كتبت:مروة لطفى
معقولة ... كل هذا التخبط في حياتي !... ففي عامين فقط .. غير زوجي نشاطه التجاري ثلاث مرات بسبب القرارات الاقتصادية المتذبذبة !... فقد أولادى الثقة في كلام والدهم من جراء عدم ثباته على قرار يخصهم !.. تراجع رئيسي في العمل عن ترقيتي بعد تعرضه لضغوط من بعض الزملاء الكسالى !.. حتى كبار المسئولين بالدولة ألغوا عدة قرارات اتخذوها خلال بضعة ساعات من إصدارها نتيجة اعتراض البعض عليها .. هكذا أصبت و غيري بخيبة أمل..و افتقدنا الأمان فضلاً عن خوفنا الجارف مما تخبئه لنا الأيام و كله بسبب القرارات المتخبطة .. فإلى أين تأخذنا تلك القرارات ؟ و هل يكون التراجع عن بعضها إيجابي أحياناً ؟!
بدايتنا كانت مع بعض ضحايا القرارات المتخبطة منهم منى الريدى "موظفة" تقول : لاشك أن التخبط طغى على كل شيء في حياتنا مما انعكس سلباً على حياتى الأسرية .. فمنذ قيام الثورة و الاعتصامات لا تنتهي في الهيئة التى أعمل بها .. و للأسف مع كل اعتصام يصدر عدة قرارات خاصة بنظام العمل .. و ما إن أنظم نفسي و أحوال أسرتي وفقاً لقواعد و مواعيد العمل الجديدة حتى يأتى اعتصام آخر يجبر المسئولين بالهيئة على إلغاء قراراتهم السابقة إرضاءً للموظفين و فرض أخرى غيرها .. هكذا أجد نفسي في متاهة لا نهائية من التخبط مما ينعكس سلباً على نفسيتى فأثور على زوجي و أبنائي على أهون الأسباب .
ابنتي تدفع الثمن
عبير عبد الحق "ربة منزل" هي الأخرى تعاني عدم الاستقرار حيث تقول : يعمل زوجي بأحد الشركات العالمية , فكنا ننعم بوضع مادى لا بأس به مما أتاح لى فرصة إلحاق ابنتي بإحدى المدارس المعروفة بمصاريفها المرتفعة حتى وصلت للمرحلة الإعدادية .. المشكلة أن عمل زوجي أصبح على " كف عفريت " نتيجة تذبب القرارات الاقتصادية مما دفع الشركة للتقليل من الرواتب فضلاً عن تخوفنا من غلق مقارها بمصر مما بات يهدد مستقبل ابنتي التعليمي .. كما أن ما نعانيه من قلق يفرض علينا التراجع عن العديد من وعودنا فلم تعد تصدق كلامنا .
من القمة إلى القاع
إذا كانت القرارات المتخبطة تبدأ من القمة فتؤثر على القاع بمعنى أن ما يصدره المسئولين و يتراجعون عنه ينعكس على أحوال صغار الموظفين بل و كامل أسرهم.. فما المطلوب قبل اتخاذ القرار ؟ و متى يصبح التراجع إيجابيا ؟ و الأهم كيف نجنب أنفسنا وأبناءنا المخاطر النفسية الناجمة عن التخبط في القرارات
تقول النائبة ابتسام حبيب عضو مجلس الشعب السابق: أعتقد أن ما نعانيه من تخبط ناجم عن اتخاذ قرارات دون دراستها جيداً .. لذا أناشد جميع المسئولين أى كان موقعهم بالتأني و البحث الدقيق قبل إصدار أى قرارات .. و لا مانع من اللجوء للمستشارين إذا كانت هذه القرارات صادرة من جهة سيادية تجنباً للوقوع في أخطاء حتى لا يكون التراجع أمر اضطراري.
و رغم أن الرجوع للحق فضيلة بمعنى أن التراجع عن قرار خاطئ مطلوب و يضيف من مكانة صاحبه إلا أن زيادة القرارات المتراجع عنها تأتي بنتيجة سلبية , فتفقد المسئول مصداقيته ...
و تتفق الكاتبة المتميزة وفية خيري مع الرأى السابق و تضيف أن الأسرة المصرية لم تعد تعرف خطا مستقيما واضحا لتسير عليه بسبب القرارات المتخبطة التى تنعكس على الحالة الاقتصادية و من ثم يصعب على أى فرد الإقدام على مشروع غير محسوب العواقب .. حتى الوظائف تأثرت هي الأخرى ليصبح ضمان الاستقرار فيها حلم صعب المنال !.. لذا علينا إعادة حساباتنا حول مستقبل البلد ,و أناشد المسئولين بوضع خطة واضحة المعالم للمرحلة القادمة لإيقاف التخبط الذى نعانيه ..
الفراعنة أيضاً يتراجعون
يؤكد د. عبد الحليم نور الدين رئيس المجلس الأعلى للآثار سابقاً :على أن مشكلة العالم تبدأ من الإدارة حيث تتطلب قدرا من الخبرة , ففى كثير من الأحيان نجد شخصا متميزا في مجاله لكنه لا يملك الإمكانيات الإدارية التى تؤهله ليتولي منصبا قياديا و هو ما نعانيه.. فكثير ما يتم اختيار قيادات تفتقد فن الإدارة في موقع ما فتصدر قرارات غير مناسبة بسبب قلة الخبرة ثم تتراجع عنها،و لكي نتجنب ذلك التذبذب علينا إرساء قيمة العمل الجماعي و من ثم يأتى القرار بعد استشارة جميع الأطراف المتخصصة .
و يضيف نور الدين أن التراجع عن قرار خاطئ ليس عيباً بل قد يكشف عن قوة صاحبه.. بشرط أن يحدث هذا الخطأ في حالات قليلة،وأتذكر أننى خلال حياتى الوظيفية تراجعت مرتين عن قرارين اتخذتهما تحت ضغط نفسي فكان إلغائى لهما مصدر فخر أضيف لتاريخى الوظيفي ..
و جدير بالذكر أن المصرى القديم كان يعدل من قراراته إذا شعر بعدم رضاء شعبه عنها مما أسهم في بناء الحضارة المصرية القديمة التى كانت ولازالت حديث العالم أجمع ..فما يردده البعض من ديكتاتورية الفرعون الصحة
عارى تماما من الصحة .. فحينما ثار العمال في عهد رمسيس الثالث عند ما أصدر قراراً بتنصيب الأنصبة رجع فيه إرضاء لشعبه .. كذلك كثيراً ما تراجع الفراعنة عن قرارات أسرية خاصة بالزواج إذا لم تلقِ قبول .. فالقائد المصرى لم يكن ليحقق هذا الإنجاز العظيم لولا معرفته بكيفية اتخاذ القرار و تحديده للمواقف التى تحتم عليه العودة عنه ... و ليتنا نتعلم من أجدادنا .
مشروع اجتماعي
و يشير د.على ليلة أستاذ علم الاجتماع السياسي- إلى أهمية وجود مشروع محدد المعالم في إدارة البلاد حيث يساعد ذلك على تجنب التخبط .فعلى سبيل المثال أتذكر الرئيس السادات الذى كان لديه مشروع اجتماعي يسعى من خلاله للطريق الليبرالى حين قرر رفع الدعم أواخر السبعينيات حيث ثار الشعب مما أدى إلى تراجع السادات في قراره سريعاً رافضاً ترك بلده تحترق و هو ما عرف "بأحداث 18 و 19 يناير " و قد كان لذلك مردود إيجابي نتيجة رؤيته الثاقبة . أما ما يحدث حالياً على الساحة السياسية فهو ناجم عن عدم وجود طريق واضح نخطو نحوه مما أدخلنا في دائرة الحيرة .
و يؤكد ليلة على أن الوضع الحالى نتاج طبيعى لأى ثورة سلمية فدائماً يصاحب هذه الثورات خوف المسئولين في كافة المواقع على أماكنهم فيخضعون للمطالبات الفردية التى تحاصرهم مما يؤدى لتراجعهم عن العديد من قراراتهم لكن من يقرأ التاريخ يدرك أن الأوضاع سوف تؤول للأفضل خلال السنوات القادمة .. فقط علينا بالصبر و التفاؤل.
و ترجع د. فؤاده هدية أستاذ بمعهد الدراسات النفسية و الاجتماعية بجامعة عين شمس- حالة القلق و فقدان الأمان التى تفاقمت بين الكبار و الصغار على حد سواء إلى التخبط في اتخاذ القرار الذى لا يقتصر على السياسة فحسب بل يمتد إلى كافة مناحي الحياة فيكون الطفل أكثر تأثراً .. فعادة ما يرى غموضا فى العالم من حوله فيكتسب خبراته من خلال محاولة اكتشافه , فإذا وجد تغير من حين لآخر فى كلام و قرارات والديه دون مبرر منطقي انعكس ذلك سلباً على شخصيته فيصبح قلقاً طوال الوقت بالإضافة لمعاناته من خوف دائم تجاه المستقبل و المجهول .. و لتجنب ذلك على الأسرة التفكير جيداً قبل إعلان الصغير بأى قرار و إذا اقتضت الضرورة للتراجع يجب توضيح الأسباب بأسلوب مبسط كي يتفهمها الطفل بشرط عدم تكرار الموقف حتى لا تفقد الأسرة هيبتها في عيون أبنائها
ساحة النقاش