"وليس الذكر كالأنثى"، هذه الآية جاءت في سياق قصة امرأة عمران، والدة العذراء مريم ـ عليها السلام ـ حيث يقول تعالى: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم} آل عمران: 35، 36.. العبارة جاءت على لسان امرأة عمران والدة مريم ـ عليها السلام ، فما الذى دفع فقهاء المسلمين لأن يجعلوها قاعدة ربانية زاعمين أن الخالق عز وجل يفضل الذكر على الأنثى!! هل اعتبروا الأنثى مسئولة عن نوع من تلد؟! إنهم يستشهدون بالآيات القرآنية مثل قوله تعالى: { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ }، وهم الرجال، { عَلَى بَعْضٍ } وهن النساء، ومنها: قوله تعالى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}، ويقول أحدهم (وذلك لأن الذكورة في كمال خلقي، وقوة طبيعية، وشرف وجمال، والأنوثة نقص خلقي، وضعف طبيعي، كما هو محسوس ومشاهد لجميع العقلاء، لا يكاد ينكره إلا مكابر!!، "ثم يضيف لا فض فوه" أن الخالق جل وعلا أشار إلى ذلك بقوله: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [الزخرف:18]؛ ويفسر سيادته الآية بأن "فالأنثى تنشأ في الحلية، أي: الزينة ـ من أنواع الحلي والحلل ـ لتجبر بذلك نقصها الخَلْقي)، ثم هم يتحجون آية الدين التى تفرق بين الذكر والأنثى فى الشهادة ونصها: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [البقرة: 282] ، وزاعما أن الرسول - عليه السلام - فى نص من الأحاديث الصحيحة بين أن سبب هذا هو نقصٌ في عقلها. !! الرسول الذى روى عنه أنه أشار إلى السيدة عائشة قائلا "خذوا دينكم عن هذه الحميراء"!!
وتأمل معى تفسير الشيخ السيد رشيد رضا أحد الفقهاء القدامى لتأويل الآية بأن "هذا التفريق ـ لمن تأمله ـ عين العدل، ويقول: مبيناً هذا المعنى: "إن المرأة ليس من شأنها الاشتغال بالمعاملات المالية ونحوها من المعاوضات، فلذلك تكون ذاكرتها فيها ضعيفة، ولا تكون كذلك في الأمور المنزلية ـ التي هي شغلها ـ فإنها فيها أقوى ذاكرة من الرجل، يعني أن طبع البشر ذكراناً وإناثاً أن يقوى تذكرهم للأمور التي تهمهم ويكثر اشتغالهم بها، "ثم يستدرك" ولا ينافي ذلك اشتغال بعض النساء الأجانب في هذا العصر الأعمال المالية فإنه قليل لا يعول عليه، والأحكام العامة إنما تناط بالأكثر في الأشياء وبالأصل فيها."، ثم يبرر تفسيره المبتسر بقوله "ولا يظنن أحدٌ أن في ذلك انتقاصاً لقدرها، بل هو تنزيهٌ لها عن ترك مهمتها الأساسية في التربية والقرار في البيت، إلى مهمة أقل شأناً وسمواً، وهي ممارسة التجارة والمعاملات المالية ! يا سلام!!
فماذا لو عاد ذلك الشيخ إلى الحياة هذه الأيام وشاهد وزيرات الاقتصاد وآلاف النساء العاملات فى المجالات الاقتصادية، وكيف يبرمن الصفقات الناجحة ويتولين كافة الأمور المالية ببراعة يحسدهم عليها الكثير من الرجال، لقد أثبت الزمن زيف إدعاءات الفقهاء القدامى الذين ناصبوا المرأة العداء ودعوا لاعتقالها فى سجن أوهامهم الساذجة ولكن الله سبحانه وتعالى شاء لها أن تتحرر.
ساحة النقاش