عندما تنفرط شهور العام وتحل هذه الأيام أتذكر أحداثا وذكريات ومواقف ليست جميعها مفرحة ، بل فيها ما يستدعى أن نتوقف عندها لنعطيها ولو قليلا مما نحمله لها من حب يغمر قلوبنا إلى الأبد . وإلى صاحب القلم الذى غاب د. على شلش ولذا فى هذا الشهر لا يغيب عنى ذكره والتحدث بمآثره المتعددة فى جميع المجالات ، خاصة مجالات الأدب والنقد وأراه وقد أسعد القارىء بتناوله لمحتوى هذا الكتاب الذى بين يدى وطبعه النادى الأدبى الثقافى بجده ، وهو كتاب «علامات استفهام» وفيه نجد هذه البداية الشيقة والحديث على لسان الدكتور على شلش فى مستهل مقالاته .. ذات مرة روى الكاتب المسرحى الفرنسى - الرومانى الأصل - أوجين أونيسكو واقعة طريفة عن صحفى شاب استقوقفه وهو متجه لحضور أحد المؤتمرات وسأله :

- ما رأيك فى الموت ؟

وبهت أونيسكو كما يقول ، ووقف ، ثم وضع حقيبة أوراقه على الأرض ، وأخرج منديلا ليجفف عرق وجهه الناتج من حرارة الجو . ونظر إلى الصحفى الشاب وقال له :

- أعطنى مهلة عشرين عاما حتى أجيب عن سؤالك .

ثم علق على هذه الواقعة بقوله :

- إن الناس يتوقعون من الكتاب جواباً عن أى سؤال . ولكننى لا أكتب كى أجيب عن أسئلة ، وإنما أكتب كى أطرح أسئلة، والحديث هنا للدكتور شلش، وأعتقد أن جواب أونيسكو وتعليقه صحيحان . فنحن نكتب فى معظم الأحيان كى نثير أسئلة . وبعض هذه الأسئلة مثل سؤال ذلك الصحفى الشاب ، يحتاج الجواب عنها زمنا يتفاوت . بتفاوت عمقها ، واتصالها بالوجود . والسؤال الفلسفى يختلف عن السؤال العلمى ، وهذا يختلف عن السؤال الأدبى ، وهكذا . ومادمنا ذكرنا السؤال الأدبى فلابد أن نذكر أنه أخف الأسئلة - على أى حال إذا قيس بزميليه المذكورين . وحتى هذا السؤال الخفيف لا نملك له جوابا فوريا أحيانا وجوابه نسبى أحيانا أخرى ، يختلف من زمان إلى زمان ومن مكان إلى آخر . ولكن السؤال أهم من الجواب فى معظم الأحيان ، لأن طرحه يدعو إلى التفكير ، والتفكير رياضة عقلية وواجب إنسانى . وكلما إزدادت الأسئلة اتسع مجال التفكير ، واغتنى العقل . حتى لو لم يتوصل العقل إلى جواب سريع ، أو عجز عن الجواب.. من حسن الحظ إذن أن الأسئلة المتصلة بالأدب والنقد ليست من النوع العويص ، ولا تشكل للأديب أو الناقد امتحانا حرجا ، ولكنها ضرورية ضرورة الأدب والنقد ونافعة للسائل والمسئول .

وكل ما أرجوه أخيرا لهذه التساؤلات هو أن تجد صدى عند القارىء ، وأن يكون هذا الصدى مختلف عن صدى سؤال الصحفى الشاب عند أونيسكو المسكين.

 

 

 

المصدر: عرض سعاد شلش - مجلة حواء
  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 772 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,887,391

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز