أنتهت الصحف و المجلات من نقل أخبار الموضة العامية، تبدأ فى الحديث عن عروضنا المحلية،و ماحدث فى هذا الموسم هو نفس يحدثفى كل موسم بعد العروض. عاصفة من النقد و الهجوم على العروض المحلية و على المشرفين عليها، دون أن يفكر أحد فى الجهود المبذولة و الامكانيات الضئيلة و الدائرة الضيقة التى يعيش فيها العاملون فى ميدان الموضة.
و قد فكرت أن أكتب فى هذا الموضوع و ليس الهدف هو مدح المشرفين على بيوت الازياء أو حتى مجرد الدفاع عنهم،و أنما بهدف السعى وراء الحقيقة و تصحيح الاوضاع، ذلك أن النقد و أن كان يهاجم الا أنه لا يقترح الحلول المناسبة.
معاهد للموضة
و هناك أصوات ترتفع مطالبة بأن تكون الموضة قاهرية مائة فى المائة.و يقترح أصحاب هذا الرأى أن يستوحى المصممون موديلاتهم من حياة القرية و المدينة، الى جانب تراثنا القديم و تاريخنا العريق. ثم يجروا تحويرات فيها تتفق مع الاتتجاه العالمى و روح العصر الذى نعيش فيه.و معنى ذلك أننا نستطيع أن نخرج بأزياء وطنية أو قومية اذا أخذنا بالجزء الاول من هذا الرأى. أما أن نحقق الهدف كاملا فهذا حلم بعيد التحقيق. معنى هذا أننا نطالب المصممين العرب بأن يكونوا فى مثل عبقرية سان لوران و بالمان دون أن نعطيهم أى أساس أو أمكانيات.
أن مثل هذا القول يدل على أننا نجهل تماما أن التصميم موهبة و فن و دراسة و علم و أنه لا يمكن لاى شخص مهما كانت موهبته أو أستعداده أن ينجح فى هذا المجال دون أساس من الدراسة و المعرفة اذن، كيف يمكن أن نخلق جيلا من مصممى الازيء؟
... هذا يتطلب منا أولا و قبل كل شئ أن نهتم بانشاء معاهد للتصميم كما يحدث فى كل الدول المتقدمة.و أن تشمل الدراسة الناحيتين النظرية و العملية.
فيتعلم الدارسون وضع أجزاء الجسم المختلفة،و كيفية اخفاء عيوب الجسم و فن الرسم،و تاريخ الازياء فى البلاد المختلفةحتى يكتسبوا الوعى و النضج. كذلك فان عليهم أن يقضوا عدة أشهر فى نقل الموديلات التى قام بتصميمها عباقرة الموضة ليفهموا كل خط من خطوطها،و أسبابه،و مميزاته،و نقط الضعف فيه،و الى جانب ذلك يتلقون دروسا فى التفصيل و الحياكة و تناسق الالوان و الاقمشة المختلفة و تكوينها و خصائصها و تكون بداية المرحلة العلمية بمحاولة تحوير موديلات المصممين الاخرين أو تحوير الازياء التاريخية حسب الاتجاه العالمى.
ولا شك أن هذه المرحلة هى أهم المراحل بالنسبة لمستقبل الطالب فهى تحدد مدى استعداده و فنه و عبقريته، ثم أنها كفيلة بتحقيق الجزء الاول من الرأى السابق بعد ذلك تأتى المرحلة النهائية،و فيها يقوم الطالب بحولات خارج المعهد، فيطوف بالحدائق و المتاحف و القرى بحثا وراء الافكار الجديدة وصقلا لمواهبه و تفتحا لامكانياته،و كل ذلك يهيئ له فرصة التصميم و الابتكار،و من المفروض أن يضم المعهد أقساما مختلفة مثل قسم أزياء المسرح،و الازياء التاريخية و الازياء الحديثة،و تصميم الاقمشة، الى غير ذلك من فنون الازياء.
و هذا النوع من المعاهد يوجد فى كل بلاد العالم المتقدمة،و يختلف نظام الدراسة من معهد الى آخر، هناك معاهد تقدم دراسات سريعة و وجيزة،و هذه يلتحق بها كل من يكون لديه استعداد حقيقى أو من يكون قد عمل فى هذا المجال عدة سنين أو من يكون حاصلا على شهادة الفنون التطبيقية أو الفنون الطرزية،و هناك معاهد تمتد فيها الدراسة سنتين أو ثلاث سنوات،و هى التى تكون فيها الدراسة ملمة بكل الجوانب.
و املى أن تهتم الدولة بانشاء مثل هذه المعاهد فى بلادنا، فقد أصبحت ضرورية بعد أن تقدمت صناعة الغزل و النسيج فى السنين الاخيرة. ذلك أننا لو أعطينا هذا الفن اهتماما كافيا بالتشجيع و توفير الامكانيات، لاستطعنا أن نصدر أقمشة كاملة التصنيع على شكل فساتين و بلوزات و معاطف الى الاسواق العالمية.
مسئولية الجمهور
و هناك نقطة أخرى أريد أن أتحدث عنها،و هى أننا نلقى بكل اللوم على عاتق المصممين بينما الجمهور فى الحقيقة يتحمل الجانب الاكبر من هذه المسئولية. فليس هناك مستوى فى الوعى أو الاختيار أو الذوق، الامر الذى يسلم بيوت الازياء للحيرة،و يجعلها مضطرة للنزول الى مستويات الاذواق العادية حتى تجد فرصة الحياة.. و هذا ما يؤدى الى انخفاض مستوى هذا الفن فى بلادنا سنة بعد أخرى.
اننى أعيش فى عالم الازياء.و قد تعاونت مع بيوت أزياء محلية و عالمية فى تنظيم عروض كثيرة خارج البلاد و داخلها،و قد لاحظت مع الاسف أنه كلما كان الزى معقدا و قبيحا حاز إعجاب الجمهور فى بلادنا وزادت مبيعاته بينما الازياء البسيطة المدروسة لا تجد من يقبل عليها.و ليس معنى ذلك أن سيداتنا غير أنيقات أو أن نسبة الذوق معدومة،و انما يضم مجتمعنا مختلف المستويات و لكن عدد الانيقات الواعيات ضئيل و محدود.
و هناك نسبة لا بأس بها من الباحثات عن الاناقة،و لكنها تضل الطريق بسبب أنه ليس لديها الوعى الكافى عن الاناقة،و فى اعتقادى أن هذا النموذج يمثل أكثر من نصف سيداتنا ثم هناك نسبة أخرى تعيش على هامش الموضة وهذه تضم عددا كبيرا أيضا،و هكذا يتبين لنا ان الاغلبية بعيدة عن مجال فهم الموضة.
و لقد ظهر فى القاهرة منذ عدة سنوات عدد من المصممين المبتكرين الذين يستحقون كل التقدير و الاعجاب.و لكنهم اضطروا الى غلق محلاتهم أو السفر الى الخارج بعد أن رفضوا النزول الى ذوق الجمهور و اذكر من بين هؤلاء (يوسف رزق الله) الذى كان له بيت أزياء فى شارع قصر النيل و لم يجد المجال أمامه فرحل الى أمريكا و عمل مع (جون لويس) أشهر بيوت الازياء فى كاليفورنيا و الذى يقوم بتصميم أزياء أنيقات السينما،و هناك أيضا (بيلو جمال) الذى رحل الى انجلترا و نجح هناك نجاحا كبيرا. و هناك كذلك (رولان شقال) و هو مصرى مثل يوسف و جمال – على فكرة بيلو اسم الشهرة و يعمل الان فى ايطاليا.و كل ذلك يدل دلالة قوية على أن المواهب موجودة فى بلادنا و لكنها لا تجد فرصتها للخلق و الابتكار.
التشجيع مطلوب
و هناك حقيقة كبرى يجب الا تغيب عن أذهاننا،و هى أن أغلب المشرفين على فن الازياء فى بلادنا كانوا الى وقت قريب من الاجانب و قد دخل عدد من ابناء بلادنا هذا المجال،و استطاعوا أن يسدوا الفراغ الذى تركه الاجانب،و لكن تجربتهم ما زالت بسيطة،و لذلك يجب ألا نبخل عليهم بالتشجيع و التسهيلات و الامكانيات حتى يمكنهم النجاح و التفوق.
ان المشرفين الجدد لم يعطوا الفرصة التى أعطيت للاجانب من قبل، فهؤلاؤ كانوا يسافرون الى الخارج قبل بداية كل موسم،و يستوردون الموديلات حيث يتم نقلها على الاقمشة، دون أن يعترض أحد أو ينقد هذه التصرفات التى ليس فيها أى دليل على الابتكار.و لكنها بصراحة عقدة الخواجة!
صحيح أن أغلب المشرفين عندنا ليسوا على السمتوى الذى نتمنى أن يكونوا عليه،و لكنهم يبذلون مجهودات ضخمة من أجل الارتفاع بسمتوى فنهم.و لو أننا أردنا أن نحقق لهم مكانة مرموقة، لكان علينا أن نتيح لهم فرصة الاتصال الدائم بيوت الازياء العالمية،و أن يحضروا العروض العالمية من وقت لاخر حتى يتيح لهم ذلك مزيدا من الثقافة و الافكار الجديدة و حتى تتوفر لهم الامكانيات المتكافئة.
و النقل ليس عيبا. فان أمريكا نفسها التى وصلت الى أرفع المستويات فى صناعات مختلفة، تنقل موديلات باريس،و تقديمها الى الجمهور بكل فخر.و نحن لا يمكن أن نصل الى القمة فى غمضة عين، يجب أن نواجه الامور بواقعية،و أن نرقى السلم درجة درجة.
بقيت كلمة أخيرة.. أننا اذا أردان أن نصل بصناعة الازياء الى مستوى عاملى، فمن واجبنا أن نقيم هذا التقدم على أساس من التخطيط الدقيق فالاقمشة مثلا وصلت الى مستوى عالمى،و أصبحت تقدم جديدا فى كل عام،و لكننا فى نفس الوقت نجد أن خيط الحياكة غير متوفر بنفس الوان الاقمشة فنضطر الى استعمال خيوط مقاربة. و نفس الامر بالنسبة الالوان (السـست) و الازرار.
كذلك فأن المقاسات ليست موحدة فى المحلات التجارية.و فى اعتقادى أن هذا التناقض فى سبيله الى الزوال بعد أن قدم طلبة بالكالوريوس العندسة شعبة الانتاج بحثا دقيقا خاصا بمقاسات و أطوال الاجسام.و كان الهدف منه الوصول الى مقاسات موحدة لعمل باترونات مصانع الازياء الجاهزة و المحلات العامة. و قد علمت أن هذا المشروع سوف يخرج الى النور فى أقرب وقت.
و هذه الاضواء تلقى على طريق الفن مزيدا من الامل،و توحى بمولد نهضة جديدة فى عالم الازياء العربية.. نهضضة قوية متفوقة تقف الى جانب أرقى النهضات العالمية فى هذا الفن.
المصدر: مجلة حواء
نشرت فى 28 نوفمبر 2010
بواسطة hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
22,863,923
الصور المختارة
رئيس مجلس الإدارة:
عمر أحمد سامى
رئيسة التحرير:
سمر الدسوقي
الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز
ساحة النقاش