إن أبواب التطوع بالخيرات واسعة وكثيرة، ولم يضيق الله علي عباده فيها، والمؤمن البصير هو الذي يتخير منها ما يراه أليق بحاله، وأوفق بزمانه وبيئته.

يحرص بعض المسلمين على أن يحجوا كل عام، وأن يعتمروا أيضاً أكثر من مرة فى العام بينما هناك الكثيرون ممن يحتاجون إلى مساعدتهم ماديا، أليس أولى أن يبذلوا ما ينفقونه فى تكرار الحج والعمرة على مثل هؤلاء؟

نوران محمد صفوت - مهندسة معمارية

- يؤكد فضيلة الدكتور أحمد عمر هاشم - عضو مجمع البحوث الإسلامية أنه ينبغى فى البداية أن يعلم كل مسلم أن أداء الفرائض الدينية هو أول ما يطالب به المكلف، وبخاصة ما كان من أركان الدين، كما أن التطوع بالنوافل مما يحبه الله تعالى، ويقرب إلى رضوانه وفى الحديث القدسى الذى رواه البخارى ما تقرب إلى عبدى بمثل أداء ما افترضته عليه، ولايزال عبدى يتقرب إلىَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به، وبصره الذى يبصر به».

ولكن ينبغى أن نضع أمام أعيننا القواعد الشرعية التالية.

أولا: أن الله تعالى لايقبل النافلة حتى تؤدى الفريضة، وبناء عليه، نرى أن كل من يتطوع بالحج أو العمرة وهو - مع هذا - يبخل بإخراج الزكاة المفروضة عليه كلها أو بعضها، فحجه وعمرته مردودان عليه.

وأولى من إنفاق المال فى الحج والعمرة أن يطهره أولاً بالزكاة،

ومثل ذلك من كان مشغول الذمة بديون العباد من التجار وغيرهم ممن باع له سلعة بثمن مؤجل فلم يدفعه فى أوانه، أو أقرضه قرضاً حسناً فلم يوفه دينه، فهذا لايجوز له التنفل بالحج أو العمرة قبل قضاء ديونه.

ثانيا: أن الله لايقبل النافلة إذا كانت تؤدى إلى فعل محرم، لأن السلامة من إثم الحرام مقدمة على اكتساب مثوبة النافلة. فإذا كان يترتب على كثرة الحجاج المتطوعين إيذاء لكثير من المسلمين، من شدة الزحام مما يسبب غلبة المشقة، وانتشار الأمراض، وسقوط بعض الناس هلكى، حتى تدوسهم أقدام الحجيج وهم لايشعرون، أو يشعرون ولا يستطيعون أن يقدموا أو يؤخروا - كان الواجب هو تقليل الزحام ما وجد إلى ذلك سبيل.

وأولى الخطوات فى ذلك أن يمتنع الذين حجوا عدة مرات عن الحج ليفسحوا المجال لغيرهم، ممن لم يحج حجة الفريضة.

ثالثا: أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وخصوصا إذا كانت المفاسد عامة، والمصالح خاصة.

فإذا كانت مصلحة بعض الأفراد أن يتنفل بالحج أو العمرة مرات ومرات. وكان من وراء ذلك مفسدة عامة للألوف ومئات الألوف من الناس المحتاجين للمعونة المادية التى تساعدهم فى العيش بكرامة فإن الوقوف بجانب هؤلاء أولى وأفضل ثواباً فهناك الصدقة على ذوى الحاجة والمسكنة، ولا سيما على الأقارب وذوي الأرحام فقد جاء فى الحديث: «الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذى الرحم ثنتان: صدقة وصلة وقد تكون نفقتهم عليه واجبة إذا كان من أهل اليسار وهم من أهل الإعسار. وكذلك على الفقراء من الجيران، لما لهم من حق الجوار بعد حق الإسلام، وقد ترتفع المساعدة المطلوبة لهم إلى درجة الوجوب، الذى يأثم من يفرط فيه. ولهذا جاء فى الحديث: «ليس بمؤمن من بات شبعان وجاره إلى جنبه جائع».

وهناك الإنفاق على الجمعيات الدينية، والمراكز الإسلامية، والمدارس القرآنية، والمؤسسات الاجتماعية والثقافية التى تقوم على أساس الإسلام، ولكنها تتعثر وتتخبط لعدم وجود من يمولها ، وإخفاق كثير من المشروعات الإسلامية ليس لقلة مال المسلمين، فمن الأقطار الإسلامية اليوم مايعد أغنى بلاد العالم، ولا لقلة أهل الخير والبذل فيهم، فلازال فى المسلمين الخيرون الطيبون، ولكن كثيرا من البذل والإنفاق يوضع فى غير موضعه.

ولو أن مئات الألوف الذين يتطوعون سنويا بالحج والعمرة رصدوا ماينفقون فى حجهم وعمرتهم لإقامة مشروعات إسلامية أو لإعانة الموجود منها، ونظم ذلك تنظيما حسناً، لعاد ذلك على المسلمين عامة بالخير وصلاح الحال والمآل.

هذا ما أنصح به الإخوة المتدينين المخلصين الحريصين على تكرار شعيرتى الحج والعمرة أن يكتفوا بما سبق لهم من ذلك، وإن كان ولابد من التكرار، فليكن كل خمس سنوات، وبذلك يستفيدون فائدتين كبيرتين لهم أجرهما: الأولى توجيه الأموال الموفرة من ذلك لأعمال الخير والدعوة إلى الإسلام، ومعاونة المسلمين فى كل مكان من عالمنا الإسلامى، أو خارجه حيث الأقليات المسحوقة.

الثانية توسيع مكان لغيرهم من المسلمين الوافدين من أقطار الأرض، ممن لم يحج حجة الإسلام المفروضة عليه.

الصدقة الجارية

ما أوجه الصدقة الجارية؟ أو ما هى الأعمال التى تندرج تحت مسمى الصدقة الجارية؟

«رقية عبدالحميد ربة منزل».

يجيب عن هذا السؤال فضيلة الشيخ محمود عاشور - وكيل الأزهر الشريف سابقا - بقوله: من فضل الله تعالى على عباده أن جعل لهم ومن الأعمال الصالحة: الصدقة الجارية التى تظل موجودة ينتفع بها مدة من الزمن، فيجعل الله لها من الثواب ما يصل إلى صاحبها حياً كان أو ميتاً، وفى صحيح البخارى أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: قال: «ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة».

ومقتضى الحديث - كما ذكر العلماء - أن الثواب ذلك مستمر ما دام الغرس أو الزرع مأكولا منه ولو مات غارسه أو زارعه، ولو انتقل ملكه إلى غيره.

وقال عليه الصلاة والسلام: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له».

وجاءت آثار كثيرة ثبين ألوانا من الصدقة الجارية، مثل توريث المصحف، وبناء المساجد والمدارس والمستشفيات، وشق الترع والقنوات، وإقامة المضخات المائية، وسواء عملها الإنسان فى حياته أو عُملت باسمه بعد مماته من أهله وأقربائه فإن الثواب يصل إلى الحى والميت.

أما العلم الذى يُنتفع به فهو على العموم ما يتصل بالعقيدة والعبادة والمعاملة والحياة، ، فكل من دعا إلى هدى وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر أو علَْم الناس صنعة ينتفعون بها أو اكتشف علاجاً لمرض أو نظرية علمية تيسر للناس سبل معيشتهم وهو مؤمن مسلم فإن ثواب عمله يتواصل له بعد مماته، وكذلك نشر الكتب وطباعتها، أما الولد الصالح فهو نعمة لأبيه فى الدنيا والآخرة، ودعاء الآباء لأبنائهم أو دعاء الأبناء لآبائهم هو من الدعاء المستجاب، لأنه أنقى الدعاء وأصفاه وأخلصه.

فمن مات له عزيز فليدع له، وليتصدق عليه، وليتحر الصدقات التى يمتد نفعها وتبقى زمنا طويلا حتى يتعاظم الأجر، وليس للصدقة مقدار معين أو زمن خاص، وكل إنسان يقدم ما يستطيعه قل أو كثر، وقد قال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: «اتقوا النار ولو بشق تمره»

المصدر: أمل مبروك - مجلة حواء
  • Currently 75/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
25 تصويتات / 3134 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

23,335,085

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز