قليل من الحرية = كثيرٌ من المسئوليـــــة
كتبت :سمر عيد
يقف عادة دعاة تحرير المرأة بعد كل ثورة رافعين شعارات تطالب بحقوقها، وفى عالمنا العربى ربما تكون المرأة المصرية أوفر حظاً اجتماعياً من بعض الدول العربية التى تضيق الخناق على المرأة وتحصر دورها فى المنزل وتربية الأطفال، وهو دورٌ كبيرٌ لا محالة فى ذلك، ولكن تظل المرأة بلا دور بعدما يكبر أبناؤها أو حتى إن لم تتزوج على الإطلاق، ويظن البعض خطأً أنه إذا ما تركنا العنان للمرأة كى تفعل ما تريده اجتماعياً وسياسياً فإن قيم المجتمع وعاداته سوف تضيع أدراج الرياح.
وهذه مقولةٌ خاطئة لأن المرأة تكون حرةً فى منزلها وهى التى تتخذ القرارات وهى التى تربى الأبناء بل وهى التى تملى على الزوج تصرفاته فى كثير من الأحيان، وكيف لا وهى الأستاذة والمعلمة التى تعلم الطفل أول حروف الهجاء وهى التى تدرسه علومه وتربى فيه الأخلاق والمبادئ وكيف لا وهى الأخت التى تقف إلى جوار أخيها فى الشدائد وهى الزوجة التى تتحمل مسئوليات الحياة وأعبائها مع زوجها وكيف لا وهى الحبيبة التى يبذل من أجلها الرجل ويضحى بكل غال كى يصل فقط إلى رضاها؟!
هناك نساء كثيرات فى المجتمع قد حصلن على حريتهن ولكنهن لم يستغللنها استغلالاً سيئاً كما أعتقد البعض.
تقول نهى سالم مهندسة ديكور: لقد دفعت ثمن حريتى غالياً جداً، فلقد كنت أظن أن الزواج مشاركة وحب وتفاهم واحترام ولكنى وجدت أن الزواج هو أوامر وتحكم وكبت للحرية دون داع، كان زوجى يتحكم فى ملبسى ومأكلى ومشربى ولا يتركنى أمارس عملى كما ينبغى أن يكون، لقد خنقنى بتصرفاته وأفعاله التى لا تناسب المرأة فى هذا الزمن، ربما كانت تناسبها فى وقتٍ من الأوقات فى الزمن الغابر الذى كانت لا تتحدث فيه المرأة إلا من خلف البيشة لذا طلبت الطلاق كى أحصل على حريتى ولكن دفعت ثمن ذلك غالياً حيث أصبحت ملزمة بثلاثة أطفال أنا التى تنفق عليهم وتربيهم وتتحمل أعباءهم كاملة ولكننى سعيدة بهذه الحياة التى أستطيع أن أتنفس فيها دون قيود.
مسافرةٌ وحدي
وتضيف جومانة نور خريجة هندسة إحدى الجامعات الخاصة: أبى رجلٌ صعيدى وعمل بالسعودية لفترة طويلة فتأثر بالفكر الوهابى كثيراً وأصبح لا يعترف بحق المرأة ولا الفتاة فى اتخاذ القرار وفى أمورٍ كثيرة أخرى وعلى رأسها السفر وحدها دون محرم ولقد دفعنى توقفى عن الدراسة أن أراسل إحدى الجامعات فى كاليفورنيا بأمريكا ولقد قبلت هذه الجامعات أن أكمل دراستى العليا هناك، وبدأت أحاول إقناع أبى بالسفر إلى الولايات المتحدة ولكنه رفض رفضاً شديداً واتهمنى بالفجور والإنحلال لأنى أريد السفر والعيش وحدى فى بلادٍ لا تعترف بالقيم والعادات العربية، ولكنى أصررت على رأيى فما كان منه إلا أنه قال لى افعلى ما تريدين، ولن تنالى منى مليماً واحداً، وبالفعل حزمت حقائبى وجهزت للسفر وأخذت التأشيرة، وسوف أسافر وأتحمل نفقاتى كاملة من ناحية السكن والطعام والملبس، إننى سأبحث عن عمل هناك حتى أستطيع دفع مصاريف الجامعة والوصول إلى ما أريد، أعترف أننى سوف أتعب كثيراً ولكننى سأحصل على حريتى فى التعليم وفى الحياة.
الحرية الاقتصادية أهم
وتضيف أسماء فلاحة: إن الحرية المالية والاقتصادية هى الأهم وتقول: لقد ورثت أنا وأخى أرضاً من أبي، هى عبارة عن مزرعة للموالح وطبعاً حصل أخى على ضعف ما حصلت عليه وكان نصيبه أكبر من نصيبى بكثير ولكنه لم يقنع بما أعطاه الله له وطمع فى نصيبى من الأرض وحاول الاستيلاء عليها لا لشيء إلا لأننى امرأة وفلاحة وحاصلة على الابتدائية فقط ولكن وقفت كما يقولون وقفة «رجال».
وحصلت على أرضى وبدأت أنا أصرِّف أعمالها وأنا التى تتفق مع العمال والفلاحين لزراعتها، والحمدلله أعطت أرضى فى المحصول أكثر من أرض أخى وأثبت أن المرأة المصرية حتى غير المتعلمة أو المتعلمة تعليماً بسيطاً تستطيع الاعتماد على نفسها، وأعترف أن الكثير من العمال والمزارعين يستخفون بى لأنى امرأة ولكنهم عندما يجدون امرأة قوية وواعية بأرضها وتفهم جيداً فى أمور الزراعة فإنهم يخافون منها «ويعملون لها ألف حساب»، إن الاستقلال المالى للمرأة يجعلها صاحبة قرار ويجعلها حرة فيما تفعله.
المرأة المناسبة فى المكان المناسب
وتعلق الدكتورة نورا رشدى أستاذة الخدمة الاجتماعية على موضوع حرية المرأة قائلة:
أحياناً يخطيء متخذو القرار حيث يريدون إعطاء مزيداً من الحرية للنساء ووضعهن فى مواطن اتخاذ القرار فيختارون نساء غير مناسبات ولا يصلحن لتولى هذه المناصب فيسئن إلى المرأة عموماً المناسبة وعلى متخذى القرار أن يضعوا المرأة المناسبة فى المكان المناسب، والمرأة التى شاركت الرجل ووقفت إلى جواره فى ميدان التحرير واستشهدت من أجل الحرية.
ولم تفعل ذلك إلا كى تحصل على مزيد من الحرية، ولقد كانت الحكومة السابقة تختار أمينات للمرأة بالحزب الوطنى حاصلات على الإعدادية فكيف يمكن لهؤلاء أن يقدن المجتمع، هل نترك الحاصلة على الدكتوراه ونضع الجاهلة؟!! ثم نقول إن النساء لا يصلحن لتولى المناصب القيادية، والحرية السياسية لابد وأن يقابلها وعى سياسى فعلى المرأة أن تثابر وتتعلم حتى تستطيع أن تنعم بالحرية السياسية والمناخ الديمقراطي، أما عن الحرية الاقتصادية فهناك مثل أمريكى رائع يقول: «من لا يملك قوت يومه لا يملك قراره»، فعلى المرأة ألا تكون كائنا اعتمادياً على الرجل فى الإنفاق حتى تستطع قرارتها بنفسها وعلى الدولة أن تخصص إعانات ومعاشات حتى للنساء ربات البيوت حتى يستطعن الاستقلال برأيهن فى كل شيء، أما عن الحرية الاجتماعية والثقافية فهى الأخطر لأن النساء إذا مارست حريتهن الاجتماعية فهن يُتهمن بالإنحلال والإنحراف بل يصل الأمر إلى تكفيرهن من بعض الفئات المتشددة دينياً لذا أؤكد أن المرأة المصرية إذا ما أرادت أن تتحرر بحق فعليها أن تتحمل مسئولية هذه الحرية كاملةً.
ساحة النقاش