امرأتان مستبدتان ! «2»
كتبت : سكينة السادات
حكيت لك الأسبوع الماضى طرفا من حكاية قارئى مدحت (45 سنة) ابن جارتنا فى كوبرى القبة الحاجة منيرة، والذى كان يتسم بالأناقة والمرح والابتسام الدائم، وكان طالبا متفوقا فى كلية الحقوق، وانتهت معلوماتى عنه عند أنه قد تخرج بتفوق، والتحق بالعمل فى شركة كبيرة، وأنه تزوج زيجة محترمة من فتاة ثرية جدا ويعيش حياة مرفهة!
وعندما دخل مدحت عندى وجدته رجلا كهلا كئيبا عابسا عكس ما كان فى بداية شبابه، وشرح لى الأمر بأنه منذ تزوج من عميلة ثرية تعرف عليها فى العمل حتى انهال عليه «القرّ» و«الحسد» والبعض اتهمه بأنه صائد شاطر عرف كيف يصطاد البنت الحلوة الغنية ويوقعها فى حبائله وأقسم أنه لم يوقعها لثرائها، ولكنه أحبها من كل قلبه وأنه كان يتمنى ألا تكون ثرية، لكنه قال أنه يعيش فى طابق من منزل تملكه أسرتها وأنهم هم الذين تولوا أمر زواجه وجهازه وأنه لم يدفع سوى مهر بسيط وشبكة على القد !
ولكن ماذا كانت شكوى مدحت وهو فى هذا العز والرفاهية؟
قال إنه اختنق من كلام الناس، وأنه أصبح لا يحتمل أن تكلفه زوجته بأى عمل عادى كأى زوج مثل إصلاح السخان الذى (انخرم) أو شراء أنبوبة بوتاجاز أو سحب فلوس من حسابها لأن فلوس البيت خلصت وصار يعتبر هذه الأعمال عبارة عن إذلال له وتطورت الأمور عندما رسب ابنه الكبير فى امتحان الثانوية واكتشف أن أمه تعطيه الكثير من المال دون أن يعلم والده، ولما واجهها بأنه يدخن ولا يذاكر ومعه شلة سوء قالت له:
- انت عاوزه يبقى محروم من كل حاجة زى انت ما كنت فى بيت أهلك وانت طالب ؟
وثار مدحت وغضب واعتذرت زوجته ولكن حدث مازاد الطين بلة .
قال قارئى مدحت .. ذهبت إلى عملى فوجدت أن الشركة قد عينت على رأس مكتب الشئون القانونية الذى أعمل به سيدة عبوس صارمة (لاتضحك للسنبلة) وتعمل من الحبة قبة وتتكلم كثيرا وتعيد وتزيد فيما تقوله عدة مرات!
جاملتها بقدر المستطاع ولم أقصر فى عملى ولكننى - غصبا عنى وكما ترين - صرت إنسانا حاملا للهم والمسئولية خاصة بعدما فشلت فى إبعاد ابنى عن تلك الشلة المشئومة وهددته بأنه إذا رسب مرة أخرى فى الثانوية فسوف أطرده من المنزل وعندها قال لى الولد بكل وقاحة وقلة أدب:
- تطردنى إزاى؟ دى ماما هية صاحبة البيت وماما عمرها ما زعلتنى فى حاجة! انت يا دادى مكبّر الموضوع خالص !!
واستطرد قارئى مدحت - يومها بكيت وأنا فى طريقى للعمل وقررت ألا أذهب إلى عملى إلا بعد أن أستعيد هدوئى فذهبت إلى إحدى المقاهى على النيل وتناولت فنجانا من القهوة ثم تماسكت وتضرعت إلى الله أن يهدى ابنى وأن يقدرنى على الصبر وتحمل الاختناق الذى اعانيه والاكتئاب الذى ينتابنى وعندما دخلت مكتبى فوجئت برئيستى فى العمل تفاجئنى بقولها:
- إيه الحكاية ؟ جاى متأخر ساعة كاملة ؟ هى دى عزبة أبونا؟ مواعيد العمل يجب أن تحترم
استغفرت ربى وقلت لها .. أنا آسف .. كان عندى ظروف .. أنا أول واحد باحترم المواعيد .. و ..
وقاطعتنى .. لا يا سيدى أنت بيه ومش محتاج وعايش ملك لكن الشغل شغل مافيهوش غنى ولا فقير.
واستطرد مدحت .. وجدتنى أنفجر فيها غصبا عنى .. عيب يا مدام .. أنا مش ملك ولا حاجة، أنا محامى فى المكتب زى بقية المحامين، من فضلك احترمى نفسك أنا مش ناقصك!!
وقامت الدنيا ولم تقعد وحولونى إلى التحقيق بتهمة شتم وسب رئيسة المكتب وتدخل كل الحاقدين وقالوا أننى أوشكت أن أضربها وهذا لم يحدث لكننى نعم . انفجرت صائحا بصوت عال لأننى كنت مخنوقا متعبا كارها لأى ضغط جديد على، وأخيرا هانت على كرامتى وتقدمت باستقالتى إلى رئيس الشركة، وانقطعت عن العمل، وتركت البيت والأولاد لغضبى الشديد من زوجتى وابنى الكبير وعدت إلى بيت أسرتى فى كوبرى القبة وحكيت لوالدتى الحاجة منيرة كل الحكاية فنصحتنى أن آتى إليك للنصيحة أنا مخنوق وأمى تقول أنها عين وصابتنى، ونصحتنى أن أنفذ ما تقولينه لى حرفيا !!
يا ابنى العزيز .. إنها عين وصابتك فعلا فأنا أؤمن بالحسد المذكور فى القرآن . أقول لك أول شىء أن تعود إلى بيتك وزوجتك المحبة المخلصة التى لم تقصد إهانتك بل هى مشتغلة بهموم الأولاد الثلاثة، وترجو المعونة فى هذه الأيام الصعبة .
وثانيا بعد أن تهدأ عد إلى عملك وتحدث إلى رئيستك عما كان يوجعك يومها وسوف تقدر الظروف وتسامحك فورا ... اعتذر لها.
ساحة النقاش