كتبت : إيمان الدربي 

اللقاءات الحميمة بين الزوجين تجدد الحب بينهما وتجعل كلا منهما قادرا علي تقبل الآخر كما هو بعيوبه وهفواته.

وهناك أمور كثيرة تجعل تلك العلاقة تفشل ربما .. عدم المكاشفة والمصارحة بين طرفي العلاقة عما يحتاجه كل منهما من الآخر من أحاسيس ومشاعر ترضيه.

وربما الأحداث العنيفة والقلاقل الأخيرة بالشارع المصري والآثار السلبية التي تتركها ، وبالتالي تؤثر علي العلاقة الجنسية بين الطرفين .. أو إصابة أحد الزوجين بالاكتئاب أو بمرض عضوي ما،

وبالتالي يمر العمر بهما ولا يتصارحان بما يحتاجه كل منهما من الآخر .

ويؤدي هذا لوصول العلاقة الزوجية إلي حافة الانهيار .. إنقاذ هذه العلاقة بين الزوجين .. موضوعنا

 

 

 

لتكن البداية مع بعض الأزواج وهم يسردون تفاصيل حكاياتهم 

نها - طبيبة بشرية - تحدثت معي عن بحثها الدائم عن الحنان والحب طيلة سنوات طويلة عاشتها مع زوجها .. نعم الحنان والحب ، فهي ليست مراهقة – علي حد قولها - ولكن طبيعة عملها الصعب يجعلها تشتاق للحظات يهمس لها زوجها بكلمات حب ويحتضنها بعينيه ويحيطها بمشاعر دافئة تفتقدها .

والآن تشعر بأن ينابيع الحب جفت بينهما وأن العلاقة الحميمية أصبحت بتفاصيل روتينية تفتقد للمشاعر والأحاسيس وذوبان روحين في نقطة وتكمل حديثها مؤكدة " أنها تشعر أن علاقتهما علي حافة الانهيار" ، و" أن زوجها الذي عاشرته لسنوات طويلة لم تعرفه جيدا كما ينبغي وهو أيضا كذلك فهي تعيش وحيدة بلا ونيس في بيت تملؤه المشاعر الباردة "

خالد - ناشط سياسي – تحدث معي عن حالة القلق والتوتر الذي تمر به البلاد وأخبار العنف والقتل والمظاهرات والأخبار المتناثرة عن وقوع عنف هنا وهناك ، وكيف أن هذا يؤثر علي علاقته الحميمة بزوجته والتي تكاد تكون منعدمة ، فهما يمران بحالة اكتئاب دائم وهو يشعر أن هذا يصل بعلاقتهم الزوجية لطريق مظلم 

أما نور فالتقيتها في إحدى قري المنوفية .. سيدة في الأربعين من عمرها تقريباً ، لديها قدر من الجمال ولكن لا يخفي علي كل من يراها مسحة الحزن التي تغلف عينيها . 

وقفت تشكي علي استحياء لإحدي عالمات الأزهر المرافقات قائلة:

" لدي ثلاثة من الأبناء كلهم في كلية الطب بسنوات مختلفة وزوجي يعمل في إحدى دول الخليج منذ ثلاثين عاما ، خلالها لم يزرنا سوي تسع مرات ، وللأسف لا نمارس العلاقة الحميمية إلا في أضيق الحدود ، متعللا بمرضه تارة وأخري بوقته المحدود ومشاغله التي لا تنتهي ، وأنا يا سيدتي أستحي من المجتمع الذي نعيش فيه بتقاليد يعيب علينا الحديث في مثل هذه الأمور ولا أعرف هل هو يزهدني أم أن هناك عائقاً نفسياً أو طبياً يمنعه من ممارسة العلاقة معي وهل من حقي التحدث أصلا في مثل هذه الأمور أم ماذا ؟ فهو دائما يتحدث معي علي أننا كبرنا علي ذلك وأنه لا يصح لي وأنا علي مشارف الأربعين التحدث في مثل هذه الأمور التي تناسب الفتيات الصغيرات .. وفي الحقيقة أشعر أنني لا أستطيع الاستمرار بهذا الشكل وأنا دائمة البكاء والاكتئاب ، وأريد طلب الطلاق " . 

 

خوف مرضي

أما السيدة نرمين - ربة منزل - تحدثت معي عن علاقتها التي تكاد تنهار لأن زوجها يعاني من مشكلات صحية تؤثر عليه بشكل كبير ولكنه يخشي علي نفسه ويتجنب العلاقة بينهما تماما ، ويتناسى حقوقها وما تحتاجه وتضيف قائلة: " يا سيدتي تلك العلاقة ليست احتياجا فيزيقيا فقط ، ولكنها ضرورية لتقبل الآخر الذي يعيش معك كما هو بعيوبه ومميزاته ، ثم أن هذه الأحاسيس والمشاعر المداعبة التي تسبق العلاقة تقرب بين الزوجين وتجعلهما كيانا واحدا بأحاسيس متلاقية .. قد يري البعض أن الحديث في مثل هذه الأمور عيب أو لا يصح في مجتمع شرقي ولكني أري المصارحة والمكاشفة أفضل من الوصول لنقطة اللاعودة " .

أخيرا تحدث معي أحمد - محاسب - بإحدى الشركات عن رغبته في الانفصال لأن زوجته أثناء العلاقة الحميمية تكون باردة المشاعر ولا تتجاوب معه ولا حتي تحاول العلاج ، وتري أنها ليست مريضة وأن هذه أمور لا تعيبها ، وفي الحقيقة ورغم وجود ثلاثة أبناء بيننا أشعر أننا نقترب من النهاية .

إذا كانت هذه بعض نماذج من حكايات ومشاكل أزواج اقتربت علاقتهم من الانهيار لتراجع العلاقة الحميمة ، فماذا عن رأي المتخصصين وما تفسير ذلك ؟ 

 

أصل الحكاية

دكتور سمير عبد العظيم - أستاذ الطب النفسي بكلية طب قصر العيني - أكد أن الأحداث التي تمر بها البلاد من عنف ومشاكل سياسية واقتصادية تؤثر بشكل مباشر علي إشارات المخ السلبية التي يقوم بإرسالها للمراكز الجنسية ، مما يؤثر علي الرغبة الجنسية للرجل والمرأة علي حد سواء . 

وأشار إلي أن المخ هو المتحكم الرئيسي في العلاقة الجنسية ويتأثر بالأحداث المحيطة ، فإذا كان ما يحدث في العالم الخارجي مخيفاً فإن المخ يتوقف عن إرسال إشارات إيجابية للعلاقة الجنسية ، فتستمر ضعيفة ، وعندما يسيطر علي الرجل والمرأة ظروف غير مريحة وتوتر من حولهما فلا يمكن أن يحدث بينهما علاقة جنسية .

وأوضح بأن المخ يضم منطقة هلالية تشمل مراكز متخصصة عن العملية الجنسية ، وتستقبل الحواس الخمس المؤثرات الخارجية ، منها اللمس والشم والتي  تصل إلى المراكز المتخصصة في المخ و التي تثير الرغبة و تهيأ للعملية الجنسية.

وأضاف د .عبد العظيم أن الغدد الصماء تلعب دوراً مهماً في العملية الجنسية ، فهي مسئولة عن إفراز هرمون التيستستيرون - هرمون الذكورة " المسئول عن الرغبة الجنسية لدى الرجل والمرأة، وإن كان يفرز لديهما بنسب متفاوتة ، فالرجل أكثر بكثير من المرأة

ويقول : إن الاكتئاب مرض منتشر يؤثر علي الرغبة الجنسية والرغبات الأساسية مثل الطعام والرغبة في النوم سواء بالزيادة أو النقصان ، ويؤدي أيضا للشعور بالحزن ، لذلك فإنه لا تجتمع الرغبة الجنسية والاكتئاب أبدا ، لذلك علينا أن نبتعد بقد الإمكان عن كل ما يثير بداخلنا التوتر والقلق مع توجه من يعاني من الاكتئاب للعلاج النفسي حتي يصبح لديه ميل للرغبة الجنسية .

 

 

ويتحدث د. إيهاب ماجد - أخصائي التنمية البشرية - عن نقطة أخري في قضيتنا ، وهي العادات المتبعة في العلاقة الحميمة بين الزوجين قائلا : "هناك خطأ مستمر يقع فيه الزوجان وهو عدم التمهيد لتلك العلاقة خلال التعامل اليومي  بينهما ، فالفكرة ليست وقت العلاقة ذاتها ، ولكن علي الزوجين التمهيد لتلك العلاقة من خلال كلمة رقيقة حانية أو هدية تعبر عن الاهتمام بمناسبة تخص الطرف الأخر ، أو حتى رسالة تليفونية بها كلمة حب تلهب المشاعر أو تصرف رقيق يعجب الطرف الأخر ، أقول هذه الكلمات وأنا أعي جيدا أن ما نعانيه من مشاكل واضطرابات في حياتنا وعملنا اليومي يجعل هذه الأمور صعبة ، ولكن بالتدريب يمكن عمل ذلك .

أيضا وقت العلاقة ذاتها فعلي الزوجين استخدام كل الحواس الخمس مع المداعبة للتمهيد لتلك العلاقة . 

 

الحياة الأمنية

أما د. أحمد عمر هاشم فقد كتب في قضيتنا قائلا: " عنى الإسلام بحقوق كلا الزوجين ، فجعل للرجل حقوقا وعليه واجبات ، وكذلك المرأة جعل لها حقوقا وعليها واجبات ، فالغاية المنشودة في الأسرة الإسلامية تتركز في حياة المودة والسكينة والهدوء والطمأنينة فتسكن الزوجة إلي زوجها ويسكن الزوج إلي زوجته ، وكما قال الله تعالي " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة " صدق الله العظيم 

إنها الحياة الآمنة التي لا تلاحقها المخاوف ويعيش فيها الزوجان كل منهما ستاراً للآخر يقي صاحبه الجنوح إلي الخطأ أو الانحراف فكل منهما في أشد الحاجة إلي صاحبه ، وهذا هو السر في التعبير القرآني " هن لباسا لكم وأنتم لباسا لهن " .

وللزوجة حقوقها المشروعة التي صانها الإسلام وحافظ عليها ودافع عنها وتلاحقت وصاياه بها لما لها من أهمية قصوى في حياة الأسرة  .

وكان من آخر ما وصي به رسول الله صلي الله عليه وسلم ثلاثا كان يتكلم بهن حتي تلجلج لسانه وخفي كلامه جعل يقول : 

" الصلاة  الصلاة ، وما ملكت أيمانكم لا تكلفوهم ما لا يطيقون ، واتقوا الله في النساء فإنهن عوان في أيديكم " يعني أسراء أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله . 

وكان رسول الله صلي الله عليه وسلم أرحم الناس بالنساء .

وكان صلوات الله عليه يزيد علي الاحتمال بالمداعبة والمزح والملاعبة تطييبا لقلوبهن .

 

 

برواز

تقدر المعدلات العالمية لمشاكل الرجال في العلاقة الحميمة من جميع الأعمار بـ 18.6٪ أي أن واحدا من كل خمسة رجال تقريبا يعانى من تلك المشكلة ، بينما تبلغ النسبة بين الرجال فوق سن الأربعين ٥٢٪ .

وأنه بالرغم من عدم توفر إحصائيات قومية عن نسب الإصابة بين المصريين فإن هناك مؤشرات تنبأ بزيادة الإصابة عن المؤشرات العالمية .

برواز

المرأة أكثر حساسية، تجاه الألفاظ والأحداث السلبية في علاقتها الزوجية ، مما يؤثر على قدرتها على الاحتمال والاستمرار في محاولة إنقاذ العلاقة الزوجية.

هذا ما أظهرته دراسة حديثة ، أجريت بجامعة أوهايو الأميركية، وأكدت أن  الاستمرار في علاقة زوجية مليئة بالمشاحنات، يؤثر سلبا على هرمون المرأة والرجل ، الأمر الذي ينعكس مباشرة على صحة وسلامة الطرفين‏ إلا أنه أشد حدة على المرأة.

 

ولاحظ الباحثون أن معدلات الوفيات المبكرة، تكون أعلى في صفوف الأزواج ، الذين لا يقومون بالتنفيس عن غضبهم ، مقارنة بمن يفعلون ذلك ، وأكدت الدراسة إلى أن مصدر تعلم كيفية التعامل مع الخلافات الزوجية ، نابع من الأسرة الأولى التي نشأ فيها الأزواج سابقا ، وتحديدا ما يتعلمه الأبناء والبنات من آبائهم ، من وسائل في كيفية التعامل مع الخلافات حين نشوبها.

وأن المفتاح للسعادة هو كيف يستطيع أحد الزوجين أن يحل الخلاف حين وقوعه ..

ولو أن أحدهما يكبت غضبه ويمضي على مضض فيه ويستاء من تصرف الشريك ، ولا يعلم أيضا آنذاك كيف يحل الإشكال الزوجي؛ فإن المتاعب تنشأ من هنا! ".

وأن المبادرة بالاعتذار لا تنقص من الكرامة كما يظن أغلب الأزواج، بل هي الوسيلة المثلى لإكمال مسيرة الحياة الزوجية، بمنأى عن الأمراض النفسية ، التي تتسبب فيها كثرة الخلافات، ويمكن أن تلاحق الشريكين حتى بعد الانفصال ، وأول خطوة يجب أن يتعلمها الشريكان ، في بداية مؤسستهما الزوجية، هي كيفية التنازل والتحكم في ردود الأفعال مهما كانت المشكلة كبيرة، لأن المسألة في النهاية ليست بحلبة صراع تجمع خصمين، حيث على كل منهما أن يثبت أنه الأقوى.

وتحث هذه الدراسة الأزواج على اتخاذ نمط بسيط ، نحو علاقة زوجية ناجحة، ألا وهو الدعم النفسي بين الزوجين لبعضهما البعض، كما ينصح علماء النفس الأزواج ، بضرورة تخصيص الوقت المناسب للإنصات لبعضهما، والتحاور البناء في مشاكلهما، وطرح وجهات النظر، من أجل الوصول إلى حل يرضي الطرفين.

ويفضل أن يتم حوار الشريكين بعيدا عن مسامع الأطفال، لأن مشاكل الأبوين من شأنها أن تدمر صحة الطفل النفسية والجسدية .

المصدر: مجله حواء ايمان الدربى
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 797 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,918,758

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز