صعدت للبوكر وفازت بجائزة نجيب محفوظ

ميرال الطحاوى :الحكى أنثى والكتابة رحم

كتب: محمد الحمامصي

فازت الروائية ميرال الطحاوي عن روايتها "بروكلين هايتس" على جائزة نجيب محفوظ، وذلك بعد أيام من إعلان صعود نفس الرواية للقائمة القصيرة للبوكر العربية، وشهدت قاعة إيورت بالجامعة الأمريكية بالقاهرة الاحتفالية التي أقامها قسم النشر بالجامعة للإعلان عن الجائزة، وحضرها عدد كبير من المثقفين والكتاب، وقد جاءت أقوال أعضاء لجنة التحكيم التي ضمت كل من هدى وصفي وجابر عصفور ومحمد برادة وفخري صالح وسامية محرز، مشيدة بالرواية حيث قال جابر عصفور "تجربة مثيرة عن العلاقة بين الشرق والغرب خصوصا أنها لم تسر على التقاليد المسبوقة في تناول العلاقة، ولذلك كان العالم الذي تصفه في الولايات المتحدة هو عالم المهمشين الذي يوازي أمثالهم في الوطن الأم".

مظلة نجيب محفوظ

وأكدت الطحاوي أنها ولدت ككاتبة تحت مظلة نجيب محفوظ وأيضا نشرت أعمالها المترجمة، وقالت "كان نجيب محفوظ بالنسبة لي وسيظل المثال و النموذج الأكثر إخلاصاً للكتابة، التجربة الأكثر امتداداً من جيل إلى آخر، نجيب محفوظ الأب الذي يجسد الدأب والتواضع والاحتواء. نتمرد على كتابته لكننا كل مرة نعود بقوة أكبر إلى الإعجاب به. الأبوة الحقيقية تترك علاماتها وتعقيداتها من المحبة إلى الاحتجاج. لم أقابل نجيب محفوظ، لكنني مثل كل كتاب جيلي كنا نعرفه وننتمي له، مثل كل الأبناء نتذكره حين نبحث عن هوية وشكل لتجاربنا المتعددة في الكتابة، نعرفه حين نذكر كلمة رواية نتدثر بعباءته الروائية محكمة النسيج والتي تتسع لكل الباحثين عن موقع للكتابة".

فنية عالية

تحكي رواية الطحاوي "بروكلين هايتس" قصة أم وحيدة مع طفلها البالغ من العمر سبع سنوات ، تترك وطنها وتهاجر كلاجئة تعيش أجواء اللاجئين والمتعطلين والجيل الأول من عرب بروكلين . البطلة التي تكتشف أنها تسترد ذاكرة طفولتها عبر جغرافية بديلة فكل شخصية تقابلها تتماثل وتتقاطع مع الذاكرة ، في رحلة البحث عن الذات و عن لقمة العيش. تكتشف البطلة عوالم جديدة تحملنا معها في رحلة مماثلة عبر أروقة بروكلين وعبر طفولتها هي سرد رهيف لواقع شديد التعقيد.

الرواية تخوض بفنية عالية حياة امرأة مطلَّقة وصغيرها في مدينة نيويورك، وتناوب خناجر الذكريات، والعُمر، عليها. كما تتعرض لنماذج مختلفة من المغتربين من بقاع الأرض في "التفاحة الكبيرة". وتعرض البطلة _ هند- عالمها الثري بالتفاصيل الشرقية، وخباياه، ومحرماته التي تقهر الإنسان عامة والنساء خصوصا، وكيف استمرت تسير رغم طعنة هنا وضربة هناك. والبطلة امرأة صلبة مثخنة بالحب والمواجع، لكنها لا تتوقف عن أن تنكأ جراحها، أو لعقها، بل تستمر بفيض ضوء طفيف يتسلل دائماً في اللحظة الأخيرة، تستند على لا شيء سوى ذاتها وابنها الذي تحارب العالم، ونفسها في بعض الأحيان، من أجله.

بروكلين

"هند_، المشبعة حتى النخاع بتراثها الشرقي، بكل مسراته وأوجاعه، يلفظها واقع مشحون بالخيانة والتفسخ والجحود، تتجه غربا في رحلة إلى المجهول، وتقدم للقارئ، في مخيال مبهر، وعبر سرد إنساني رهيف، عملا مركبا متعدد المحاور يمور بصنوف السلوك الإنساني والتحولات الفكرية والاجتماعية ومحاولات التنصير والأسلمة وغرائب اللغط الديني.

"بروكلين هايتس" هي الرواية الرابعة لميرال الطحاوي"بعد :الخباء والباذنجانة الزرقاء ونقرات الظباء" هي رحلة بحث عن الذات تتلاقى مع أعمال فنية تحاورت ما بين الشرق والغرب ورسمت رحلة الاصطدام بالثقافات الاخري منذ كتب الطيب صالح " موسم الهجرة للشمال" وسبقه توفيق الحكيم بعصفور من الشرق.

وقد وجهت الكاتبة كلمة في الاحتفال الذي أقيم بالجامعة الأمريكية بالقاهرة بمناسبة فوز روايتها بجائزة نجيب محفوظ جاء فيها قولها : ذات صباح في شهر ديسمبر في السنة نفسها التي انطلقت فيها جائزة نجيب محفوظ لأول مرة، ركب رجل لم أكن أعرفه في ذلك الوقت عربة من عربات البيجو السريعة، حاملا في جيبه خريطة لقرى ونجوع لابد أن يمر بها ليصل لبيت أبي، عبرت العربة مساقي الطين، وإقطاع البدوان وتلال فرعون ووقفت أمام بيوت أولاد العم الكاعين على الرمل، نزل الرجل ثم وقف أمام الباب الخارجي القديم، الذي تفصله عن حدود البيت مسافة لا يستهان بها، وقف بصبر طويلا ينتظر أن يجيبه أحد وهو يكرر اسمي مرة بعد مرة، وكل مرة كان يجد من يسأله باستنكار: من أنت ؟ فيجيب بصبر أنا المترجم.

الترجمة

في ذلك الوقت بدت لي أن كل مشاكلي في الحياة ستدور حول الترجمة.

من هو المترجم ؟ وما معنى ترجمة ؟ ومن سمح له أن يسير في البلد سائلا عليك باسمك هكذا بلا خجل؟ ومن سيجلس معك وهو إن شاء الله يترجم؟ وهل كان ينقصنا يا ربي هذه الترجمة؟ هكذا قالت أمي رحمها الله وهي لا تعرف كيف تتعامل مع الرجل الغريب الذي يطلب الجلوس مع ابنتها لدواعي الترجمة.

كان المترجم مشغولا ببعض الكلمات البدوية والأغاني و أسماء الأشياء التي تحتاج تفسيرا في روايتي الأولى الخباء، جلس آخي الأصغر أمامه مستعدا للإجابة نيابة عني، شارحا ومتداركا كل ما يتعلق بروايتي التي لم يقرأها، لكنني على أية حال ربما لا افهم عن حياة البدو أكثر منه، حتى لو كتبت رواية عنهم ربما لأنني فقط بنت . ورغم كل محاولاتي التدخل وفرض بعض السلطة على حركة الترجمة التي تتم قسريا رغما عني، فقد باءت كل محاولاتي بالفشل.

بدا انطوني كالدربك- المترجم- أكثر مني تفهما لحركة الترجمة داخل الثقافة القبلية، واستسلاما للواقع أصبح يوجه أسئلته مباشرة لأخي بدلا مني، وبدأت أهز رأسي باستسلام لأؤكد أن ذلك بالضبط ما كنت أقصد كتابته.

في المرات التي تلت ذلك، أصبح انتوني أكثر تفهما لدوري في عملية الترجمة، فقد جاء سائلا عن بيت أبي متحاشيا ذكر اسمي ولو من بعيد، وطرق الباب طالبا مقابلة أحد أخوتي دون أن يتطرق إلى وجودي مراعاة للتقاليد التي صار خبيرا بها، وصرت من خلف الباب المغلق أتلصص من جديد على حكاياتي التي يعاد خلقها.

بعد ترجمة رواياتي الثلاث الخباء، الباذنجانة الزرقاء، نقرات الظباء لعدد من اللغات الأوربية عن طريق الجامعة الأمريكية التي صارت الوكيل الأدبي لأعمالي خرجت من بيت أبي، أهدتني الكتابة نعمة التطلع والحلم والبحث عن أفق أرحب للتحقق.

ظلت الترجمة في مخيلتي مرادفا لصباح شتائي يقف فيه رجل لا أعرفه أمام بيت لا يعرفه، ويحاول بصبر أن يجد من يرد عليه، الترجمة هي أن يركب أجنبي ركوبته ويرحل إلى أماكن أبعد من حدود الدلتا والأرض المزروعة ويكتشف عوالم ليست مأهولة لأحد، يسمونها صحراء واسميها تلال فرعون، تلك البلاد التي خلقتها وخلقت هي عوالم كتابتي، من حكايا النساء نسجت خباء وسكنت فيه وحدي، أنا ابنة الأغاني والمواجد والحكايات والتلصص على عالم الرجال، آمنت أن الكتابة الحقيقية هي القدرة على بناء عوالم تخصني وحدي وتختصر وجودي، آمنت أن الحكي أنثى والكتابة رحم".o

 

المصدر: مجلة حواء- محمد الحمامصي
  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 1356 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,870,798

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز