرغم من أن زواجي لم يستمر سوى عام واحد إلا أنني أرفض خوض التجربة مرة أخرى فأنا الآن في موضع اتهام من الجميع حتى أهلي، فكيف لو خضت تجربة أخرى وكللت بالفشل؟ عندها سأثبت التهمة على نفسي.
وتتفق معها في الرأي "ياسمين م" وإن اختلف السبب بينهما نوعا ما، وتؤكد أن بعد معاناتها في تجربة الزواج قررت عدم خوض التجربة مرة أخرى ليس فقط بسبب الخوف من تكرار الطلاق لكن لأن الزواج أصبح يمثل لها تجربة سيئة في حد ذاته.
الرجل أكثر تأثرا
يقول د. محمد طه، استشاري الطب النفسي: بعد الطلاق يجب أن نقيم الأثر النفسي الذي يقع على الرجل والمرأة بسببه قبل التفكير فى تجربة زواج جديدة، وفيما يتعلق بالرجل فقد أكدت بعض الأبحاث أنه على المدى القصير يتأثر بصورة أكبر من المرأة خاصة في الأمور الحياتية اليومية والتدابير الذاتية، لكن على المدى المتوسط يتساوى الرجل والمرأة في الضغوط النفسية التي تقع على كل منهما، ويصاب الأول بعدم القدرة على الاندماج في المجتمع والعائلة وعدم القدرة على التواصل المجتمعي، كما يتعرض لضغوط نفسية واجتماعية والتي يمكن أن تؤدي إلى عدم قدرته على الاستقرار في عمله بشكل يجعله لا يستقر في وظيفة ثابتة، وكذلك يمكن أن يصاب بالإحباط واليأس بسبب إحساسه بالفشل في زواجه، وقد يصل الأمر به للانحراف وتناول المخدرات والخمور، وقد يصاب بالوحدة العاطفية لأنه يصعب عليه العيش دون شريكة حياة، بالإضافة إلى أنه يشعر بالرفض المجتمعي لأنه مطلق وهنا قد يشعر بالندم والذنب.
ويتابع: أما المرأة فتعاني تغير نوعية الحياة وتمر بمشاكل مادية خاصة إذا كانت حاضنة، ومن الناحية النفسية تعاني الإحساس بالوحدة العاطفية، بالإضافة لنظرة المجتمع المتخلفة لها والتى تجعلها أكثر عرضة للضغوط النفسية، إلى جانب إحساسها بالذنب والقلق تجاه أطفالها نتيجة الطلاق، وبشكل خاص إذا كانت من طلبت الانفصال، وقد تصاب بالاكتئاب نتيجة فقدان الحياة الزوجية ونهاية الاستقرار وغالبا ما تدخل في أمراض القلق والتوتر نتيجة للخوف من المجهول.
دعم نفسى
أما عن رفض الزوجين خوض تجربة الزواج الثاني فيقول د. طارق نصار، أخصائي الأمراض النفسية والعصبية: يعد الطلاق أحد أهم مسببات الضغوط النفسية والتي قد تؤدي إلى الاكتئاب، والتجربة السيئة والمؤلمة للزواج الأول قد تؤدي إلى عزوف الشخص عن الارتباط مرة أخرى لتجنب الإحساس بالألم النفسي والمشاعر السلبية والاستغناء عن الاحتياجات الجسدية والجنسية وهو ما يسميه الطب النفسي "التجنب المرضي لتجربة سيئة سابقة"، وقد نجد في بعض الأحيان عزوف المرأة عن الزواج الثاني لإحساسها بالمسئولية تجاه أولادها وتربيتهم، وفي كل الأحوال فإن المطلقين يحتاجون إلى دعم نفسي ومجتمعي كبير لاجتياز المرحلة النفسية التي يمرون بها بعد الطلاق مباشرة، لذا يجب على الأسرة تقبلهم ودعمهم نفسيا وماديا لاجتياز هذه المرحلة ومساعدتهم على أخذ القرار الصحيح في تجربة الزواج مرة أخرى.
نظرة المجتمع
تقول د. رشا محمد، أستاذ علم الاجتماع: ينظر المجتمع نظرة دونية لمن خاض تجربة زواج سابقة، وأنهم جميعا يخضعون لضغط مجتمعي منذ اللحظة الأولى بعد انتهاء الزواج، خاصة إذا كان هناك أولاد، ويتعامل المجتمع الشرقي مع السيدة المطلقة على أنها فشلت في الحفاظ على بيتها، وإن فكرت في الزواج مرة أخرى وكان لها أولاد يتعامل معها على أنها تخلت عن أولادها، وفي بعض الفئات المجتمعية قد تنالها اتهامات أخلاقية بمجرد زواجها للمرة الثانية، وقد تقل الضغوط على الرجل المطلق لكنه يظل يخضع لها بصورة أو بأخرى.
وتستطرد: معظم الرجال في مجتمعنا لا يقبلون الارتباط بسيدة مطلقة، وكذلك المطلق يكون غير مرغوب من الفتيات اللائي لم يخضن تجربة زواج سابق، وقد ينال الضغط المجتمعي الأرملة ما يجعلها تعزف عن الزواج مرة أخرى خوافا من فقدان الزوج الجديد وإثبات ما وصمها المجتمع به "شؤم" على من يرتبط بها.
ادعمي نفسك
ترى هبة أبو الخير، استشاري العلاقات والاستشارات الأسرية أن الانفصال مرحلة صعبة ومن الطبيعي أن نخاف بعده من تكرار التجربة خشية الفشل، لكن لا يجب أن نسمح أن يدمر الخوف حياتنا لأن معنى ذلك هو فقداننا للثقة في أنفسنا وقدرتنا على الاختيار مدى الحياة.
وتقول أبو الخير: يجب أن نكون داعمين لأنفسنا قبل طلب الدعم من الآخرين، وهناك العديد من الأسئلة التى يمكن أن تساعدنا إجابتها على تجاوز آثار التجربة السابقة واتخاذ القرار الصائب وتصحيح مفاهيمنا الشخصية مثل أهمية الزواج للفرد وما يمنعنه من الارتباط، وما إذا كان الوقت مناسبا لخوض التجربة مرة أخرى؟ والأهم الشخص الجديد مناسب لاستكمال الحياة معه أم لا؟ ونصيحتى أن تتوقف المطلقة عن المقارنة بينها والأخريات، وتجنب الاستماع للكلمات السلبية التى يرددها الناس نتيجة النظرة المجتمعية السلبية لها.
ساحة النقاش