كتبت : ايمان الدربي
ويظل مسلسل ترويع الأطفال واستغلالهم مستمراً.. ويبقي الإرهاب وأيادي التدمير تلاحق أطفالنا وتدمر نفسيتهم وتترك بصمات في تكوين شخصياتهم وتؤثر علي أفكارهم وأحاسيسهم بالأمان والطمأنينة.. وتزج بهم في اتجاهات سياسية متطرفة وهم لا يعون ما يفعلون.
الإرهاب واستغلاله للأطفال وتأثيره المدمر عليهم هو موضوع تحقيقنا..
البداية حديث مع مجموعة من الأطفال من شرائح سنية واجتماعية مختلفة عن أحاسيسهم بما يحدث حولهم من إرهاب وكيف يرون هذه التفجيرات الأخيرة التي تظهر هنا وهناك وما رأيهم في استغلال بعض منهم لمساندة اتجاهات سياسية معينة وهم لا حول لهم ولا قوة.
جنة خالد -طالبة بمدرسة تجريبية ابتدائية- تحدثت معي بتأثر شديد عن والدها الذي يعمل ضابطا وعن مخاوفها الشديدة عليه وكيف أنها ووالدتها في قلق مستمر خاصة عندما يتأخر في عمله لما تراه كل يوم من استشهاد لضباط من الشرطة والجيش وتسأل لماذا هذا الإرهاب البشع الذي ييتم أطفال الجنود والضباط ، ومتي نشعر نحن الأطفال بالاستقرار.
التقطت والدتها أطراف الحديث قائلة: ما هذا الذي يحدث؟ موت وخراب وتدمير وترمل لزوجات، لمصلحة من تشويه حماة مصر، نحن زوجات الضباط كل يوم نودع أزواجنا فاحتمالية استشهادهم قائمة وكأننا في حالة حرب.
هؤلاء الجنود والضباط أخواننا وأهالينا وأولادنا وأزواجنا جزء من نسيج هذا الشعب ولا يمكن أن يكون هذا هو جزاؤهم.
كمال طفل في الحادية عشرة من عمره يبيع المناديل الورقية في إحدى الإشارات القريبة من جامعة القاهرة.. تحدث بعفوية قائلا:
"أنا عارف كويس يعني إيه إرهاب فالمنطقة عندنا مليانة بالإرهابيين وكل شوية نسمع عن مشاكل وخناقات بين الأهالي وبعض منهم ،والإرهاب ده مشكلة فأنا وأمي ساكنين في زنين - في بولاق الدكرور- أصل أبويا مطلقها من زمن وحتي سمعنا انفجاراً في بيت قريب مننا وهما بيعملوا قنابل وقتها أنا وأمي اترعبنا ده غير الخناقات والمشاكل كل يوم والتاني .
وبجد رغم أنا متربي في الشارع ألا أني بتقبض ونفسي بيضيق لما بشوف الحاجات دي وعلي فكرة أيام المشاكل التي كانت أمام الجامعة حدثت خناقات ومات ناس كتير وأطفال كتير اتصابوا وأضروا".
مجتمع أمن
أحمد علي حسين -طالب ابتدائي- في إحدي مدارس اللغات أثار نقطة أخري قائلا: "أشعر أن بلدي غير أمن وأني في مناخ ومجتمع لا يوفر لي الحماية وأننا في كل لحظة معرضين لمشكلة سواء في المترو أو في الشارع أو حتي أثناء شراء احتياجاتنا وما أسأل عنه كيف لهؤلاء أن يفعلوا هذا رغم أن كل الأديان السماوية تحرم العنف والدمار، وما أريده أن تتوقف كل هذه التفجيرات والمشاكل والمظاهرات وأن تعيش مصر في أمان كما كانت وأن يخفف الإعلام من التركيز علي هذه الأفعال التي تثير الذعر في نفوسنا وتؤثر علي أحاسيسنا بالطمأنينة والأمان"
مستقبل..يخوف
نورا فتاة أخري من أطفال الشوارع تقوم بتنظيف السيارات قالت لي: "علي فكرة أنا بخاف جدا لما بشوف التفجيرات في التليفزيون وبقلق من بكرة وبحس أن المستقبل يخوف وأن اللي جاي سييء لأن دا بيؤثر علي شغلنا والرزق بيكون قليل لأن الحركة بتبقي قليلة والناس بتخاف وبتجلس في البيوت وعرفت أن فيه ناس بيجمعوا بعض أطفال الشوارع ويدخلوهم معاهم في حكاياتهم ويدوهم فلوس ويشحنوهم ويستخدموهم وهما مش فاهين حاجة، إنما ده رزق لينا ولا يمكن نقول لا عليه".
وأخيرا تحدثت مع السيدة رضوى محمد–ربة منزل- عن موضوعنا وعلاقة الإرهاب وتأثيره علي الأطفال فأكدت أنها تعاني الأمرين من هذه المشكلة فقد كانت هي وابنتها سما الصغيرة في محطة مترو جمال عبد الناصر وأثناء ذلك سمعا صوت انفجار وعرفت أنها قنبلة بدائية وقد أصيب الركاب بالذعر ومنذ ذلك الحين والبنت تعاني نفسيا فهي تحلم بكوابيس وتخاف من الظلام وتسأل عن الانفجارات وهل يمكن أن تحدث داخل منزلهم؟
استغلال الأطفال
والسؤال الآن عن الجهات المعنية بالطفل وحقوقه وكيف يري القائمون عليها ما يحدث من إرهاب؟
البداية من مرصد مكافحة الاستغلال السياسي للأطفال بالمجلس القومي للطفولة والأمومة، عندما تلقي مسئولو خط نجدة الطفل 16000 بلاغا عن استغلال الأطفال كدروع بشرية لمواجهة الشرطة مع بعض الأهالي في محافظة الجيزة وأن الأطفال كانوا يمشون في مسيرات رافضة للدستور في قرية المنصورية مع بعض الأهالي وأن هؤلاء الأطفال تم استغلالهم وتعرضوا للخطر خاصة عندما حدثت اشتباكات مع قوات الأمن.
د . عزة العشماوي -الأمين العام للمجلس القومي للطفولة والأمومة- تحدثت عن الإرهاب وتأثيره النفسي والبدني علي الطفل وحذرت بشدة من استغلال أطفال الشوارع تحديدا كدروع بشرية في العمليات الإرهابية وخاصة وأن المجلس أجري دراسات أكدت وجود انخفاض ملحوظ في أعداد أطفال الشوارع وتغيير هيئتهم وملابسهم خاصة أيام الجمعة .
وأدانت "العشماوي" بشدة الإرهاب والتفجيرات التي حدثت وأن ما يحدث يتنافي مع كل الشرائع السماوية والقيم الإنسانية وأن علينا جميعا التصدي للإرهاب والوقوف أمامه.
وأضافت أن المجلس من خلال خط نجدة الطفل 16000 يتلقي كل البلاغات الخاصة بتعرض الأطفال للخطر أو استغلالهم سياسيا، وأن غرفة عمليات المرصد بالمجلس تتعامل مع البلاغات التي ترد اليها بحيادية وشفافية بغض النظر عن الاتجاهات .
وأثناء احتفالات 25 يناير كان المجلس من خلال غرفة عمليات مكافحة الاستغلال السياسي للطفل بمقر المجلس يتابع في كافة الميادين والتجمعات علي مستوي الجمهورية من خلال فرق العمل الميداني وبالتعاون والتنسيق مع قطاع حقوق الإنسان بوزارة الداخلية لمكافحة الاستغلال السياسي للطفل، وكذلك لرصد وتحليل كافة الظواهر والمشاهدات المتعلقة بمشاركة الطفل في الاحتفالات مع ذويه أو حتي وقائع استغلال الأطفال في أي أعمال عنف أو في مظاهرات أو مسيرات.
وأنه بعد إقرار دستور مصر بما فيه من إلزام لحماية الأطفال المعرضين للخطر علينا أن نقف جميعا سويا لحماية هؤلاء الأطفال وتوجيههم وعلي الدولة إيجاد حلول جديدة لحل مشكلة أطفال الشوارع.
شدد أحمد مصيلحي محامي - الدفاع عن أطفال مصر- علي أن إدخال الطفل في اشتباكات مباشرة بين المواطنين وبين قوات الأمن في غاية الخطورة علي المجتمع المصري ويشكل أعادة هيكلة له ويأخذه إلي التفكك والهاوية.
وأن مصر قد ضحت بالكثير من أطفالها منذ أول يوم من ثورة يناير 2011 وحتي الآن.
ولم يتوقف الأمر عند مفارقة العديد من الأطفال لحياتهم بل تطور للمتاجرة بهم أثناء التظاهرات والاشتباكات المتواصلة.
وأشار إلي الجهود المبذولة في الدفاع عن أطفالنا عند رصد أي مخالفة للقانون ضدهم سواء داخل المنازل أو دور الأيتام أو أقسام الشرطة أو في أي مكان .
مؤكدا الرفض باتهامهم أو الزج بهم في القضايا ذات الطابع السياسي .
معاش للأطفال
وطالب مصيلحي بتوفير الرعاية الصحية اللازمة للأطفال وحماية الأطفال فاقدي الرعاية العائلية وتوفير معاش مناسب للأطفال فاقدي من يعولهم بالإضافة لتبني قضايا الأطفال ذوي الإعاقة.
وأعرب عن الاستعداد لمشاركة كافة الجهات لوضع خطة للقضاء علي ظاهرة أطفال الشوارع وعمالة الأطفال .
قوانين الحماية
وأضاف أنه تم مطالبة كافة المؤسسات الحكومية بتوفير الحماية للأطفال ووقف أي صورة من صور استغلالهم في الأحداث السياسية وخاصة عندما تتحول مشاركتهم إلي تعرض حياتهم للخطر وهو أمر يمنعه ويجرمه القانون رقم 12 لسنة 1996 والمعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008 .
فعندما تظهر الأطفال في الأحداث حتي ولو كانوا يحتفلون خطأ واضح لاحتمال تعرضهم للخطر وهذا احتمال كبير في ظل الأحداث الحالية مشيرا إلي أن الأطفال أقل من 15 سنة أضفي لهم القانون حماية خاصة .
كذلك صرح محمود البدوي المحامي ومسئول غرفة عمليات المرصد بالمجلس القومي للطفولة والأمومة أن الشعب المصري في حالة إصرار علي تحدي الإرهاب بتكثيف التواجد في كل الشوارع والميادين بإقرار مسيرة التحول الديمقراطي محطة تلو الأخرى لحماية أسرنا وأطفالنا.
وأشار دكتور هاشم بحري أستاذ الطب النفسي إلى بناء شخصية الطفل وكيف يؤثر مناخ العنف علي هذا البناء مؤكدا أنه عندما يري الطفل هذا العنف قد يعتقد أن هذا شي طبيعي ويمكن ممارسته فيصبح شخصاً عنيفاً حاد الطباع.. عدواني النزعة.. أيضا يجب أن يشرح الآباء والأمهات ما يراه أو يسمعه الأطفال من أحداث عنيفة بطريقة مبسطة وعليهم ألا يتركوا أطفالهم يتعرضون لمشاهد عنيفة ومسيرة بمفردهم، ويفضل ألا يعرض الأطفال للمشاهد العنيفة التي لا يتحملوها .
أما دعاء عباس المحامية ورئيس الجمعية القانونية لحقوق الطفل والأسرة فقد أدانت تفجيرات مديرية أمن القاهرة وشارع الهرم ومحطة البحوث بالدقي والتي أسفرت عن استشهاد خمسة من رجال الشرطة والمواطنين الأبرياء بالإضافة للإصابات الأخرى.
وأضافت عباس أن هذا الإرهاب تجاه الشعب وجنود الجيش والشرطة يعد انتهاكا للحق في الحياة التي نصت عليه كل المواثيق الدولية والشرائع السماوية أيضا
وعلي المجتمع الدولي إدانة هذا الإرهاب وخاصة لما يحدثه من قتل وحرق وأحداث الرعب والخوف في نفوس الأطفال داخل المجتمع المصري وخارجه أيضا .
وأكدت أنه كلما زادت العمليات الإرهابية زاد إصراراً الشعب المصري علي محاربة الإرهاب والقضاء عليه لتأثيره المدمر والسلبي علي أطفالنا.
.
<!--
ساحة النقاش