الملك والصياد والوزير

قصة بقلم : محمود أبوعيشة

خرج الملك يوما ومعه وزيره متنكرين فى زى التجار ، يتفقدان الرعية ، وظلا سائرين حتى بلغا شاطىء البحر ، وكان الشتاء قارسا ، فرأى الملك رجلا كبيرا فى السن ، يجهز قاربه للصيد وهو متكئ على عصاه ، فقال الملك :

يا شيخ الصيادين لقد بلغت من الكبر عتيا ، حتى أصبحت لاتقدر على الوقوف إلا بمساعدة العصا ، فهل ثلاثة وثلاثة وثلاثة لايغنى عن ثلاثة ؟

قال الصياد : لا .

قال الملك : فكيف حال الجماعة ؟

قال الصياد : تفرقوا .

قال الملك : وما حال البعيد ؟

قال الصياد : أصبح قريبا .

قال الملك : وكيف حال الأثنين؟

قال الصياد : أصبحا ثلاثة .

فنظر الملك إلى الصياد نظرة احترام ، وقال له : لاتبع رخيصا.

وتركه وانصرف والوزير معه سار معا يتحاوران فى أمور الحكم وشئون الرعية ، حتى استأذن الوزير فقال للملك : ما الثلاثة والثلاثة والثلاثة التي لاتغنى عن الثلاثة . وما الجماعة التى تفرقت وما الاثنان اللذان أصبحا ثلاثة ؟

اندهش الملك وقال :

لا تعلم معنى هذا الكلام وأنت وزيرى ومستشارى وحامل سرى، ويعلمها واحد من رعيتى ، أمهلك ثلاثة أيام لتعرف معنى هذا الكلام ، وإلا ستخلع من منصبك، ويعلق رأسك الشريف على باب المملكة .

إنصرف الوزير مغتما يلوم نفسه على أنه سأل ، وقال فى نفسه لابد أن أهل الحكمة والعلم يعرفون معنى هذا الكلام ، وفى الصباح الباكر ذهب إليهم وكله أمل أن يجد عندهم المعنى ، فقالوا «لكل باب مفتاح ، ولكل مقام مقال ، ولكل سياق معنى» .

فلم يظفر منهم بشىء ، رجع حزينا إلى بيته يتخيل رأسه الجميل ، أمام عينيه معلقا على باب المملكة ، رأته ابنته ساهما فسألته عما به ، فقص عليها ماحدث فقالت له : يوم مضى وبقى يومان فأمامنا فرصة إن شاء الله .

أنقضى اليوم الثانى ولم يجد الوزير حلا فأشارت عليه ابنته أن يذهب إلى الصياد ويخبره أن الذى تحدث معه هو الملك وليس تاجرا ، وهو الوزير وأن الملك يريد أن يعرف هل فهم الصياد معنى كلام الملك ، أم أرد عليه من دون علم .

فى الصباح الثالث ذهب الوزير إلى الصياد ، وفعل ما أشارت به الابنة ، فضحك الصياد وقال له : سيدى الوزير علمت أنه الملك ، وعلم أننى أفهم كلامه .

فقال الوزير : أريد أن أعرف معنى هذا الكلام ؟

فقال الصياد للوزير : بكم تشترى ؟

قال الوزير : بكم تبيع ؟

قال الصياد : بنصف مالك ونصف المملكة وتكتب لى صكين بذلك .

سكت الوزير ، وفكر فى نفسه «لم تبق إلا ساعات ويعلق رأسى، أحيا بنصف المال أفضل من الهلاك ، أما نصف المملكة فليس لى» ونادى ثلاثة من حرسه ، وبعث أحدهم إلى بيته ليأتى بقطعتى جلد وريشه ودواة وخاتم الوزير .

كتب الصكين وختمهما بخاتمه وقال للصياد : إذن ما الثلاثة والثلاثة والثلاثة التى لاتغنى عن الثلاثة ؟

قال الصياد : شهور الصيف الثلاثة وشهور الربيع الثلاثة وشهور الخريف الثلاثة لاتغنى عن شهور الشتاء الثلاثة .

فقال الوزير : وما الجماعة التى تفرقت ؟

قال الصياد : أسنان الشيخ.

قال الوزير : وما الأثنان اللذان أصبحا ثلاثا ؟

قال الصياد : رجلا الشيخ أصبحت العصا ثالثتهما .

فرح الوزير ونسى أن يسأل الصياد عن الكلمة الأخيرة «لاتبع رخيصا» ، وطار إلى الملك وأحب أن يخدعه ، فقال يا مولاى : كنت أعلم معنى الكلام ، لكننى آثرت أن أعرف مكانتى عندك ؟

فسأله الملك فأخبره بما قال الصياد ، نظر الملك إلى الوزير وقال له : أخبر قائد الحرس عن مكان الصياد .

ارتبك الوزير وقال : لم يا مولاى !

قال الملك : لأمر مهم .

ونادى الملك كبير الحرس وأمره أن يحضر الصياد ، فقال الوزير فى نفسه «جالك الموت يا تارك الصلاة» .

قال قائد الحرس للصياد : الملك يطلبك .

أخذ الصياد الصكين فى جلبابه ، ودخل القصر منتصبا ، سلم على الملك ووقف بين يديه .

قال الملك : علمت أننى ملك ولست تاجرا .

قال الصياد : نعم يا مولاى منذ طلعت على بطلعتك البهية .

فقال الملك : تذكر ما قلت لك؟

قال : نعم يا مولاى .

قال الملك : فلم بعت رخيصا!

أخرج الصياد الصكين من طيات ثيابه ، وقال : بعد إذنك مولاى اقرأ هذين .

نظر الملك فى الصكين ونظر إلى وزيره ، وقال له : تبيع نصف المملكة من دون أن تملكها ، فماذا لو ملكتها ؟

بكى الوزير وقال : لو أنى أملك الدنيا كلها لبعتها مقابل حياتى .

فقال الملك : تكفيك حياتك إذهب عنى .

وأتخذ الصياد وزيرا له.o

محمود أبوعيشة

 

 

 

المصدر: مجلة حواء -محمود ابو عيشة
  • Currently 11/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
4 تصويتات / 7925 مشاهدة
نشرت فى 19 سبتمبر 2011 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,691,318

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز